الْفَاْطِرُ: هوَ الذي فطرَ الخلقَ أيِ اخترَعَهم
وأوجدَهم قالَ تعالى: ﱡﭐ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱠ([1]) وَقالَ تعالَى في سورةِ الشورى: ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ
ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ([2])ﱗﱠ، ومِنْ
جملةِ ما وردَ عنْ سيدِنا إبراهيمَ عليهِ السلامُ مِنَ الدعاءِ: ﱡﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﱠ([3])، وكانَ منهُ هذا الدعاءُ بعدَ أنْ
أقامَ الحجةَ على قومِه أَنَّه لا معبودَ بحقٍ إلا اللهُ، وأَنَّ الكواكبَ لا تستحقُّ
العبادةَ.
مَسْئَلَةٌ مُهِمَّةٌ: في بيانِ معنى قولِه تعالى حكايةً
عنْ إبراهيمَ: ﱡﭐ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﲀﱠ([4])، لقدْ كانَ سيدُنا إبراهيمُ عليهِ
الصلاةُ والسلامُ كغيرِه مِنَ الأنبياءِ منذُ صغَرِه ونشأتِه مُسلمًا مؤمنًا
عارفًا بربِّه معتقدًا عقيدةَ التوحيدِ مُنزهًا للهِ عنْ مشابهةِ المخلوقاتِ،
ومُدركًا أنَّ هذهِ الأصنامَ التي يعبدُها قومُه لا تغني عنهم مِنَ اللهِ شيئًا،
وأَنَّها لا تضُرُّ ولا تنفعُ لأَنَّ الضارَّ والنافعَ على الحقيقةِ هوَ اللهُ
تعالى وحدَه، قالَ تعالى: ﱡﭐ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﱠ([5])، وقالَ اللهُ تعالى: ﱡﭐ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱠ([6])، وقالَ: ﱡﭐ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﱠ([7])، فقولُ إبراهيمُ عنِ الكوكبِ حينَ
رءاهُ: ﴿ﱲ ﱳ﴾ هوَ على تقديرِ الاستفهامِ الإنكاريِّ كأَنَّه قالَ: “أهذَا
ربِّي كمَا تزعمونَ”، ثُمَّ لما غابَ قالَ: “لا أحبُّ الآفلينَ” أي
لا يصلحُ أنْ يكونَ هذا ربًّا فكيفَ تعتقدونَ ذلكَ؟ وَلَمَّا لم يفهموا مقصودَه بلْ
بقوا على ما كانوا عليهِ قالَ حينَما رأى القمرَ مثلَ ذلكَ فلمَّا لم يجدْ منهم
بغيتَه أظهرَ لهم أَنَّه بريءٌ مِنْ عبادة القمرِ وأَنَّه لا يصلحُ للربوبيةِ، ثم
لما ظهرتِ الشمسُ قالَ مثلَ ذلكَ فلمْ يَرَ منهم بغيتَه فَأَيِسَ منهمْ فأظهرَ
براءتَه مِنْ ذلكَ، وأمَّا هوَ في حدِّ ذاتِه فكانَ يعلمُ قبلَ ذلكَ أَنَّ
الربوبيةَ لا تكونُ إلا للهِ بدليلِ قولِه تعالى: ﱡﭐ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﱠ([8]). قالَ الفخرُ الرازيُّ: “والوجهُ
الثاني في التأويلِ: أنْ نقولَ قولُه: ﴿ﱲ ﱳ﴾ معناهُ هذا ربِّي في زعمِكم واعتقادِكم؟”. ثُمَّ قالَ:
“المرادُ منهُ الاستفهامُ على سبيلِ الإنكارِ إلا أَنَّه أسقطَ حرفَ
الاستفهامِ استغناءً عنهُ لدلالةِ الكلامِ عليهِ”([9])اهـ ويكفي في براءةِ إبراهيمَ عليهِ
الصلاةُ والسلامُ مِنَ الكفرِ والشركِ ما قالَه اللهُ تعالى عنهُ: ﱡﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﱠ([10])، ومعنى ﴿ﲩ﴾ أي مائلًا عنِ الباطلِ وعنْ كلِّ الأديانِ إلى دينِ الحقِّ
الإسلامِ، ومعنى ﱡ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﱠ أيْ أَنَّه كانَ مِنْ طفولتِه إلى
المماتِ على دينِ الإسلامِ، لم يعبدْ شمسًا ولا قمرًا ولا نجمًا ولا حجرًا ولا
نارًا ولا وثنًا ولا شكَّ في قدرةِ اللهِ كمَا يفتري عليهِ الكفارُ بذلكَ، وإلا لم
يقلِ اللهُ عَنِ الخليلِ إبراهيمَ عليِه السلامُ: ﱡ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﱠ. فقدْ ظهرَ الحقُّ واتضحَ وبانتْ
براءةُ إبراهيمَ وكلِّ الأنبياءِ مِنَ الشركِ والكفرِ وَاتِّبَاعِ غيرِ الإسلامِ،
قبلَ النبوةِ وبعدهَا.
فَائِدَةٌ: كَانَ
رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا
اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ قَالَ: ((وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاتِي
وَنُسُكِي([11])
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي([12]) للهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ([13]) لا شَرِيكَ
لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ
الْمَلِكُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ
نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِيَ جَمِيعًا إِنَّهُ لا
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأِحْسَنِ الأَخْلاَقِ لا يَهْدِي
لأحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي
سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي
يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ([14])،
أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ
إِلَيْكَ))([15]).
دُعَاءٌ:
اللهُمَّ يَا فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأَخْلَاْقِ
وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا.
([2]) أشارت الآية الكريمة بدايةً إلى خَلْقِ اللهِ
عزَّ وجلَّ للسماوات وللأرض وبعد ذلك إلى خَلْقِ بني آدمَ أزواجًا وإلى خَلْقِ
الأنعامِ أزواجًا وأشارت أيضًا إلى ذِكْرِ أنَّ اللهَ تعالى هوَ الذي يُكَثِّرنَا
وكل هذه الإشارات دلالة على وجود الله ووحدانيته، فمن نظر في كل هذا علم أنَّ لهذه
الأشياء خالقًا خلقها وخَصَّها على ما هي عليه، وهذا الخالق لا يشبهها على وجهٍ من
الوجوه فناسب أن تُخْتَمَ الآيةُ بالتنزيه للهِ عن مشابهة كلِّ ما ذُكِرَ وما لم
يُذْكَرْ من مخلوقات الله عزَّ وجلَّ، فَخُتِمَتْ بقولهِ تعالى: ﱡ
ﱐ
ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗﱠ.
([13])
أي كلُّها مِلكٌ لله تعالى وبمشيئته وبخلقه، وفي هذا ردٌّ على
المعتزلة القائلين بأن الأفعال الاختيارية خارجةٌ عن مشيئة الله عزَّ وجلَّ والعياذُ بالله تعالى.
([14])
قال البيهقي: قال النضر
بن شميل: « والشر ليس إليك تفسيره: والشر لا يتقرب به إليك».اهـ الاعتقاد ص246.