الْحَسِيْبُ:
هوَ المحاسِبُ للعبادِ بما قدَّمَت
أيديهِم ﭧﭐﭨﭐﱡﳛ ﳜ ﳝﳞﱠ([1])
فاللهُ تعالى يحاسبُ العبادَ على ما قدموا في هذهِ الدنيا فمنهم مَنْ يُحَاسَبُ حِسَابًا
يسيرًا ومصيرُهم إلى نعيمٍ أبديٍّ لا يزولُ، ومنهم مَنْ يحاسبُ حسابًا عسيرًا على
النقيرِ والقطميرِ وهمُ الكفارُ والمجرمونَ فيكونُ مرجعُهم إلى الجحيمِ فالحسابُ
يومَ القيامةِ حتى عن الإبرةِ والخيطِ فقدْ قالَ اللهُ تعالى: ﱡﭐﲽ ﲾ ﲿ ﳀﳁﱠ([2]) وقدْ
قيلَ: مَنْ آمَنَ بالسؤالِ حَضَّرَ الجوابَ، فاسئلْ نفسَك يا عبدَ اللهِ هلْ
حضَّرتَ الجوابَ لقبرِكَ هلْ حضَّرتَ الجوابَ ليومِ الحسابِ؟ فاللهُ تعالى هوَ
الذي يحاسِبُ العبادَ ويسألُهم يومَ القيامةِ قالَ تعالى: ﭐﱡﭐﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹﱠ([3]) وقالَ
رسولُ اللهِ ﷺ:
((لا تَزُولُ قَدَما عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ
عَنْ عُمرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ وَعَنْ مَالِهِ
مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ))
([4])اهـ
ويروى عَنْ ميمونَ بنِ مهرانَ([5])
رحمهُ اللهُ قالَ: لا يكونُ العبدُ تقيًا حتى يحاسِبَ نفسَه كما يحاسِبُ شريكَه مِنْ
أينَ مطعَمُهُ وملبَسُه([6]).اهـ
قالَ ابنُ عطيةَ: “عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ((تُوْضَعُ الْمَوَازِيْنُ
يَوْمَ القِيَامَةِ فَتُوْزَنُ الحَسَنَاْتُ وَالسَّيِّئَاتُ فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ
عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ صُؤَاْبَةٍ([7])
دَخَلَ الجَنَةَ وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ مِثْقَالَ صُؤَابَةٍ
دَخَلَ النَّارَ)). قيلَ يا رسولَ اللهِ فَمَنِ استوتْ حسناتُه وسيئاتُه؟ قالَ:
((أُولَئِكَ أَصْحَابُ الأَعْرَافِ لَمْ يَدْخُلُوْهَا وَهُمْ يَطْمَعُوْنَ([8]))).اهـ فالمؤمنُ الذي وُزِنَتْ أعمالُه فرجحتْ سيئاتُه على حسناتِه في خطرٍ شديدٍ
هوَ تحتَ خطرِ المشيئةِ إنْ شاءَ اللهُ عَذَّبَهُ في النارِ وإنْ شاءَ عفا عنهُ
وأدخَلَه الجنةَ لكنَّه إذا دخلَ النارَ بمعاصيهِ فلا بدَّ أنْ يخرجَ منها بعدَ
مدةٍ بسببِ إيمانِه كمَا جاءَ في الحديثِ: ((يَخُرُجُ مِنَ الْنَّارِ مَنْ قَالَ
لَا إِلَهَ إِلَّااللهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيْمَانٍ([9]))).
