الْحَكِيْمُ:
هوَ الْمُحِكِمُ لخلقِ الأشياءِ كَمَا
شَاءَ لأَنَّهُ تعالَى عالِمٌ بِعواقِبِ الأمورِ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃﱠ([1]).
وَمَعْنى
الإِحْكَامِ لِخَلْقِ الأَشْيَاءِ الإِتْقَانُ لِلخَلْقِ ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﲔ
ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟﱠ([2])
أَيْ هُوَ حَسَنُ التَّدْبِيرِ
بِوَضْعِ كُلِّ شَىءٍ مَوْضِعَهُ وَالله تَعَالَى حَكِيمٌ فَهُوَ مُقَدَّسٌ
وَمُنَزَّهٌ عَنْ فِعْلِ مَا لَا يَنْبَغِي أَوْ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا لَا
لِحِكْمَةٍ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﭐﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦﱠ([3])، فَجَمِيعُ المنَافِعِ الحَاصِلَةِ
فِي هَذَا العَالَمِ وَحَرَكَاتُ الأَفْلَاكِ وَمَسِيرُ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ
وَالكَوَاكِبِ مَا عَلِمْنَا مِنْهَا وَمَا لَمْ نَعْلَمْ لَمْ تَحْصُلْ إِلَّا
بِتَدْبِيرِ المدَبِّرِ المقَدِّرِ القَدِيرِ الرَّحِيمِ الحَكِيمِ الَّذِي لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَىءٌ القَائِلِ فِي كِتَابَةِ العَزِيزِ: ﱡ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲿ ﱠ([4]) أَيْ لَمْ يَخْلُقْهُ تَعَالَى
عَبَثًا وَبَاطِلًا بَلْ لِحِكْمَةٍ هُوَ أَعْلَمُ بِهَا وَجَعَلَ فِي
المصْنُوعَاتِ دِلَالَةً عَلَى قُدْرَتِهِ، وَقَالَ البَيْهَقِيُّ:
“الحَكِيمُ: هُوَ الْمُحْكِمُ لِخَلْقِ الأَشْيَاءِ وَقَدْ
يَكُونُ بِمَعْنَى المصِيبِ فِي أَفْعَالِهِ” ([5]).
قَالَ الرَّازِيُّ: “قَالِتِ المعْتَزِلَةُ إِذَا كَانَتِ القبائحُ
وَالمنْكِرَاتُ إِيجَادَهُ وَإِرَادَتَهُ أَيْنَ الحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ؟ فَرَدَّ
بَعْضُ أَهْلُ السُّنَّةِ: البَاطِلُ هُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الغَيْرِ،
فَمِنْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكٍ نَفْسِهِ فَأَيُّ فِعْلٍ فَعَلَهُ كَانَ حِكْمَةً
وَصَوَابًا، وَكُلُّ مَا دَخَلَ فِي الوُجُودِ مُلْكٌ لِلهِ تَعَالَى فَهُوَ
يَتَصَرَّفُ فِي مُلْكِهِ كَيْفَ يَشَاءُ سُبْحَانَهُ وَهَذَا لَا يُعَارِضُ الحِكَمَةَ”([6]).اهـ
فَحُكْمُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الله تَعَالَى خَلَقَ الخَلْقَ لَا لِحِكْمَةٍ
التَّكْفِيرُ قَطْعًا، وَكَذَلِكَ مَنْ يَنْسُبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى السَفَهَ
وَهُوَ التَّصَرُّفُ بِخِلَافِ الحِكْمَةِ والعياذُ بِاللهِ تَعَالَى، وَمِثَالُ
ذَلِكَ مَنْ نَسَبَ الكُفْرَ أَوِ الكَبَائِرَ أَوْ الصَّغَائِرَ الَّتِي فِيهَا
خِسَّةٌ وَدَنَاءَةُ نَفْسٍ لِأَنْبِيَاءِ الله تَعَالَى فَهَذَا يُعَارِضُ
مَبْدَأَ إِرْسَالِهِمْ وَهَذَا كَأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ الله تَعَالَى أَرْسَلَ
مَنْ هُوَ لَيْسَ أَهْلًا لِهَذِهِ الرِّسَالَةِ وَفِي هَذَا مُعَارَضَةٌ لمبدءِ
إِرْسَالِهِمْ وَفِيهِ نِسْبَةُ السفهِ إِلَى اللهِ أَيِ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ
الحِكْمَةِ فَمِنْ حِكْمَتِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ جَعَلَ الأَنْبِيَاءَ مَوْصُوفِينَ
بِصِفَاتٍ تَلِيقُ بِهِمْ كَالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ والفَطَانَةِ والعفةِ وبرَّأَهُمْ
مِنَ الكُفْرِ وَالكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الَّتِي فِيهَا خِسَّةٌ وَدَنَاءَةُ
نَفْسِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبُعْدَهَا لِأَنَّهُمْ قُدْوَةٌ لِلنَّاسِ وَهُوَ
سُبْحَانَهُ اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ مَنْ هُوَ
أَهْلٌ لِهَذِهِ النُّبُوَّةِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﱡ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳑ ﱠ([7])
فَمَنْ نَسَبَ
لِأَنْبِيَاءِ اللهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِمْ فَهَذَا كَذَّبَ هَذِهِ الآيَةَ
وَهَذَا يُعَارِضُ مَبْدَأَ إِرْسَالِهِمْ
وَفِيهِ نِسْبَةُ مَا لَا
يَلِيقُ إِلَى اللهِ، وَالحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ
أَنْ نُعَظِّمَ أَنْبِيَاءَ اللهِ تَعَالَى وَنَعْرِفَ قَدْرَهُمْ وَمَا جُعِلَ مِنْ رِفْعَةِ شَأْنِهِمْ وَأَنْ
نَبْتَعِدَ عَنْ نِسْبَةِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِمْ
إِلَيْهُمْ فَإِنَّهُ مِنْ المهْلِكَاتِ.
وَليُعْلَمْ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي
تَسْمِيَةِ الله تَعَالَى بِالحَكِيمِ وَلَا محذورَ مِنْ ذَلِكَ فِي الشَّرَعِ،
فَقَدْ وَرَدَ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ. وَقَدْ زَعَمَتْ المعْتَزِلَةُ أَنَّهُ
يَجِبُ عَلَى اللهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ الأَصْلَحَ لِلعَبْدِ والعياذُ بِاللّه
تَعَالَى فَجَعَلُوا اللهَ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الأَمْرُ
كَمَا قَالِتِ المعْتَزِلَةُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللهِ فَعَلُ الأَصْلَحِ،
فَمَاذَا هُمْ فَاعِلُونَ بُقُولِهِ تَعَالَى: ﭐﱡﭐﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲽﱠ([8])ﭐ وَقَوْلِهِ: ﱡﭐﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﳋﱠ([9]) وَقَوْلِهِ:
ﱡﭐﲳ ﲴﲵ ﲶ ﳅﱠ([10]) وَقَوْلِهِ
أَيْضًا: ﭐﱡﭐﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﱠ([11]) وَذَكَرَ
فِي هَذِهِ الآيَاتِ تَخْصِيصَهُ بِالرَّحْمَةِ مَنْ يَشَاءُ فِي الآخِرَةِ وإيتاءَه
الحِكْمَةَ وَالنُّبُوَّةَ مَنْ يَشَاءُ وَاصْطِفَاءَهُ مِنَ العِبَادِ مَنْ
يَشَاءُ رُسُلًا وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ التمدُّحِ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا
عَلَيْهِ فِعْلُ الأَصْلَحِ لِلعَبْدِ لِبَطَلَ التمدُّحُ ولثبتَتْ عَلَيْهِ
مغلوبيةٌ وَمَحْكُومِيَّةٌ لِغَيْرِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ فِي اخْتِيَارِ أَكْثَرِ العِبَادِ الكُفْرَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُمْ
بِالإِيمَانِ مغلوبيةٌ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ -حَاشَا للهِ- فَهُوَ
أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ شَاءَ للسعيدِ مِنْهُمُ السَّعَادَةَ وللشقيِّ
مِنْهُمُ الشقاوةَ فَلَا عَجْزَ وَلَا نَقِيصَةَ فِي حَقِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
واعْلَمْ أَنَّ مَنْ أرادَ اللهُ بهِ
خيرًا رَزَقَهُ الحكمةَ والعملَ بما يَقْتَضِيْهَا فَتَكُونُ أَفْعَالُهُ حَسَنَةً
مُوَافِقَةً لِلشَرْعِ ظاهرًا وباطنًا قالَ تعالى: ﱡ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ
ﲼ ﲽ ﲾﳅﱠ([12])
قالَ الطبريُّ: وقالَ بعضُهُم:
الـحكمةُ هيَ الـمعرفةُ بـالدينِ والفقهُ فـيهِ([13]).اهـ
وقالَ الرازيُّ: واعلمْ أَنَّ الحكمةَ هيَ:
الإصابةُ في القولِ والعملِ([14]).اهـ