الإثنين ديسمبر 23, 2024

قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “كلُّ عملٍ ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ”. هذا الحديث صحيح رواه مسلم وهو دليلٌ لأهلِ السنّةِ والجماعة على جوازِ إحداثِ البدعةِ الحسنة، دليلٌ لعلماءِ أهلِ السنّةِ على جوازِ إحداثِ العملِ الموافق للشرع للكتاب أو السنّة أو الإجماع أو الأثر ولوْ لمْ يَنُصَّ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولوْ لمْ ينُصَّ عليه القرآن، لماذا؟ لأنّهُ صلى الله عليه وسلم قيَّدَ. لاحظوا هذا الحديث: “كلُّ عملٍ ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ”. يعني ما أُحدِثَ وكان ممّا يُوافقُ الدين فهو مقبول. لماذا قال الرسولُ عليه الصلاة والسلام: “ليس عليه أمرُنا”؟ يعني ما كان مُوافقًا لِما عليه الرسول أو الإجماع أو القرآن أو القياس فهو عملٌ مقبولٌ.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم هو الذي أَذِنَ وسمَحَ وأجازَ وشجَّعَ وحَضَّ الأئمةَ العلماء المجتهدين أنْ يُحدِثوا ما يروْنَهُ موافقًا للدين. أليس في صحيحِ مسلم أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ سنَّ في الإسلامِ سنّةً حسَنةً فلهُ أجرُها وأجرُ مَنْ عملَ بها بعدهُ لا ينقُصُ منْ أجورِهم شىء”. ثم في نفسِ هذا الحديث قال: “ومَنْ سنَّ في الإسلامِ سنّةً سيِّئةً فعليه وزْرُها ووزْرُ مَنْ عمِلَ بها بعدَهُ لا ينْقُصُ منْ أوزارِهِمْ شىء”.

هؤلاء المشبهة المجسمة الذين يُضَلِّلونَ الأمةَ ويُكَفِّرونَ المسلمين إذا احْتَفلوا بالمولدِ النبويّ الشريف مع التوسل والاستغاثة والتبرّكِ يقولون: هذا ضلالٌ أو بدعةٌ في الدين أو مُخالفٌ للتوحيد أو قادح للإسلام أو مخالفٌ للقرآنِ بزعمِهم. يُقال لهم: لوْ كان كما تزعُمون لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “منْ سنَّ في الإسلامِ سنةً حسَنة”؟ لو كان مُطلَق البدعة ضلالة كما تزعُمون كيف قال عنها حسنةً؟ والدليل على أنّ هناك بدعة حسَنة وهناك بدعة سيّئة هذا الحديث نفسُه لأنّه فيه قال: “ومَنْ سنَّ في الإسلام سنّةً سيّئةً”. فالضلالة والسيّئة والخبيثة والممنوعة والمُحرّمة هي البدعة التي تُحدَث وتكون مُخالفةً للقرآن أو لإجماعِ الأمة أو للحديثِ الثابتِ الصحيح لفعلِ أو قولِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم

لذلك ما أحدَثَهُ علماء الإسلام الكبارِ الأجلّاء من الاحتفال بالمولدِ النبويّ الشريف ليس ضلالةً ليس حرامًا ليس مُنْكَرًا ليس بدعةً مذْمومةً، بل هو داخلٌ تحت هذه الأحاديث الشريفة “مَنْ عمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ”. فالعمل الذي أحدَثَه الأئمة والعلماء الكبار من المجتهدين كالاحتفالِ بالمولد فهذا عليه عملُ الأمة وتُوافِقُهُ الأحاديث، بلْ يوافِقُهُ القرآن وهكذا إحداثُ الطريقة الرفاعية أو القادرية أو النقشبيدية أو البدوية أو الشاذلية وسائر الطرق التي أحدثَها العلماء الأجلّاء الصُّلَحاءِ على قانونِ الشرعِ الشريف على وفقِ الشرعِ الشريف هذه بدعة حسنة موافقة للدين.

