الْرَّبُّ: هوَ
السَّيِّدُ المالِكُ ولا يقالُ الرَّبُ أيْ بالألفِ واللامِ إلا للهِ عزَّ وَجَلَّ
قالَ تعالى: ﱡﭐ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱠ([1])،
ولفظُ “الربِّ” إذا أُفردَ ودخلتْ “ألْ” عليهِ فهوَ خاصٌ
باللهِ لا يطلقُ على غيرِ اللهِ، لأَنَّه يكونُ بمعنى المالكِ الخالقِ، وأمَّا
مجردًا عنِ اللامِ مضافًا فقدْ يأتي لمعانٍ أخرى يجوزُ استعمالها في حقِّ المخلوقِ
نحوُ قولِنا: ربُّ هذهِ الدابةِ وربُّ هذا العبدِ أيْ صاحبُهما ومالكُهما، ويجوزُ
أنْ يقالَ عنِ اللهِ تعالى “ربُّ الأربابِ” بمعنى مالكِ الْمُلَّاكِ،
فمنْ مَلَكَ شيئًا فهوَ ربُّه بمعنى مالِكِه، وربُّ كلِّ شىءٍ هوَ اللهُ تعالى فقدْ
قالَ تعالى في سورة الأنعام: ﱡﭐ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﳖﱠ.
قالَ
الفيوميُّ: “الرَّبُّ يُطْلَقُ عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُعَرَّفًا
بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَمُضَافًا وَيُطْلَقُ عَلَى مَالِكِ الشَّىْءِ الَّذِي
لَا يَعْقِلُ مُضَافًا إلَيْهِ، فَيُقَالُ رَبُّ الدَّيْنِ، وَرَبُّ الْمَالِ،
وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ: ((حَتَّى
يَلْقَاهَا رَبُّهَا))([2]).
وَقَدِ اسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى السَّيِّدِ مُضَافًا إلَى الْعَاقِلِ أَيْضًا
وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((حَتَّى تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا))([3])،
وَفِي رِوَايَةٍ ((رَبَّهَا))([4]).
وَفِي التَّنْزِيلِ حِكَايَةً عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قالَ تعالى: ﱡﭐ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲠﱠ([5])،
قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لِلْمَخْلُوقِ
بِمَعْنَى الْمَالِكِ، لِأَنَّ اللَّامَ لِلْعُمُومِ وَالْمَخْلُوقَ لَا يَمْلِكُ
جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ” ([6]).اهـ
أمَّا ما شاعَ بينَ العوامِّ مِنْ
إطلاقِهم على الأبِ لفظَ ربِّ الأسرةِ فهوَ فاسدٌ مِنْ حيثُ اللغةُ ومِنْ حيثُ
الشرعُ، قالَ الزبيديُّ: “قالَ أَبو جعْفَرٍ النَّحْاسُ([7]):
الأُسْرَةُ بالضَّمِّ: أَقاربُ الرَّجلِ مِن قِبَلِ أَبِيه”([8]).اهـ
فَمِنْ حيثُ اللغةُ إذًا ليسَ لها
المعنى الذي يريدُه العوامُّ، ومِنْ حيثُ الشرعُ فربُّهم بمعنى مالِكِهم هوَ اللهُ
تعالى وليسَ أباهُم فهمْ مِلكٌ للهِ تعالى، فينبغي أنْ تُستبدلَ هذهِ الكلمةُ بغيرِها
بما لا يخالفُ الشرعَ كقولِهم مثلًا “مُعِيْلُ العِيَالِ” فأبوهم هوَ
الذي يعيلُهم فيجوزُ أنْ يقالَ همْ عيالُه وهوَ يعيلُهم فلا ضررَ فيه.
تَنْبِيْهٌ:
هناكَ حديثٌ ساقطٌ شديدُ الضعفِ ليسَ صحيحًا هوَ: “الخلقُ عيالُ اللهِ وأحبُّهم
إلى اللهِ أنفعُهم لعيالِه”([9]).
ولو صحَّ هذا الحديثُ لكانَ معناهُ فقراءُ اللهِ كمَا قالَ المناويُّ عندَ شرحِ
هذا الحديثِ: أيْ فقراؤُه وهوَ الذي يعولُهم([10]).اهـ
أمَّا أَنْ يُحْمَلَ على معنَى البُنُوَّةِ للهِ عزَّ وجلَّ فهوَ مروقٌ مِنَ
الدينِ وتكذيبٌ للشريعةِ وهوَ نسبةُ نقصٍ للبارئِ عزَّ وجلَّ ولو قالَ القائلُ:
أنَا أَنْسُبُ البُنُوَّةَ للهِ مجازًا فالحكمُ واحدٌ، فقدْ قالَ المفسِّرُ القاضي
ابنُ عطيةَ الأندلسيُّ عَمَّنْ يَنْسُبُ البُنُوَّةَ للهِ وَلَو مجازًا
بِزَعْمِهِ: “ويُقَالُ إِنَّ بَعْضَهُم يَعْتَقِدُهَا بُنُوَّةَ حنوٍ
ورحمةٍ، وهذا المعنى أيضًا لا يُحِلُّ أنْ تُطْلَقَ البُنُوَّةُ عليهِ، وهوَ كُفْرٌ([11])“.اهـ
دُعَاْءٌ:
اللَّهُمَّ يَا رَبَّ كُلِّ شَىءٍ أَنِرْ قُلُوْبَنَا بِنُوْرِ الإِيْمَانِ
وَثَبِّتْنَا عَلَيْهِ حَتَّىْ الْمَمَاْتِ.
([3])
صحيح مسلم كتاب الإيمان باب بيان الإِيمان والإِسلام والإِحسان
ووجوب الإِيمان بإِثبات قدَر الله سبحانه وتعالى، وبَيان الدليل على التَّبَرّي
ممن لا يؤمن بالقدر وإغلاظ القول في حقه.
([7])
أحمد بن محمد بن إسماعيل
المرادي المصري، أبو جعفر النحاس: مفسر أديب مولده ووفاته بمصر. كان من نظراء
نفطويه وابن الأنباري. زار العراق واجتمع بعلمائه، توفي سنة 383هـ . اهـ الأعلام
ج1 ص 208.