الخميس نوفمبر 21, 2024

الْرَّحِيْمُ: أيِ الذي يرحَمُ المؤمنينَ فقطْ في الآخرةِ  ﭧﭐﭨ ﱡﭐ ﳡ ﳢﳣ([1]) فرحمةُ اللهِ بالمؤمنِ عظيمةٌ كبيرةٌ فهو سبحانه الذي أسبَغَ علينا نِعَمَه ظاهرةً وباطنةً، فنحن نحمدُه تعالى حمدًا كثيرًا على إنعاماتِه وهِباتِه وعطيَّاتِه الواصلَةِ إلينا والفائضةِ علينا يعني نشكرُه عليها ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏﳗ([2]) وقالَ جلَّ جلالُه:  ﱡﭐﱜ  ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ([3]) معناهُ نحنُ لا نحصرُها بالعدِّ، فأقسامُ نِعَمِ اللهِ علينا خارجةٌ عنِ التحديدِ والإحصاءِ مِنْ جهتِنا، فلا يقوَى عقلُ الإنسانِ على الوقوفِ عليها بكلِّيَّتِها.

        وقالَ عزَّ وجلَّ:  ﭐﱡ   ﱑﱠ([4])، فَمِنَ النعمِ الظاهرةِ صحةُ الجسدِ والحواسُّ الخمسُ والماءُ الباردُ وغيرُها، وأما الباطنةُ فأعظمُها الإيمانُ باللهِ وما يتبَعُ ذلكَ مِنَ التسليمِ للهِ تعالى ومحبتِه وغيرِ ذلك، ورويَ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما أنَّه قالَ: ” النعمةُ الظاهرةُ الإسلامُ، والباطنةُ سَتْرُ الذنوبِ([5])“. وإنما ذَكر اللهُ سبحانه وتعالى النعمةَ الظاهرةَ قبلَ الباطنةِ لأن النعمةَ الظاهرةَ هي التي يعرِفها أكثرُ الناس. ثم من الأدلةِ على أفضليةِ النعمةِ الباطنةِ على الظاهرةِ ما أخرجه الإمامُ أحمدُ عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ  بالسندِ الصحيحِ أنَّ رسولَ اللهِ قالَ: ((إِنَّ اللهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ))([6]) فنعمةُ الإيمانِ أفضلُ مِنْ نعمةِ الصحةِ والمالِ، وقدِ اعتادَ أهلُ الشامِ قولَ كلمةٍ حُلوةٍ هيَ: “الحمدُ للهِ على نعمةِ الإسلامِ وكفَى بها من نعمَةٍ”. ولذلكَ قالوا: “مَنْ أُعطيَ الدنيا ولم يعطَ الإيمانَ فكأنَّمـا ما أُعطيَ شيئًا، ومَنْ أُعطيَ الإيمانَ ولم يُعطَ الدنيا فكأنَّما ما مُنِعَ شيئًا”، وفي ذلكَ أنشَدَ بعضُهم: (الكامل)

نِعَمُ الإِلَــهِ عَلَـى الْعَبادِ كَـــثِيرَةٌ

¯¯

وَأَجَلُّــهُنَّ فَــنِعْمَـةُ الإِيـمَانِ

      ومِنْ رحمتِه سبحانَه بالمؤمنِ التقيِّ أَنْ وفَّقَه للطاعاتِ واجتنابِ المنكراتِ قالَ اللهُ تعالى: ﱡﭐﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ  ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ  ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ  ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ([7])، وفي حقِّ هودٍ عليهِ السلامُ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ ﭧﭐﭨ ﭐﱡﭐ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ  ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ([8])، والجنةُ وما فيها مِنْ نعيمٍ لا يدخلُها ولا يذوقُ نعيمَها إلا المؤمنونَ ﭧﭐﭨﱡﭐﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ  ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ ﲔ  ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝﲞ([9])، وهيَ حرامٌ على الكافرينَ أيْ مَنْ ماتَ على غيرِ الإسلامِ. فقدْ وردَ عنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ  قالَ: قالَ رسولُ اللهِ : ((لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَلا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ)) ([10])، ومِنْ رحمةِ اللهِ بنا أنْ رزَقَنا الإيمانَ وجعلنا مِنْ أمةِ سيِّدِنا محمدٍ مِنْ أهلِ السنةِ والجماعةِ في زمنِ غُربةِ الإسلامِ الذي ذَكَرَهُ رسولُ اللهِ فقد أخبرَ رسولُ اللهِ عن حالِ زمانِنا هذا بقولهِ: ((إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَتِي([11]))) ([12])، وقدْ جاءَ مِنْ قولِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ((إنَّ اللهَ لا يَقبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوْسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوْا فَأَفْتَوا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوْا وَأَضَلُّوْا))([13]) معنى الحديثِ أنَّه يَقِلُّ العلماءُ فَيُنَصَّبُ الجهَّالُ للاستفتاءِ. كما هوَ حالُ زمانِنا هذا فيسألُهم الناسُ فَيُفتونَهم بغيرِ علمٍ فيضِلُّ السائلُ والمسؤولُ.



 سورة الأحزاب / 43. ([1])

 سورة النحل / 53.([2])

 سورة النحل / 18. ([3])

 سورة لقمان / 20. ([4])

الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 525. ([5])

 شعب الإيمان للبيهقي ج 4 ص 395. ([6])

 سورة آل عمران / 103.([7])

 سورة الأعراف / 72.([8])

 سورة الحديد / 21.([9])

صحيح مسلم كتاب صفة القيامة والجنة باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة اللّهِ تعالى. ([10])

أي من شريعتي. ([11])

سنن الترمذي ج 7 ص 364. ([12])

صحيح البخاري ج 1 ص 48. ([13]