الخميس أبريل 18, 2024

الْصَّاْدِقُ: هوَ الذي يَصدُقُ قولُه وَوَعدُه، فما أخبرَ اللهُ عنْ وقوعِهِ فلا بدَّ مِنْ وقوعِهِ قالَ تعالى: ﱡﭐ   ([1]) فاللهُ تعالى صدقَ رسولَه بوحيهِ والنبيُّ صادقٌ في كلِّ ما أخبرَ بهِ عنِ اللهِ تعالى ولا يخطئُ في ذلكَ سواءٌ كانَ مِنْ أخبارِ مَنْ قبلَنا مِنَ الأممِ والأنبياءِ وبدءِ الخلقِ، أو مِنَ التحليلِ أو التحريمِ لبعضِ أفعالِ وأقوالِ العبادِ، أو مما أخبرَ بهِ مما يحدثُ في المستقبلِ في الدنيا وفي البرزخِ وفي الآخرةِ، وذلكَ لقولِ اللهِ تعالى: ﱡﭐ                    ([2]) فَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُخْطِئُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كَذَّبَ الدِّينَ أَمَّا مَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا بِغَيْرِ وَحْيٍ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيهِ كمَا جاءَ في حادثةِ تأبيرِ النخلِ([3]) ([4]).

         واللهُ تعالى أمرَ عبادَه بالتزامِ الصدقِ والتحلي بهذا الخلقِ العظيمِ الذي يحبُّه قالَ تعالى: ﱡﭐ   ([5])، ونهى اللهُ تعالى عنِ الكذبِ فالكذبُ خَصلةٌ مذمومةٌ في شرعِ اللهِ تعالى، ولا يجوزُ استحسانُها كقولِ بعضِ السفهاءِ: الكذبُ ملحُ الرجالِ وعيبٌ على الذي يصدقُ، فهذا فسادٌ ظاهرٌ ومخالفةٌ صريحةٌ للنصوصِ الشرعيةِ التي جاءتْ بتقبيحِ الكذبِ واستحسانِ الصدقِ. ولا يجوزُ الكذبُ ولو مازحًا، فالكذِبُ سواءٌ قالَه مازِحًا أو جادًّا حرامٌ، إنْ أرادَ أنْ يُضحَكَ القومَ أم لا فهذا حرامٌ، قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ((لا يَصْلُحُ الكَذِبُ في جِدٍّ ولا هَزْلٍ))([6])، وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ((وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ القَوْمَ ثُمَّ يَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُم وَيْلٌ لَهُ ووَيْلٌ لهُ))([7])، والنبيُّ كانَ يلقبُ قبلَ البعثةِ بالصادقِ الأمينِ ، وأمرَ اللهُ تعالى أنبياءَه بالصدقِ وهمْ صادقونَ يستحيلُ عليهمْ أنْ يكذبوا قالَ تعالى:ﱡﭐ   ﱿ   ﲇﲈ([8])، فلا يجوزُ الكذبُ على أنبياءِ اللهِ تعالى قبلَ النبوةِ وبعدَها، وما وردَ في أمرِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ في القرءانِ الكريمِ أنَّه قالَ: ﱡﭐ    ([9])، فليسَ هذا كذبًا حقيقيًّا، بلْ هذا صدقٌ مِنْ حيثُ الباطنُ والحقيقةُ، لأَنَّ كبيرَ الأصنامِ هوَ الذي حملَه على الفتكِ بالأصنامِ الأخرى مِنْ شدّةِ اغتياظِه منهُ لمبالغةِ قومِه في تعظيمِهِ بتجميلِ هيأتِه وصورتِه، فحملَه ذلكَ على أنْ يكسِّرَ الصغارَ ويهينَ الكبيرَ، فيكونُ إسنادُ الفعلِ إلى الكبيرِ إسنادًا مجازيًّا([10])، فلا كذبَ في ذلكَ، أيْ هوَ في الحقيقةِ ليسَ كذبًا إنَّما صورتُه صورةُ كذبٍ، وأما حديثُ: ((لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيْمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّاثَلَاْثَ كَذَبَاْتٍ))([11]) فقدِ اعترضَ عليهِ بعضُ العلماءِ([12])، لأنَّ ظاهِرَهُ فيهِ نسبةُ الكذبِ على خليلِ اللهِ إبراهيمَ وهذا طعنٌ بمنصبِ النبوةِ وقدحٌ بها فالكذبُ بكلِّ أنواعِهِ يستحيلُ على أيِّ نبيٍّ مِنْ أنبياءِ اللهِ، وقدْ أوَّلَه بعضُهُم([13]) على نحوِ مَا ذكرنا ([14]) قالَ الحافظُ النوويُّ: “وذكروا في قولِه إنِّي سقيمٌ أيْ سأسقَم، لأَنَّ الإنسانَ عرضةٌ للأسقامِ، وأرادَ بذلكَ عدمَ الخروجِ معهم إلى عيدِهم وشهودِ باطِلِهم وكفرِهم، وقيلَ: سقيمٌ بما قَدَّرَ عليَّ مِنَ الموتِ. وقيلَ كانتْ تأخذُه الحمَّى في ذلكَ الوقتِ”([15]) اهـ وقالَ الرازيُّ: “واعلمْ أَنَّ بعضَ الحشويةِ روى عنِ النبيِّ أَنَّه قالَ: ((مَاْ كَذَبَ إِبْرَاْهِيْمُ عَلَيْهِ الْسَّلَاْمُ إِلَّاْ ثَلَاْثَ كَذَبَاْتٍ))، فقلتُ: الأَولى أنْ لا نقبلَ مثلَ هذهِ الأخبارِ. فقالَ على طريقِ الاستنكارِ: فإنْ لم نقبلْه لَزِمَنَا تكذيبُ الرواةِ، فقلتُ لهُ: يا مسكينُ إنْ قَبِلْنَاه لزمنَا الحكمَ بتكذيبِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، وإنْ رددْناه لزمنا الحكمَ بتكذيبِ الرواةِ، ولا شكَّ أَنَّ صونَ إبراهيمَ عليهِ السلامُ عنِ الكذبِ أولى مِنْ صونِ طائفةٍ مِنَ المجاهيلِ عنِ الكذبِ”([16]).

