الخميس يناير 2, 2025

الْعَزِيْزُ: هوَ القويُّ الذي لا يُغلَبُ لأنَّه تعالى غَالِبٌ على أمرِهِ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲘ ﲙ ﲚﲛ([1])، فهوَ العزيزُ الذي لا غالبَ ولا قاهرَ لهُ سبحانَه، فاللهُ تعالى غيرُ مغلوبٍ فلذلكَ قالَ أهلُ السنةِ: اللهُ تعالى لا يجبُ عليهِ شىءٌ ([2]) لأنَّه لا غالبَ لهُ، فَمَنْ جَعَلَ اللهَ يجبُ عليهِ شىءٌ فهذا ليسَ مسلمًا، أمَّا قولُه تعالى: ﱡﭐ   ([3]) أيْ وعدًا منَّا ([4])، فاللهُ تعالى لا يجبُ عليهِ شىءٌ ولا يقالُ عنْ شىءٍ هذا حرامٌ على اللهِ تعالى، أمَّا مَا وردَ في الحديثِ القدسيِّ: ((إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي)) ([5]) فمَعناهُ: إنِّي تنزهتُ عنِ الظلمِ، إنِّي منزهٌ عنِ الظلمِ. فالتحريمُ فى اللغةِ معناهُ المنعُ، أيْ أنَا لا أَتَّصِفُ بالظلمِ، لأَنَّ الظلمَ فى لغةِ العربِ يطلقونَه على أحدِ أمرينِ: إمَّا مجاوزةِ الحدِّ أو التصرفِ فى ملكِ الغيرِ بغيرِ إذنِه ([6]) ([7])، قالَ البيهقيُّ: “حقيقةُ الظلمِ هوَ تعدي الحدِّ والرسمِ الذي يَرْسُمُهُ الآمرُ الذي لَا آمِرَ فوقَهُ”([8]). اهـ

فهوَ سبحانَه الذي لا حاملَ لهُ على فعلِ شىءٍ ولا مُلجىءَ لهُ قالَ تعالى حكايةً عن عيسى عليهِ السلامُ: ﱡﭐﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ([9])، قالَ القرطبيُّ: “قالَ تعالى: ﴿ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ولم يقلْ: فإنَّك أنتَ الغفورُ الرحيمُ على ما تقتضيهِ القصةُ مِنَ التسليمِ لأمرِهِ والتفويضِ لحكمِهِ. ولوْ قالَ: فإنَّك أنتَ الغفورُ الرحيمُ لأوهَمَ الدعاءَ بالمغفرةِ لِمَنْ مَاتَ على شِرْكِهِ وذلكَ مستحيلٌ؛ فالتقديرُ: إن تُبْقِهِم على كفرِهم حتى يموتوا وتعذِّبْهم فإنَّهُم عبادُك، وإنْ تَهدِهِم إلى توحيدِك وطاعتِك فتغفرَ لهم فإنَّك أنتَ العزيزُ الذي لا يمتنعُ عليكَ ما تريدُه، الحكيمُ فيمَا تفعلُه تضلُّ مَنْ تشاءُ وتهدي مَنْ تشاءُ” ([10])([11]). اهـ

وقالَ اللهُ تعالى: ﭐﱡﭐﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ  ﲉ ﲊ ﲋﲌ([12]) قالَ أبو حيَّانَ: ولما سمعَ عبدُ اللهِ ولدُ عبدِ اللهِ بنِ أبيٍّ هذهِ الآيةَ جاءَ إلى أبيهِ فقالَ: أنتَ واللهِ يا أَبَتِ الذليلُ، ورسولُ اللهِ ﷺ العزيزُ، فلمَّا دَنَا مِنَ المدينةِ جَرَّدَ السيفَ عليهِ ومَنَعَهُ الدخولَ حتى يأذنَ لهُ رسولُ اللهِ ﷺ، وكانَ فيما قالَ لهُ: وراءَكَ لا تدخلْها حتى تقولَ: رسولُ اللهِ ﷺ الأعزُّ وأنَا الأذلُّ، فلم يزلْ حبيسًا في يدِهِ حتى أذنَ لهُ رسولُ اللهِ ﷺ بتخليتِهِ. وفي هذا الحديثِ أنَّهُ قالَ لأبيهِ: لئنْ لم تشهدْ للهِ ولرسولِه بالعزةِ لأضربنَّ عنقَكَ، قالَ: أفاعلٌ أنتَ؟ قالَ: نَعَمْ، فقالَ: أشهدُ أنَّ العزةَ للهِ ولرسولِه وللمؤمنينَ. وقيلَ للحسنِ بنِ عليٍّ رضيَ اللهُ تعالى عنهمَا: إنَّ فيكَ تيهًا، فقالَ: ليسَ بتيهٍ ولكنَّه عزةٌ وتلا هذهِ الآيةَ([13])اهـ

