الْعَظِيْمُ: فَهُوَ
عَظِيمُ الشَّأْنِ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ، فَالله أُعْظِمُ قَدْرًا
مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ، ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﱠ([1])،
فَاللّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ قَدْرًا وَعَظَمَةً وَلَيْسَ
حَجْمًا وَجِسْمًا فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الجِسْمِيَّةِ وَعَنْ صِفَاتِ
الأَجْسَامِ.
قَالَ
الحَافِظُ الهرريُّ([2]) مَا نصُّهُ: فَصْلٌ فِي مَعْنَى العَظَمَةِ وَالعُلُوِّ وَالكِبْرِيَاءِ
وَالفَوْقِيَّةِ:
أَجْمَعَ
المسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَظِيمٌ وَأَعْظَمُ مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ،
وَمَعْنى العَظَمَةِ وَالعُلُوِّ وَالعِزَّةِ وَالرِّفْعَةِ وَالفَوْقِيَّةِ وَاحِدٌ
وَهُوَ اِسْتِحْقَاقُ نُعُوتِ الجَلَالِ وَذَلِكَ تُقَدُّسُهُ عَنْ مُشَابَهَةِ
المَخْلُوقيْنَ وَتَنَزُّهُهُ عَنْ سِمَاتِ المحَدَثِينَ وَعَنِ الحَاجَةِ
وَالنَّقْصِ وَاِتِّصَافُهُ بِصِفَاتِ الإلٰهية كَالقُدْرَةِ الشَّامِلَةِ
للمقدوراتِ وَالإِرَادَةِ النَّافِذَةِ فِي المراداتِ وَالعِلْمِ المحِيطِ بِجَمِيعِ
المعْلُومَاتِ وَالجُودِ البَسِيطِ وَالرَّحْمَةِ الوَاسِعَةِ وَالنِّعْمَةِ
السَّابِغَةِ وَالسَّمْعِ وَالبَصَرِ وَالقَوْلِ القَدِيمِ.([3])
اهـ
فَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْظَمُ
مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ قَدْرًا وَعَظَمَةً وَرُتْبَةً وَشَأنًا وَمَنْزِلَةً وَلَيْسَ
حَجْمًا وَلَا جُثَّةً وَلَا كَمِّيَّةً إِذْ أَنْ مَنْ وَصَفَ اللهَ بالحجميةِ
وَالجِسْمِيَّةِ أَوْ عُلُوِّ المكَانِ وَالمسَافَةِ أَوْ الجِهَةِ فَهُوَ كَافِرٌ
بِاللّهِ العَظِيمِ جَاهِلٌ بِهِ، وَمَعْنى سُبْحانَ رَبِّيَ الأَعْلى وَسَبحَانَ
رَبَّيَ العَظِيمِ تَقْدِيسٌ وَتَمْجِيدٌ وَتَعْظِيمٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَلَيْسَ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ الكُفَّارُ مِنْ نِسْبَةِ المكَانِ أَوِ الحَجْمِ
إِلَى اللهِ تَعَالَى فَلَيْسَ عِظَمُ اللهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ الجِسْمِيَّةُ
وَالتَّرْكِيبُ مِنْ أَجْزَاءَ، فَالْمُرَكَّبُ مُحْتَاجٌ لِمَنْ رَكَّبَهُ
وَمُحْتَاجٌ لِمَنْ حَدَّهُ بِذَلِكَ الحَدِّ وَمُحْتَاجٌ لِمَنْ قَدَّرَهُ
بِمِقْدَارِهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا وَكُلُّ
مَخْلُوقَاتِ اللهِ تَعَالَى مَحْدُودَةٌ هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَدَّهَا
قَالَ الله تَعَالَى: ﭐﱡﭐﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺﱠ([4])
وقالَ اللهُ تَعَاَلى: ﭐﱡﭐﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗﱠ([5])
فَمَنْ نَظَرَ فِي هَاتَيْنِ
الآيَتَيْنِ عَلِمَ أَنَّ العَالَمَ وَمَا فِيهِ لَهُ حَدٌّ وَمِقْدَارٌ مِنْهُ
العَظِيمُ المِقْدَارِ وَمِنْهُ القَلِيلُ المِقْدَارِ وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ عَزَّ
وَجَلَّ لَيْسَ لَهُ مِقْدَارٌ لَا كَبِيرٌ وَلَا قَلِيلٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَان
لَهُ مِقْدَارٌ لِكَانَ شَبَهًا لِأَجْزَاءِ العَالَمِ المقَدَّرَةِ المحْدُودَةِ.
فائدةٌ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ
فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمٰنِ عَزَّ وَجَلَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ
سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ)) ([6]). وعَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ إِذَا حَزَبَهُ
أَمْرٌ قَالَ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْحَلِيْمُ الْعَظِيْمُ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيْمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ
الْعَرْشِ الْكَريِمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ
الأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيْمِ)) ثُمَّ يَدْعُو ([7])،
وَمَعْنَى حَزَبَهُ أَصَابَهُ وَاشْتَدَّ
عَلَيْهِ.
لَطِيْفَةٌ:
دُعَاءٌ نَافِعٌ لِلحِفْظِ مِنَ السِّحْرِ بِإِذْنِ اللهِ: “أَعُوذُ
بِوَجْهِ اللهِ العَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَىءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ وَبِكَلِمَاتِ
اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ وَبِأَسْمَاءِ
اللهِ الْحسْنى كُلِّهَا مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ شَرِّ مَا
خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ” ([8]).
– شَرْحُ بعضِ كلماتِ هذا الدعاءِ:
أعوذُ: أحتمي ([9])
بوجهِ اللهِ: بذاتِ اللهِ المقدسِ ([10])
لَا يجاوِزُهُنَّ: لا يَغْلِبُهُنَّ ([11])
بَرٌّ: طائعٌ، فَاجِرٌ: الكافرُ والفاسقُ ([12])
الحُسنَى: الكَامِلَةُ ([13])
ذَرَأَ وَبَرَأَ: خَلَقَ ([14]).
([2]) هو الحافظ اللغوي النحوي المفسر
الشيخ عبد الله بن محمد الهرري الحبشي العبدري الشيبي، كان يلقب بخادم علم الحديث
الشريف، وكان رأسا من رؤوس الشافعية والأشاعرة أهلِ السنة في زمانه، قصده طلبة
العلم الشرعي من مشارق الأرض ومغاربها حتى صار منارة لقاصدي مذهب أهل السنة
والجماعة، توفي ليلة الثلاثاء الثاني من رمضان عام 1429 هـ رحمه الله.
قال
في لسان العرب: أَنا عَائِذٌ وَمُتَعَوِّذٌ كَمَا يُقَالُ مُسْتَجِيرٌ بِالله.اهـ
لسان العرب لابن منظور ج3 ص498. ([9])
([12])قال السيوطي: (الَّتِيْ
لَاْ يُجَاْوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَاْ فَاْجِرٌ): أي لا ينتهي علم أحد إلى ما
يزيد عليها، والبر من كان ذا برٍّ من الإنس وغيرهم، والفاجر من كان ذا فجور.اهـ
تنوير الحوالك على موطأ مالك للسيوطي ج3 ص 119.