الأحد ديسمبر 22, 2024

جرت بالقيروان مسألة في الكفار هل يعرفون الله أو لا؟ فأفتاهم الفقيه الأصولي أبو عمران الفاسي أنّ المُجسم ليس مؤمنا بالله لأنه ما عرف الله تعالى ولا وصفه بصفته

جرت بالقيروان مسألة في الكفار هل يعرفون الله أو لا؟ فوقع فيها تنازع عظيم بين العلماء وتجاوز ذلك إلى العامة وكثر التمادي بينهم حتى كان يقوم بعضهم إلى بعض في الأسواق ويخرجون عن حد الاعتدال إلى القتال، وكان المتهجم بذلك رجل مؤدب يركب حماره ويذهب من واحد إلى آخر فلا يترك متكلماً ولا فقيهاً إلا سأله فيها وناظره، فقال قائل لو ذهبتم إلى الشيخ أبي عمران (1) لشفانا من هذه المسألة، فقام إليه أهل السوق بجماعتهم حتى أتوا باب داره واستأذنوا عليه، فأذن لهم، فقالوا له أصلحك الله، أنت تعلم أن العامة إذا حدثت بها حادثة إنما تفزع إلى علمائها وهذه المسألة قد جرى فيها ما بلغك وما لنا في الأسواق شغل إلا الكلام فيها.
فقال لهم إن أنصتّم وأحسنتم الاستماع أجبتكم بما عندي، فقالوا له ما نحب منك إلّا جوابا بينا على مقدار أفهامنا، فقال لهم بالله التوفيق، وقال لا يكلمني منكم إلا واحد ويسمع الباقون، فقصد واحدا منهم فقال له أرأيت لو لقيت رجلاً فقلت له أتعرف أبا عمران الفاسي؟ فقال أعرفه، فقلت صفه لي، فقال هو رجل يبيع البقل والحنطة والزيت في سوق ابن هشام ويسكن صبرة، أكان يعرفني؟ قال لا.
قال فلو لقيت آخر فقلت تعرف الشيخ أبا عمران؟ فقال نعم فقلت صفه لي، فقال نعم، يدرس العلم ويدرسه، يفتي الناس ويسكن بقرب السماط، أكان يعرفني؟ قال نعم، قال والأول ما كان يعرفني؟ قال لا، قال لهم الشيخ كذلك الكافر إذا قال إن لمعبوده صاحبة وولداً وأنه جسم وعبد مَن هذه صفته فلم يعرف الله ولم يصفه بصفاته ولم يقصد بالعبادة إلا مَن هذا صفته وهو بخلاف المؤمن الذي يقول إن معبوده الله الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد فهذا قد عرف الله ووصف بصفته وقصد بعبادته من يستحق الربوبية سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، فقامت الجماعة وقالوا له جزاك الله خيراً من عالم فقد شفيت ما بنفوسنا ودعوا له ولم يخوضوا في المسألة بعد هذا.

(1) العلامة الفقيه الأصولي عالم القيروان أبو عمران الفاسي أحد كبار فقهاء المالكية بإفريقية ومن أبرز أعلام هذا المذهب.
قال حاتم بن محمد (كان أبو عمران من أعلم الناس وأحفظهم، جمع حفظ المذهب المالكي إلى حفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة معانيه وكان يُقرئ القرآن بالسبعة مع معرفته بالرجال وجرحهم وتعديلهم، أخذ عنه الناس من أقطار المغرب والأندلس واستجازه من لم يلقه وخرج من عوالي حديثه نحو مائة ورقة) قال حاتم ولم ألقَ أحداً أوسع منه علماً ولا أكثر رواية.
قال عمر الصقلي (أبو عمران الثقة الإمام الديّن المعلم وذكر أن الباقلاني كان يعجبه حفظه ويقول لو اجتمعت في مدرستي أنت وعبد الوهاب بن نصر وكان إذ ذاك بالموصل لاجتمع فيها علم مالك أنت تحفظه وهو ينصره، لو رآكما مالك لسرّ بكما).
توفي أبو عمران سنة ثلاثين وأربعماية ومولده سنة ثلاث وستين وثلاثماية فيما حكى الجياني عن أبي عمر بن عبد البر وقال أبو عمر المقرئ مات وسنه خمس وستون سنة.

من ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للإمام القاضي العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي ثم السبتي المالكي توفي 544 هـ رحمه الله تعالى.