قالَ اللهُ تعالى: ﭐﱡﭐﳉ ﳊ ﳋ ﳌ([14]) ﳍ ﳎ ﳏ([15])، قالَ الطبريُّ: “وقولُه: ﭐﱡﭐﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ يقولُ تعالى ذِكْرُهُ تنزيهًا لربِّكَ يا محمدُ وتبرئةً لهُ. رَبِّ العزّةِ أي: ربِّ القوّةِ والبطشِ عَمَّا يَصِفُونَ، يقولُ: عمَّا يصفُ هؤلاءِ المفترونَ عليهِ مِنْ مشركي قريشٍ مِنْ قولِهم: ولدَ اللهُ، وقولِهم: الملائكةُ بناتُ اللهِ، وغيرِ ذلكَ مِنْ شركِهِم وفِرْيتِهِم على ربِّهم، وعنْ قتادةَ ﱡﭐ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ: أي عمَّا يكذبونَ، يسبحُ نفسَه إذا قيلَ عليهِ البُهتانُ” ([16]).اهـ

         واللهُ يعزُّ مَنْ يشاءُ ويُذِلُّ مَنْ يشاءُ فاللهُ تعالى أعزَّ أناسًا بالإيمانِ وأذلَّ آخرينَ بالكفرِ، فبالطاعةِ تصيرُ عزيزًا وبالمعصيةِ تصيرُ ذليلًا، يومَ القيامةِ ينادى في الناسِ أينَ الذينَ تتجافَى جنوبُهم عنِ المضاجعِ، فيكونونَ عزيزينَ في ذلكَ اليومِ، وأما حالُ الذينَ يظنُّونَ أنفسَهم أعزاءَ في الدنيا بكفرِهم فيكونونَ أذلةً يُسحَبونَ على وجوهِهِم إلى نارِ جهنمَ، فالمؤمنونَ عزيزونَ بطاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، كانَ بعضُ الصحابةِ في الجاهليةِ على ذلٍّ وهوانٍ مِنَ الناسِ، وبعدَ الإسلامِ أكرمَهم اللهُ بهذا الدينِ وبأنْ ذلَّل لهم رقابَ الكافرينَ حتى دانتْ لهم أكبرُ ممالكِ الأرضِ، ولم يكنْ كلُّ هذا بسببِ كثرةِ الأموالِ أو العدةِ والعَتادِ بلْ بصدقِ توكلِهم على اللهِ عزَّ وجلَّ، وبتمكنِ هذا الدينِ في قلوبِهم فصاروا أعزةً كِرامًا، فقدْ روى الحاكمُ عن طارقِ بنِ شهابٍ قالَ: خرجَ عمرُ بنُ الخطابِ  إلى الشامِ ومعنا أبو عبيدةَ بنُ الجراحِ  فَأَتَوا على مخاضةٍ([17]) وعمرُ  على ناقةٍ لهُ، فنزلَ عنها وخلعَ خُفَّيْهِ فَوضَعَهُما على عاتِقِه وأخذَ بزمامِ ناقَتِهِ، فخاضَ بها المخاضةَ، فقالَ أبو عبيدةَ : يا أميرَ المؤمنينَ أَأَنتَ تفعلُ هذا تخلعُ خفيَّكَ وتضعُهما على عاتِقِك وتأخذُ بزمامِ ناقتِك وتخوضُ بها المخاضةَ، ما يسرُّني أنَّ أهلَ البلدِ استَشْرَفُوكَ([18])، فقالَ عمرُ: أَوَّهْ([19]) لو يقلْ ذا غيرُك أبا عبيدةَ جعلتُه نكالًا لأمةِ محمدٍ، إنَّا كنَّا أذلَّ قومٍ فأعزَّنا اللهُ بالإسلامِ، فمهْمَا نطلبُ العزَّ بغيرِ مَا أعزَّنَا اللهُ بهِ أذلنَا اللهُ ([20]).اهـ

      وقالَ اللهُ تعالى: ﭐﱡﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱫ([21]) أي أنَّ اللهَ تعالى غالبٌ وعقوبتُه شديدةٌ لا يأتي أحدٌ بمثلِها لا يأتي منتقمٌ يريدُ الانتقامَ بمثلِ عقوبةِ اللهِ تعالى، قالَ الطبريُّ: “يقولُ عزَّ وجلَّ: واللهُ منـيعٌ فـي سلطانِه لا يقهرُه قاهرٌ، ولا يـمنعُه مِنَ الانتقامِ مِـمَّنِ انتقمَ منهُ ولا مِنْ عقوبةِ مَنْ أرادَ عقوبَتَه مانعٌ، لأنَّ الـخـلقَ خـلقُهُ، والأمرَ أمرُهُ، لهُ العزَّةُ والـمنعةُ. وأمَّا قولُه: ذُو انتِقامٍ فإنَّه يعنـي بِهِ: معاقبَتَهُ لـِمَنْ عصاهُ علـى معصيتِه إيَّاهُ” ([22])، وقدْ جاءَ في بعضِ رواياتِ دعاءِ القنوتِ في الصلاةِ قولُه : ((إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ))([23]) معناه: أي مَنْ شئتَ لهُ أنْ يكونَ عزيزًا وَأَيَّدْتَهُ بنصرِكَ لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يُذِلَّهُ. ((وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ)) معناه: مَنْ عادَيِتَه لا يكونُ عزيزًا.

فائدةٌ: وردَ عن عليِ بنِ أبي طالبٍ  أنَّهُ قالَ: مَنْ خَتَمَ مَجلسَهُ بقولِهِ تعالى: ﭐﱡﭐﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗﳘ([24]) فقدْ نالَ المكيالَ الأوفَى.



 سورة إبراهيم / 4. ([1])

([2]) وخالف أهلَ السنةِ في هذا المعتزلة فقالوا: إن الله يجب عليه أن يفعل الأصلح للعبد، فرد عليهم أهل السنة بقولهم: ما كان أصلح للعبد فليس واجبا على الله، قال محمد ميارة المالكي في الدر الثمين والمورد المعين: إذ لو وجب عليه تعالى فعل الصلاح والأصلح للخلق كما تقولـه المعتزلة لما وقعت محنة دنيا وأخرى ولما وقع تكليف بأمر ولانهي وذلك باطل بالمشاهدة.اهـ  الدر الثمين والمورد المعين ج 1 ص 21.

.47/  سورة الروم([3])

 ([4]) قال جلال الدين المحلي: (قَوْلُهُ: وَلا يَجِبُ عَلَى الرَّبِّ إلَخْ) وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى:  ﱡ ﭐﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱮ سورة الأنعام /54   وَقَوْلُهُ: ﭐﱡﭐ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ سورة الروم / 47، فليس مما نحن فيه، إذ ذاك إحسان وتفضيل لا إيجاب وإلزام على أن الوجوب في ذلك ونحوه إنما نشأ من وعده بذلك ﭧﭐﭨﭐﱡ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ سورة الرعد /31. اهـ  شرح المحلي لجمع الجوامع للسبكي كتاب الاجتهاد باب التقليد.

صحيح مسلم كتاب البر والصلة باب تحريم الظلم. ([5])

وكلا المعنين يستحيل نسبتهما إلى الحق عز وجل. ([6])

 ([7]) قال النووي: قوله تعالى في الحديث القدسي: (إِنِّيْ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَىْ نَفْسِيْ) قال العلماء: معناه تقدست عنه وتعاليت، والظلم مستحيل في حق الله سبحانه وتعالى كيف يجاوز سبحانه حدًّا وليس فوقه من يطيعه؟ وكيف يتصرف في ملك غيره والعالم كله في ملكه وسلطانه؟ وأصل التحريم في اللغة المنع، فسمى تقدسه عن الظلم تحريمًا لمشابهته للممنوع في أصل عدم الشيء.اهـ المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي ج 16 ص 112.

 شعب الإيمان للبيهقي ج 1 ص 209.([8])

 سورة المائدة / 118.([9])

 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج6 ص 377.([10])

تفسير النسفي ج 1 ص 446. ([11])

سورة المنافقون / 8. ([12])

 البحر المحيط لأبي حيان ج 8 ص 269.([13])

ربُّ العزةِ أيِ الموصوفُ بالعزةِ.اهـ البحر المحيط لأبي حيان ج7 ص295. ([14])

سورة الصافات / 180. ([15])

 جامع البيان في تأويل آي القرآن للطبري ج 23 ص 74.([16])

 قال الفيروزأبادي: والمخاضة ما جاز الناس فيه مشاة وركبانا. اهـ القاموس المحيط ج1 ص642.([17])

قال ابن منظور: اسْتَشْرَفُوكَ أَي خرجوا إِلـى لقائك.اهـ لسان العرب ج9 ص172. ([18])

([19]) قال النووي: قال أهل اللغة: هي كلمة توجع وتحزن، وفي هذه الكلمة لغات الفصيحة المشهورة في الروايات أوه بهمزة مفتوحة وواو مفتوحة مشددة وهاء ساكنة. اهـ المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي ج11 ص22.

 المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري ج 1 ص 129.([20])

 سورة آل عمران / 4.([21])

 جامع البيان في تأويل آي القرآن للطبري ج 7 ص 26.([22])

 مسند أحمد ج 1 ص 328.([23])

سورة الصافات / 180 182.  ([24]