الثلاثاء أبريل 29, 2025

الْخِلْقَةُ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا سَيِّدُنَا ءَادَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ

 

   خَلَقَ اللَّهُ سَيِّدَنَا ءَادَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ جَمِيلَ الشَّكْلِ وَالصُّورَةِ وَحَسَنَ الصَّوْتِ لِأَنَّ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ بَعَثَهُمُ اللَّهُ لِهِدَايَةِ النَّاسِ كَانُوا عَلَى صُورَةٍ جَمِيلَةٍ وَشَكْلٍ حَسَنٍ وَكَذَلِكَ كَانُوا جَمِيلِي الصَّوْتِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ وَإِنَّ نَبِيَّكُمْ أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا وَأَحْسَنُهُمْ صَوْتًا».

   وَلَقَدْ كَانَ طُولُ سَيِّدِنَا ءَادَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ السَّلامُ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَكَانَ وَافِرَ الشَّعَرِ شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي الطُّولِ بِالنَّخْلَةِ السَّحُوقِ، فَلَمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ – نَفَرٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٍ – فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ. وَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَكُونُ عَلَى صُورَةِ ءَادَمَ فِي الطُّولِ فَقَدْ وَرَدَ فِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى خَلْقِ ءَادَمَ سِتِّينَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ.

   فَائِدَةٌ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا صَوَّرَ ءَادَمَ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ فَلَمَّا رَءَاهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خَلْقٌ لا يَتَمَالَكُ»، وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى: «فَكَانَ إِبْلِيسُ يَمُرُّ بِهِ فَيَقُولُ: لَقَدْ خُلِقْتَ لِأَمْرٍ عَظِيمٍ».

   فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ فِي الْجَنَّةِ لَمَّا خُلِقَ ءَادَمُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَكْفُرَ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا يَتَعَبَّدُ مَعَ الْمَلائِكَةِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ وَالأَصْلُ لِأَنَّ الْمَلائِكَةَ أَصْلُهُمْ النُّورُ وَإِبْلِيسَ أَصْلُهُ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ أَيْ لَهَبِ النَّارِ، وَفِيهِ أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ يَدُورُ حَوْلَ هَيْكَلِ ءَادَمَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ فَرَءَاهُ أَجْوَفَ أَيْ شَيْئًا غَيْرَ مُصْمَتٍ بَلْ لَهُ جَوْفٌ، فَعَرَفَ أَنَّهُ خَلْقٌ لا يَتَمَالَكُ أَيْ لَيْسَ كَالْمَلائِكَةِ وَلا كَالْجَمَادَاتِ بَلْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ.

   وَمِنَ الْكَذِبِ الظَّاهِرِ مَا شَاعَ مِنْ نَظَرِيَّةٍ ابْتَدَعَهَا بَعْضُ الْكُفَّارِ وَهِيَ أَنَّ أَصْلَ الْبَشَرِ قِرْدٌ أَوْ يُشْبِهُ الْقِرْدَ وَهَذَا فِيهِ تَكْذِيبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [سُورَةَ التِّين/4] فَسَيِّدُنَا ءَادَمُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ هُوَ أَوَّلُ إِنْسَانٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ قِرْدًا ثُمَّ تَرَقَّى حَتَّى صَارَ إنْسَانًا ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ [سُورَةَ الْكَهْف/5]، فَنَظَرِيَّةُ دَارْوِين الَّتِي تَقُولُ إِنَّ الإِنْسَانَ أَصْلُهُ قِرْدٌ ثُمَّ تَرَقَّى بِسَبَبِ الْعَوَامِلِ الْمَجْهُولَةِ حَتَّى صَارَ هَذَا الإِنْسَانُ، هِيَ نَظَرِيَّةٌ بَاطِلَةٌ لا تَقُومُ عَلَى أَسَاسٍ عِلْمِيٍّ وَتَرُدُّهَا دَلائِلُ النَّقْلِ وَإِنْ تَلَقَّفَهَا الْمَفْتُونُونَ بِكُلِّ جَدِيدٍ وَلَوْ كَانَ سَخِيفًا بَاطِلًا.

   وَمَا جَاءَ فِي الْقُرْءَانِ مِنْ مَسْخِ بَعْضِ الْيَهُودِ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ فَهُوَ حَالَةٌ نَادِرَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَذَابًا لِلْيَهُودِ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ وَعَصَوُا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَوْعِظَةً وَعِبْرَةً لِلْمُتَّقِينَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/65]. عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ مَسَخَهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قِرَدَةً لَمْ يَعِيشُوا طَوِيلًا بَلْ عَاشُوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتُوا وَلَمْ يَتْرُكُوا نَسْلًا مِنْ جِنْسِ مَا مُسِخُوا إِلَيْهِ.