الْحِكْمَةُ مِنْ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُ بِهِ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا مَثِيلَ لَهُ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ لَهُ، سُبْحَانَهُ لا يَحْوِيهِ مَكَانٌ وَلا يَجْرِي عَلَيْهِ زَمَانٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا وَسَيِّدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِالدِّينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ لِلنَّاسِ جَمِيعًا وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلانَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ الطَّيِّبِينَ وَصَحَابَتِهِ الْمَيَامِين وَأَزْوَاجِهِ الطَّاهِرَاتِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنِ اقْتَفَى ءَاثَارَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ، عِبَادَ اللَّهِ، أُوصِي نَفْسِي أَوَّلاً وَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْقُرْءَانِ الْكَريِمِ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [سُورَةَ ءَالِ عِمْرَان]، أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ، طُوبَى لِعَبْدٍ تَزَوَّدَ مِنَ الطَّاعَاتِ وَطُوبَى لِعَبْدٍ اسْتَمَرَ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَكَمْ هُوَ عَظِيمٌ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُعْرِضَ عَنِ الْجَاهِلِينَ كَمْ هُوَ عَظِيمٌ أَنْ يَبْقَى الدُّعَاةُ إِلَى اللَّهِ، يَنْشُرُونَ بَيْنَ النَّاسِ الْمَفَاهِيمَ الإِسْلامِيَّةَ الصَّحِيحَةَ الْمُعْتَدِلَةَ الْبَعِيدَةَ عَنِ الْغُلُوِّ وَالتَّعْقِيدِ وَعَنِ التَّطَرُّفِ وَعَنْ مَا لا يُرْضِي اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَنْ يُحَذِّرُوا النَّاسَ مِمَّا يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ فَهَذَا جِهَادٌ حَضَّنَا عَلَيْهِ شَرْعُنَا الْحَنِيفُ، فَلا يَكْفِي لِنَجَاةِ الْمَرْءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُؤَدِّيَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ الْوَاجِبَاتِ، وَيَتْرُكَ أَمْرَ غَيْرِهِ بِالْوَاجِبَاتِ وَيَجْتَنِبَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَتْرُكَ نَهْيَ غَيْرِهِ عَنِ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثِرَة وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا لِلْمُتَمَسِّكِ فِيهَا بِمِثْلِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرُ خَمْسِينَ“، قَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ“، قَالَ: “بَلْ مِنْكُمْ” رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ. حَضَّنَا وَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَعَلَى النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَمِنْ أَشَدِّ الْمُنْكَرَاتِ الْبِدَعُ الاِعْتِقَادِيَّةُ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَطِيعِينَ أَنْ يُنْكِرُوا الْبِدَعَ الاِعْتِقَادِيَّةَ الَّتِي تُخَالِفُ عَقِيدَةَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجِبُ الإِنْكَارُ عَلَى أَصْحَابِ هَذِهِ الْبِدَعِ وَهَذَا فِي الإِسْلامِ حُكْمُهُ مِنْ أَفْرَضِ الْفُرُوضِ فَكَمَا أَنَّ التَّحْذِيرَ مِنَ الَّذِي يَغُشُّكَ فِي الطَّعَامِ أَمْرٌ وَاجِبٌ فِي الإِسْلامِ فَإِنَّ التَّحْذِيرَ مِمَّنْ يَغُشُّكَ فِي الدِّينِ أَوْجَبُ فِي الإِسْلامِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمْشَقَ أَنَّ غَيْلانَ بنَ مَرْوَانَ الْقَدَرِيَّ الضَّالَّ الْمُضِلَّ بَدَأَ بِنَشْرِ عَقِيدَتِهِ الْفَاسِدَةِ بَيْنَ النَّاسِ كَانَ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ اعْتَقَدَ مَا لا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ وَبَدَأَ يَنْشُرُ عَقِيدَتَهُ الْفَاسِدَةَ بَيْنَ النَّاسِ تَعَدَّى شَرُّهُ إِلَى النَّاسِ صَارَ يَتَكَلَّمُ فِي الْقَدَرِ صَارَ يَقُولُ لِلنَّاسِ نَحْنُ خَلَقْنَا أَعْمَالَنَا، اللَّهُ مَا خَلَقَ أَعْمَالَنَا