الْخَبِيْرُ:
هوَ المطَّلعُ على حقيقةِ الأشياءِ
فلا تخفى على اللهِ خافيةٌ وهوَ عالمٌ بالكلِّياتِ والجُزئِياتِ ومَنْ أَنكَرَ ذلكَ
كفرَ ﭧﭐﭨ ﭐﱡﭐﳖ ﳗ ﳘﳙﱠ([1])
قالَ البيهقيُّ: “الخبيرُ: هُوَ العَالِمُ بِكنهِ الشَّيْءِ المطَّلِعُ عَلَى
حَقِيقَتِهِ، وَقِيلَ: الخَبِيرُ المخْبِرُ وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِه” ([2]).اهـ فَمَا
مِنْ صَغِيرَةٍ وَلَا كَبِيرَةٍ إِلَّا فِي عِلْمِ اللهِ عزَّ وجلَّ قالَ اللهُ
تعالى: ﭐﱡﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱷﱠ([3]).
فائدةٌ: اللهُ تعالَى لا يخفَى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولَا في السماءِ فإذا أردتَ
أنْ تفعلَ شيئًا ومَا عرفتَ أَتُقْدِمُ عليهِ أمْ لَا فاعْمَلْ بِإِرْشَادِ رَسولِ
اللهِ ﷺ وَاسْتَخِرْ وَانْظُرْ بَعدهَا ماذَا سَيُيَسِّرُ اللهُ
لكَ فهوَ العالِمُ بحالِكَ وبِمَا سَيَؤُوْلُ إليهِ أمرُكَ، فَعَنْ جابِرٍ قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ في الأُمُور كُلِّهَا
كالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ يَقُولُ: ((إِذا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ
رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيْضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيْرُكَ
بعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرِتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيْمِ،
فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنتَ عَلَّامُ
الْغُيُوْبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ([4])
أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِيْنِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِيْ» أَوْ
قالَ: « عَاجِلِ أَمْرِيْ وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ([5])
لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيْهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلمُ أَنَّ هَذَا
الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِيْنِي وَمَعاشِي وَعَاقِبَةِ أَمَرِي)) أَو قالَ: ((عَاْجِلِ
أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ
حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ)) قالَ: وَيُسَمِّيْ حَاجَتَهُ ([6]).
اهـ
فَوَائِدُ فِي الاسْتِخَارَةِ:
أولًا: اعتقادُ بعضِ النَّاسِ أَنَّ صلاةَ الاستخارةِ إنَّمَا تُشْرَعُ فقطْ عندَ
التَّرَدُّدِ بينَ أمرينِ وهذَا غيرُ صحيحٍ لِقَوْلِهِ في الحديثِ: (( إِذَا هَمَّ
أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ)) وَلَمْ يَقُلْ (إذَا تَرَدَّدَ)، وَالْهَمُّ مَرْتَبَةٌ
تَسْبِقُ العَزْمَ، فَإِذَا أرادَ المسلمُ أَنْ يقومَ بِعَمَلٍ لَا إِثْمَ فيهِ فَلْيَسْتَخِرِ
اللهَ عَلَى الفِعْلِ ثُمَّ لِيُقْدِمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ هَمَّ بِتَرْكِهِ
فَلْيَسْتَخِرْ عَلَى التَّرْكِ، أَمَّا إِنْ كَانَ أَمَامَهُ عِدَّةُ خيَارَاتٍ،
فَعَلَيْهِ أَوَّلًا ـ بعدَ أَنْ يَسْتَشِيْرَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ العلمِ
ـ أَنْ يُحَدِّدَ خيارًا مِنْ هَذِهِ
الخياراتِ فَإذَا هَمَّ بِفِعْلِهِ قَدَّمَ بينَ يديْ ذلكَ الاستخارةَ.
ثانيًا:
اعتقادُ بعضِ الناسِ أنَّ الاستخارةَ لا تُشْرَعُ إِلَّا في أمورٍ معيَّنَةٍ،
كالزواجِ والسفرِ ونحوِ ذلكَ، أوْ في الأمورِ الكبيرةِ ذاتِ الشأنِ العظيمِ، وهذَا
اعتقادٌ غيرُ صحيحٍ لقولِ الراوي في الحديثِ: (( كَاْنَ يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ
فِي الأُمُوْرِ كُلِّهَا.. ))، ولَمْ يَقُلْ: فِي بعضِ الأمورِ أو في الأمورِ
الكبيرةِ، وهذا الاعتقادُ جَعَلَ كثيرًا مِنَ النَّاسِ يَزْهَدُوْنَ فِي صلاةِ
الاستخارةِ في أمورٍ قَدْ يَرَوْنَهَا صغيرةً ويكونُ لَهَا أَثَرٌ كَبِيْرٌ فِي
حياتِهِم.
ثالثًا: اعتقادُ بعضِ الناسِ أنَّهُ لا بدَّ مِن انشراحِ الصدرِ للفعلِ بعدَ
الاستخارةِ، وهذا لا دليلَ عليهِ لأنَّ حقيقةَ الاستخارةِ تفويضُ الأمرِ للهِ
واللهُ عزَّ وجلَّ يقولُ: ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ([7])، وهذا الاعتقادُ جَعَلَ كَثِيْرًا مِنَ النَّاسِ فِي حَيْرَةٍ
وتَرَدُّدٍ حتَّى بعدَ الاستخارةِ، ورُبَّمَا كَرَّرَ الاستخارةَ مَرَّاتٍ فَلَا يَزْدَادُ
إِلَّا حَيْرَةً وَتَرَدُّدًا لَا سِيَّمَا إذَا لمْ يَكُنْ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ
للفِعْلِ الذي استخارَ لَهُ، والاستخارةُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ مِثْلِ هَذَا
التَّرَدُّدِ وَالاضْطِرَابِ والحَيْرَةِ وَهناكَ
اعتقادُ أَنَّهُ لَابُدَّ مِنْ شُعُوْرٍ بِالرَّاحَةِ أوْ عَدَمِهَا بَعْدَ صلاةِ
الاستخارةِ وهذا غيرُ صحيحٍ فَرُبَّمَا يَعْتَرِي المرءَ شعورٌ بأَحَدِهِمَا وَرُبَّمَا
لَا يَنْتَابُهُ أيُّ شعورٍ فَلَا يُرَدِّدُهُ ذَلِكَ بلِ الصحيحُ أَنَّ اللهَ يُيَسِّرُ
لَهُ مَا اختَارَهُ لَهُ مِنْ أَمْرٍ وَيُتِمُّهُ.
رابعًا: اعتقادُ بعضِ النَّاسِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرَى رؤيا بعدَ الاستخارةِ
تَدُلُّهُ عَلَى الصوابِ ورُبَّمَا تَوَقَّفَ عَنِ الإقدامِ عَلَى العملِ بعدَ
الاستخارةِ انتظارًا للرؤيا وهذا الاعتقادُ لَا دليلَ عليهِ بلِ العبدُ بعدَ الاستخارةِ يُبَادِرُ إِلَى العملِ مُفَوِّضًا الأَمْرَ إِلَى
اللهِ تعالَى.
دُعَاءٌ:
اللهُمَّ يَا لَطِيفُ يَا خَبِيرُ يَا عَالِمًا بِحَالِنَا آتِ كُلَّ وَاحِدٍ
مِنَّا سُئْلَهُ مِنَ الخَيْرِ يَا اللهُ.