وَلْيُعْلَمْ أَنَّهُ ستأتِي لحظةٌ يقفُ
كلٌّ منَّا فيها حيثُ توضَعُ أعمالُه على الميزانِ وهوَ ينظرُ وينتظرُ حُكْمَ اللهِ
فيهِ، فليعمَلِ الواحدُ منَّا ولْيَجْتَهِدْ في الطاعاتِ وتَعَلُّمِ وتعليمِ
الخيراتِ فإِنَّ الدنيا دارُ العملِ والآخرةَ دارُ الجزاءِ على العملِ، وقدْ رُوِيَ
عنْ سيدِنا عليٍ أَنَّه قالَ: “ارْتَحَلَتِ
الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
بَنُونَ فَكُوْنُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلَا تَكُوْنُوْا مِنْ أَبْنَاءِ
الدُّنيَا فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَاب وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَل([10])“،
ورُويَ عن شدادِ بنِ أوسٍ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: ((الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ
الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ([11])))،
“الْكَيِّسُ” أيِ العاقلُ المتبصرُ في الأمورِ الناظرُ في
العواقبِ “مَنْ دَاْنَ نَفْسَهُ” أي حاسبَ نفسَه في الدنيا قبلَ
أنْ يُحَاسَبَ يومَ القيامةِ “وَعَمِلَ لِمَاْ بَعْدَ الْمَوْتِ” أيْ
عَمِلَ العملَ الذي ينفَعُه في الآخرةِ أيِ الطاعاتِ وتَرَكَ ما يضرُّه فيها أيِ
المحرماتِ “وَالْعَاْجِزُ” وهوَ الذي غلبَتْهُ نفسُه فقصَّرَ في
طاعةِ اللهِ ربِّ العالمينَ “مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاْهَاْ”
أيْ جَعَلَهَا تابعةً لـهواهَا فلمْ يَكُفَّها عنِ الشهواتِ ولم يمنَعْهَا مِنَ
الوقوعِ في المحرماتِ “وَتَمَنَّىْ عَلَى اللهِ” أيْ يذنبُ ويتمنَّى
الجنَّةَ مِنْ غيرِ توبةٍ وإنابةٍ ([12]).اهـ
وعنْ أميرِ المؤمنينَ سيدِنا أبي حفصٍ عمرَ بنِ الخطابِ أَنَّه قالَ: “حَاسِبُوا أَنْفُسَكُم قَبْلَ
أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ
يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا([13])”
اهـ وتزينوا للعرضِ الأكبرِ أيْ عرضِ الأعمالِ في الآخرةِ وهوَ على ما قالَ تعالى: ﭐﱡﭐ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﱠ([14]).
فَاْئِدَةٌ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اللهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ
مُجْرِيَ السَّحَابِ هَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ([15]))) فاللهُ تعالى سريعُ الحسابِ وقدْ قالَ عزَّ مِنْ قائلٍ:
ﱡ ﱶ ﱷ ﱸﱹﱠ([16]) ولْيُعْلَمْ أَنَّ اللهَ عزَّ وَجَلَّ هوَ الذي يحاسِبُ
العبادَ يومَ الدينِ فكلٌّ مِنَّا يسمَعُ كلامَ اللهِ الأَزَلِيَّ الذي ليسَ حرفًا
ولا صوتًا ولا لغةً فيفْهَمُ الحسابَ على أعمالِهِ صغيرِهَا وكبيرِهَا، فقدْ قالَ
ﷺ: ((مَا
مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّاسَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ([17]))).
مِنْ خواصِّ اسمِ اللهِ
“الحسيبِ”: وقوعُ الأمنِ بينَ ذوي الأنسابِ والقُرُباتِ فيقرأُه مَنْ
يخافُ عليهِ مِنْ قريبِهِ كلَّ يومٍ قبلَ الطلوعِ وبعدَ الغروبِ سبعًا وسبعينَ مرةً
فإِنَّ اللهَ يؤمِّنُهُ قبلَ الأسبوعِ ويكونُ الابتداءُ يومَ الخميسِ. ([18])
دُعَاءٌ: اللهُمَّ يَا حَسِيْبُ يَا
عَلِيْمًا بِحَالِنَا هَوِّنْ عَلَيْنَا الحِسَابَ يَوْمَ القِيَامَةِ.
([5]) ميمون بن مهران الرقي من القضاة كان مولى لامرأة بالكوفة وأعتقته
فنشأ فيها ثم استوطن الرقة من الجزيرة الفراتية فكان عالم الجزيرة وسيدها واستعمله
عمر بن عبد العزيز على خراجها وقضائها.اهـ الأعلام ج 7 ص 342.
([7]) قال ابن منظور: الصُّؤَابة بِالْهَمْزِ بيضَةُ
الْقَمْلَةِ وَالْجَمْعُ الصُّؤَاب والصِّئبان .اهـ لسان العرب ج 1 ص 514.
([8]) قال ابن عطية: وقع في مسند خيثمة بن
سليمان (في آخر الجزء الخامس عشر).اهـ المحرر الوجيز ج2 ص403.