الْصَّبُوْرُ: هو الذي لا
يعاجِلُ العصاةَ بالانتقامِ منهم بلْ يُؤَخِّرُ ذلكَ إلى أجلٍ مُسَمّى ويُمهِلُهُم
إلى وقتٍ معلومٍ. قالَ
البَيْهَقِيُّ: “الصبورُ: قالَ الحليميُّ: ومعناهُ الذي لا يعاجلُ بالعقوبةِ،
وهذهِ صفةُ ربِّنا جلَّ ثناؤُه، قالَ تعالى: ﱡ ﲄ ﲅ ﲆ ﲈﱠ([1])([2]). وقالَ: الصبورُ: هوَ الذي لا يعاجِلُ
العصاةَ بالعقوبةِ وهوَ قريبٌ مِنْ معنى الحليمِ([3])اهـ
ورُوي عنْ سعيدِ بنِ جُبَيرٍ عنْ أبي
عبدِ الرحمنِ السُّلَميِّ عن أبي موسى الأشعريِّ قالَ: قالَ النبيُّ ﷺ: ((مَاْ أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَىْ
أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، يَدَّعُوْنَ لَهُ الْوَلَدَ ثُمَّ يُعَافِيْهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ))([4]).
قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ: وقولُه في الحديثِ ((أَصْبَرُ)) أَفْعَلُ تفضيل مِنَ
الصبرِ، ومِنْ أسمائِه الحسنى سبحانَه وتعالى الصبورُ: ومعناهُ الذي لا يعاجِلُ
العصاةَ بالعقوبةِ، وهوَ قريبٌ مِنْ معنى الحليمِ، والمرادُ بالأذى أذى رسلِه
وصالحي عبادِه، لاستحالةِ تعلقِ أذى المخلوقينَ بهِ، لكونِه صفةَ نقصٍ وهوَ منزهٌ
عنْ كلِّ نقصٍ، ولا يؤخرُ النقمةَ قهرًا بلْ تفضُّلًا، وتكذيبُ الرسلِ في نفيِ
الصاحبةِ والولدِ([5])
عنِ اللهِ أذىً لهم، فأضيفَ الأذى للهِ تعالى للمبالغةِ في الإِنكارِ عليهم
والاستعظامِ لمقالَتِهِم، ومنهُ قولُهُ تعالى: ﱡﭐ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱿﱠ([6])، فإِنَّ معناه يؤذونَ أولياءَ اللهِ
وأولياءَ رسولِه، فأقيمَ المضافُ مقامَ المضافِ إليهِ([7]).اهـ
قالَ
الحافظُ النوويُّ: ((قالَ القاضي: والصبورُ مِنْ أسماءِ اللهِ تعالى وهوَ الذي لا
يعاجِلُ العصاةَ بالانتقامِ، وهوَ بمعنى الحليمِ في أسمائِه سبحانَه وتعالى،
والحليمُ هوَ الصفوحُ معَ القدرةِ على الانتقامِ))([8])اهـ
قالَ القاضي عياضٌ: “قالَ الإمامُ: المرادُ بهذا: أَنَّ اللهَ واسعُ الحلمِ
على الكافرِ الذي يضيفُ إليهِ الولدَ”([9])اهـ.
واللهُ سبحانَه لا يوصفُ بالصبرِ كمَا
البشرُ يوصفونَ بهِ، ولكنَّهُ يحبُّ مِنْ عبدِه المسلمِ أنْ يتصفَ بالصبرِ، والصبرُ
كمَا قيلَ عبادةُ الصالحينَ. قالَ الإمامُ
الرفاعيُّ رحمهُ اللهُ: ([10])
“قفْ
في بابِ الاستقامةِ، واسكنْ في بابِ المداومةِ، والزمِ الصبرَ على العملِ، ومَنْ
طرقَ البابَ بالخضوعِ، فُتِحَ لهُ بالقبولِ”. وقالَ: “القلبُ جوهرةٌ
مظلمةٌ مغمورةٌ بترابِ الغفلةِ، جلاؤُها الفكرُ، ونورُها الذكرُ، وصندوقُها الصبرُ”.اهـ
والصبرُ هوَ الصبرُ على طاعةِ اللهِ تعالى والبلاءِ ومكارهِ الدنيا وعنِ المعاصي،
فالرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يقولُ: ((وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ))([11])
معناهُ لا يزالُ صاحبُه مستضيئًا مستمرًا على الصوابِ، والصبرُ هوَ قهرُ النفسِ
وحبسُها على مكروهٍ تتحمَلُه أو لذيذٍ تفارقُهُ([12]).اهـ
وأرسلَ سيدُنا عمرُ بنُ الخطابِ برسالةٍ
إلى سيدِنا أبي موسى الأشعريِّ يوصيهِ بها
قائلًا لهُ: الصَّبْرُ صَبْرَانِ، صَبْرٌ عِنْدَ المصِيبَةِ حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ
مِنْهُ الصَّبْرِ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ.اهـ([13])
وكانَ يقولُ في قولِهِ تعالى: ﱡﭐ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱠ([14]):
نِعْمَ العَدلانِ ونِعْمَتِ العلاوةُ للصابرينَ([15]).اهـ
يعني بالعدلينِ الصلاةَ والرحمةَ، وبالعلاوةِ الهدى، وكانُ حبيبُ بنُ أبي حبيبٍ
إذا قرأَ هذهِ الآيةَ: ﱡﭐ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱠ([16])
بكى وقالَ: واعجبَاه! أعطى وأثنى([17]).اهـ
أيْ أَنَّ اللهَ هوَ الذي أعطى الصبرَ وأثنى عليه، والعارفونَ رُزِقوا الصبرَ
بجميعِ أنواعِه ومنهُ الصبرُ على أذى الناسِ.
دُعَاءٌ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا صَبْرًا عَلَىْ البَلَاْءِ وَرِضًا بِالقَضَاءِ وَشُكْرًا لَكَ فِي السَّرَّاءِ يَا اللهُ.