الأحد ديسمبر 7, 2025

الْجَبَّاْرُ: هوَ الذي جَبَرَ مفاقِرَ الخَلقِ، أو الذي قَهَرَهُم على ما أرادَ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲪ ﲫﲱ([1]) قالَ البيهقيُّ: “الجبارُ: هوَ الذي لا تنالُه الأيدي ولا يجري في مُلكِه غيرُ ما أرادَ، وهوَ مِنَ الصفاتِ التي يستحقُّها بذاتِه، وقيلَ: هوَ الذي جَبَرَ الخلقَ على ما أرادَ، وقيلَ: هوَ الذي جبرَ مَفَاقِرَ الخلقِ” ([2]).اهـ فهوَ سبحانَه الذي لا تنالُه الأيدي وهوَ الذي يفعلُ في خلقِه ما أرادَ، ليسَ عليهِ حكمٌ يُلْزِمُهُ، فما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يشأْ لم يكنْ، ولا تتحركُ ذرةٌ إلا بإذنِه. ومعنى ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يشأْ لم يكنْ: أنَّ كلَّ ما شاءَ اللهُ في الأزلِ أنْ يكونَ كانَ، وما لم يشإِ اللهُ في الأزلِ أنْ يكونَ لا يكونُ، ولا تتغيرُ مشيئتُهُ لأنَّ تغيرَ المشيئةِ دليلُ الحدوثِ، والحدوثُ مستحيلٌ على اللهِ، فهوَ على حَسَبِ مشيئتِه الأزليةِ يغيرِ المخلوقاتِ مِنْ غيرِ أنْ تتغيرَ مشيئتُه، وهذا اللفظُ أجمعَ عليهِ المسلمونَ سلفُهم وخلفُهم وهوَ مأخوذٌ عنْ رسولِ اللهِ فَقَدْ وردَ أَنَّهُ عَلَّمَ بَعْضَ بَنَاتِهِ: ((مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ))([3]) ولم يخالفْ فيهِ إلَّا المعتزلةُ ومَنِ اتَّبَعَهُم، فجعلوا الشرَّ يجري بمشيئةِ العبدِ لَا بمشيئةِ اللهِ تعالى، فَعَلَى زعمِهم أنَّهُ يحصلُ في هذا العالمِ أمورٌ بغيرِ مشيئةِ اللهِ تعالى أيْ رغمًا عنِ الله، فجعلوا اللهَ تعالى مغلوبًا على أمرِهِ مقهورًا، واللهُ غالبٌ على أمرِه فكلُّ ما شاءَ اللهُ في الأزلِ وجودَه دخلَ في الوجودِ، وما لم يشأِ اللهُ في الأزلِ وجودَه لا يدخلُ في الوجودِ ولو دعا داعٍ أنْ يحصلَ أو تصدقَ متصدقٌ بنيةِ ذلكَ. فسبحانَ اللهِ الجبارِ الذي لا تنالُه الأيدي ولا يجري في ملكِه غيرُ ما أرادَ.

      وليُعلَم أنَّهُ يُطلَقُ الجبارُ على بعضِ البشرِ ويرادُ بهِ المتكبرُ العاتي على خلقِ اللهِ، ويطلقُ على اللهِ تعالى ويرادُ بهِ أنَّهُ سبحانَه قهرَ خلقَه على ما أرادَ، فهوَ مَدْحٌ في حقِّه تعالى وذمٌّ في حقِّ خلقِهِ، فقدْ جاءَ في القرآنِ الكريمِ حكايةً عَمَّنْ كانوا معَ موسى عليهِ السلامُ عندمَا وَصَفُوا مَنْ كانَ في بيتِ المقدسِ قالَ تعالى: ﭐﱡﭐﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ  ﲹ ﲺﲻ([4]) ومعنى ﴿ﲮ ﲯ: عظماءُ، وقالَ بعضُ أهلِ التفسيرِ همْ بقيةٌ مِنْ قومِ عادٍ([5]).اهـ فاللهُ تعالى قهرَ الجبابرةَ بجبروتِه وعظمتِه، ولا يجري عليهِ حُكْمُ حاكمٍ فهوَ العزيزُ الجبارُ.



 سورة الحشر / 23.  ([1])

الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي باب ذكر معاني الأسماء التي رويناها على طريق الإيجاز. ([2])

 ([3]) وَالحديثُ هوَ أَنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ يُعَلِّمُ ابنته فَيَقُولُ: ((قُولِي حِينَ تُصْبِحِينَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، لا قُوَّةَ إِلَّا بالله ما شَاءَ الله كَانَ وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكْنْ، أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءِ قَدِيرٌ وَأنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، فإِنَّهُ مَن قالَهُنَّ حِيَنَ يُصْبِحُ حُفِظَ حتَّى يُمْسَى، وَمَن قالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي حُفِظَ حتَّى يُصْبِحَ)). سنن أبي داوود ج 13 ص 415.

سورة المائدة / 22. ([4])

 لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن ج 2 ص 27.([5]