اللَّهُ مَا خَلَقَ الشَّرَّ بَدَأَ يَنْشُرُ هَذَا الْكُفْرَ وَالضَّلالَ بَيْنَ الْعِبَادِ أَمَّا عَقِيدَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا وَخَلَقَ أَعْمَالَنَا الَّتِي نَعْمَلُهَا بِاخْتِيَارٍ مِنَّا أَوِ الَّتِي تَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنَّا لا خَالِقَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْخَيْرَ وَخَلَقَ الشَّرَّ، خَلَقَ الشَّرَّ وَلَكِنَّهُ لا يُحِبُّ الشَّرَّ، نَهَى عَنْهُ وَأَمَرَ بِالْخَيْرِ، فَكَانَ مِنْ غَيْلانَ أَنْ نَشَرَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ الاِعْتِقَادِيَّةَ الْكُفْرِيَّةَ بَيْنَ النَّاسِ فَعَلِمَ بِذَلِكَ سَيِّدُنَا الْخَلِيفَةُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: يَا غَيْلانُ مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكَ، تَتَكَلَّمُ فِي الْقَدَرِ وَكَانَ عُمَرُ لَهُ هَيْبَةٌ بِالتَّقْوَى فَخَافَ غَيْلانُ، فَقَالَ غَيْلانُ: يُكْذَبُ عَلَيَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَيُقَالُ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَةُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَيْلَكَ، وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ إِقْرَأْ مِنْ سُورَةِ يس، فَبَدَأَ غَيْلانُ يَقْرَأُ، وَهَذَا غَيْلانُ يَدَّعِي الْعِلْمَ وَالْمَشْيَخَةَ يَلْبَسُ الْعِمَامَةَ وَيُرْخِي اللِّحْيَةَ وَيَدُورُ بَيْنَ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ الْفَصِيحَةَ وَيَحْفَظُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَمِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَضَلَّهُ عَلَى عِلْمٍ قَالَ لَهُ عُمَرُ: اقْرَأْ مِنْ سُورَةِ يس، فَقَرَأَ الآيَةَ الْكَريِمَةَ، ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ [سُورَةَ يس/9]. قَالَ عُمَرُ: قِفْ مَنِ الَّذِي جَعَلَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا؟ قَالَ غَيْلانُ: لا أَدْرِي، قَالَ: وَيْلَكَ، اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الْعِبَادِ وَخَالِقُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ لا خَالِقَ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَالَ غَيْلانُ: أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنْ لا أَعُودَ فَأَتَكَلَّمَ فِي شَىْءٍ مِنْ هَذَا أَبَدًا فَانْطَلَقَ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدُ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ وَالْكَرَامَةِ، مَا اطْمَأَنَّ قَلْبُ عُمَرَ لِكَلامِ غَيْلانَ، فَقَالَ عُمَرُ: “اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَعْطَانِي بِلِسَانِهِ وَمِحْنَتُهُ فِي قَلْبِهِ فَأَذِقْهُ حَرَّ السَّيْفِ”، فَمَا عَادَ غَيْلانُ يَتَكَلَّمُ فِي مَسْئَلَةِ الْقَدَرِ فِي زَمَنِ خِلافَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بَعْدَمَا مَاتَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَدَأَ يَتَكَلَّمُ غَيْلانُ فِي الْقَدَرِ، أَعَادَ مَا كَانَ يُخْفِيهِ عَلَى عُمَرَ، فَلَمَّا وُلِّيَ الْخِلافَةَ هِشَامُ بنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَاسْتَدْعَاهُ الْخَلِيفَةُ هِشَامُ، اسْتَدْعَى غَيْلانَ إِلَى دَارِ الْخِلافَةِ قَالَ لَهُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَلَسْتَ عَاهَدْتَ اللَّهَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ لا تَتَكَلَّمَ فِي هَذَا؟ إِقْرَأْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَبَدَأَ غَيْلانُ بِالْقِرَاءَةِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قَالَ الْخَلِيفَةُ هِشَامُ: قِفْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، عَلامَ تَسْتَعِينَ اللَّه، عَلَى أَمْرٍ بِيَدِكَ أَمْ عَلَى أَمْرٍ بِيَدِهِ، مِنْ هَا هُنَا انْطَلِقُوا بِهِ فَاضْرِبُوا عُنَقَهُ فَقَالَ غَيْلانُ، أَبْرِزْ لِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُنَاظِرُنِي، فَإِنْ غَلَبَنِي فَهَذِهِ عُنُقِي، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ هِشَامُ مَنْ لِهَذَا الْقَدَرِيِّ، قَالُوا الأَوْزَاعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ الْوَرِعُ الزَّاهِدُ الْعَابِدُ أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَرْسَلَ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ لِيَأْتِي مِنْ بَيْرُوتَ إِلَى دِمَشْقَ، دَخَلَ عَلَى دَارِ الْخِلافَةِ، وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ لِغَيْلانَ، يَا غَيْلانُ إِنْ شِئْتَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ ثَلاثًا وَإِنْ شِئْتَ أَرْبعًا وَإِنْ شِئْتَ وَاحِدًا، أَسْأَلُكَ أَرْبَعَةَ أَسْئِلَةٍ أَمْ ثَلاثَةً أَمْ وَاحِدًا، قَالَ أَلْقِ عَلَيَّ ثَلاثًا، فَقَالَ الإِمَامُ الأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَا غَيْلانُ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ قَضَى عَلَى مَا نَهَى، فَقَالَ غَيْلانُ لا أَدْرِي كَيْفَ هَذَا، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ هَذِهِ وَاحِدَةٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ يَا غَيْلانُ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ أَمَرَ بِأَمْرٍ ثُمَّ حَالَ دُونَهُ، فَقَالَ غَيْلانُ لا أَدْرِي وَاللَّهِ هَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الأُولَى، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ هَاتَانِ اثْنَتَانِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ يَا غَيْلانُ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ حَرَّمَ حَرَامًا ثُمَّ أَحَلَّهُ، قَالَ غَيْلانُ لا أَدْرِي هَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الأُولَى وَمِنَ الثَّانِيَةِ.
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: “كَافِرٌ” وَرَبِّ الْكَعْبَةِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَمَرَ بِهِ الْخَلِيفَةُ فَقُطِعَتْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَعُلِّقَ عَلَى بَابِ دِمَشْقَ وَلَمَّا أُخِذَ لِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ قَالَ غَيْلانُ أَدْرَكَتْنِي دَعْوَةُ الْعَبْدِ الصَّالِحِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ هِشَامُ يَا أَبَا عَمْرٍو أَخْبِرْنَا عَنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ مَا هِيَ قَالَ قُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ قَضَى عَلَى مَا نَهَى، فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَهَى ءَادَمَ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ وَقَضَى عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا فَأَكَلَ، قُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ أَمَرَ بِأَمْرٍ ثُمَّ حَالَ دُونَهُ، اللَّهُ أَمَرَ إِبْلِيسَ أَنْ يَسْجُدَ لآدَمَ وَحَالَ دُونَهُ أَنْ يَسْجُدَ، قُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ حَرَّمَ حَرَامًا ثُمَّ أَحَلَّهُ فَاللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَأَحَلَّهَا لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهَا صَاحِبِ الضَّرُورَةِ كَالَّذِي يَكُونُ فِي الصَّحْرَاءِ وَكَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْجُوعُ إِنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَيْتَةً فَهَذِهِ الْمَيْتَةُ يُأْكَلُ مِنْهَا مَا يَسُدُّ هَلاكَ الْجُوعِ لَيْسَ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ فَهَذِهِ الأَجْوَبَةُ الثَّلاثَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
اللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ وَأَنْ يُمِيتَنَا عَلَى كَامِلِ الإِيْمَان.
هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ علَى سَيّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّف. عِبادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.