الْعِلْمُ
اعْلَمْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ كَمَا أَنَّ ذَاتَهُ أَزَلِيٌّ، فَلَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يُحْدِثُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، فَلا يَتَّصِفُ بِعِلْمٍ حَادِثٍ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ اتِّصَافُهُ بِالْحَوَادِثِ لَانْتَفَى عَنْهُ الْقِدَمُ لِأَنَّ مَا كَانَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا.
وَمَا أَوْهَمَ تَجَدُّدَ الْعِلْمِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنَ الآيَاتِ الْقُرْءَانِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ [سُورَةَ الأَنْفَال/66] فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَلِمَ﴾ لَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: ﴿الآنَ﴾ بَلِ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى خَفَّفَ عَنْكُمُ الآنَ لِأَنَّهُ عَلِمَ بِعِلْمِهِ السَّابِقِ فِي الأَزَلِ أَنَّهُ يَكُونُ فِيكُمْ ضَعْفٌ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [سُورَةَ مُحَمَّد/31] مَعْنَاهُ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نُمَيِّزَ أَيْ نُظْهِرَ لِلْخَلْقِ مَنْ يُجَاهِدُ وَيَصْبِرُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَ اللَّهُ عَالِمًا قَبْلُ كَمَا نَقَلَ الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ الْمُثَنَّى، وَهَذَا شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [سُورَةَ الأَنْفَال/37].