دُعَاءٌ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الصِّدْقَ فِيْ أَقْوَاْلِنَاْ وَأَفْعَاْلِنَاْ وَنِيَّاْتِنَاْ وَاحْشُرْنَا مَعَ الصَّادِقِيْنَ يَا اللهُ.



سورة النساء / 122. ([1])

سورة النجم / 3-4. ([2])

 قال ابن منظور: وتأبير النخل تلقيحه.اهـ لسان العرب ج4 ص4.([3])

 صحيح مسلم كتاب الفضائل باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا.([4])

سورة التوبة / 119. ([5])

 مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 123.([6])

 مسند أحمد ج 5 ص 622.([7])

سورة الإسراء /  80. ([8])

سورة الأنبياء / 63. ([9])

([10])  قال أبو حيان الأندلسي: «قال بل فعله كبيرهم وأسند الفعل إلى كبيرهم على جهة المجاز لمّا كان سببًا في كسر هذه الأصنام هو تعظيمهم وعبادتهم له ولما دونه من الأصنام كان ذلك حاملًا على تحطيمها وكسرها فأسند الفعل إلى الكبير إذ كان تعظيمهم له أكثر من تعظيم ما دونه» اهـ.النهر الماد ج2/1/ص469.

  ([11])صحيح البخاري كتاب الأنبياء باب قول اللهِ تعالى: ﱡﭐ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ.

كالرازي في تفسيره ج  22 / ص185. ([12])

([13]) قال الحافظ ابن حجر: «وأما إطلاقه الكذب على الأمور الثلاثة فلكونه قال قولًا يعتقده السامع كذبًا لكنه إذا حقق لم يكن كذبًا لأنه من باب المعاريض المحتملة للأمرين» اهـ. فتح الباري ج6/ص391.

  ([14]) قال الرازي: «فإن قلت روي عن رسول الله أنه قال: «مَاْ كَذَبَ إِبْرَاهِيْمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ قَوْلُهُ إِنِّي سَقِيْمٌ وَقَوْلُهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا، وَقَوْلُهُ لِسَارَةَ إِنَّهَا أُخْتِيْ» قلت هذا من أخبار الآحاد فلا يعارض الدليل القطعي الذي ذكرناه، ثم إن صح حُمل على ما يكون ظاهره الكذب» اهـ. عصمة الأنبياء للرازي ص/71.

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي ج15 / ص125. ([15])

 التفسير الكبير للرازي ج 18 ص 444.([16]