هؤلاء المشبهة المجسمة الذين يُكَفِّرونَ الأمة ويُحَرِّمون التوسل والتبرّك ويُحَرِّمونَ إنشاءَ السفر بقَصْدِ زيارةِ قبرِ النبيِّ المُكرَّم المعظّمِ المُشرَّف صلى الله عليه وسلم للتبرّك وللتوَسّلِ مع إنشاءِ السفرِ ويقولون ضلالة وحرام وبدعة مُحرّمة ويقولون سفر معصية على زعمِهمْ، خابوا وخسِروا وخَسِئوا، يقولون سفر معصية لا تُجمَع فيه الصلاة ولا تُقصَر على زعمِهم. هؤلاء يُضَلِّلون الأمة إذا أباحوا الاحتفالَ بالمولدِ النبويّ الشريف أو أحدَثوا الطرق،  أو عمِلوا بالطريقةِ القادرية أو الرفاعية أو غيرِها منَ الطرقِ التي ذكَرناها أو لمْ نَذْكُرْها من الطرقِ الصحيحة، بأيِّ دليلٍ يُكَفِّرونَ الأمة؟ كيف يُكَفِّرونَ ويُضَلِّلونَ هذه الأمة؟ يقولون الرسول ما فعل، قولوا لهم هل الرسول عليه الصلاة والسلام نصَّ نصًّا صريحًا لا يَحتَمِل التأويل في النهيِ عن إحداثِ الاحتفالِ بالمولدِ النبويِّ الشريف؟ النبيُّ ما نصَّ على ذلك صلى الله عليه وسلم، هل قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم لا تُنْشِئوا سفرًا بِقَصْدِ زيارتي؟ ما قال. هل قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم لا تُحْدِثوا الطريقةَ الرفاعيةَ؟ ما قال. فإذا قالوا لكم الرسولُ ما فعل، قولوا لهم والرسولُ ما قالَ لا تفعلوا.

 الوهَّابيَّة المشبهة المجسمة إذا قالوا لكم الرسولُ صلى الله عليه وسلم لم يحتفل، قولوا والرسولُ صلى الله عليه وسلم ما قال لا تحتفلوا، بل بالمعنى قال احتفِلوا وأحدِثوا الطرُق وسافروا وأنشِئوا السفر معَ شدِّ الرِّحالِ لزيارةِ قبري، هذا كأنّ الرسول يقوله (في المعنى قلتُ) لزيارةِ القبرِ الشريفِ مع التوسُّلِ والتبرّكِ. كيف هذا؟ الأدلّةُ التي عندَ أهلِ السنّةِ والجماعةِ نصرَهُم الله كثيرةٌ جدًّا. هل الرسول صلى الله عليه وسلم يموتُ ويتركُ أمَّتَهُ على ضلالةٍ ولا يُبَيِّن لهم؟ حاشاه. وعلماءُ أصولِ الفقه ماذا يقولون؟ “لا يجوزُ تأخير البيان عنْ وقتِ الحاجة”. الرسولُ صلى الله عليه وسلم ماتَ ولمْ يقلْ لا تحتفلوا بموْلِدي، الرسولُ صلى الله عليه وسلم ماتَ ولمْ يقُلْ لا تزوروا قبري مع السفر ومع إنشاءِ السفر، ما قال. هم ماذا يقولون؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكلُّ مُحْدَثةٍ بدعة وكلُّ بدعةٍ ضلالة. البدعةُ الضلالةُ هي المخالفة للقرآنِ أو للسنّةِ الشريفةِ للحديثِ الثابتِ الصحيحِ أو للإجماعِ أو للقياس، وإلا فلماذا فرّقَ الإمام الشافعي رضي اللهُ عنه بينَ بدعةِ الهدى وبدعة الضلالة؟ لماذا قال في بدعةِ الهدى ما وافقَ كتابًا أو سنّةً أو إجماعًا أو أثرًا؟ هذا سيّدُنا الشافعي وهذا رواه عنه الإمامُ الحافظ البيهقي في مناقبِ الشافعي. ولماذا قال وبدعة الضلالة ما أُحدِثَ على ما يُخالف واحدًا منْ هؤلاءِ يعني الكتاب أو السنة أو الإجماع أو الأثر؟ أنتمْ أفهم أم الشافعي أفهم؟ أنتم أفهم أم عمر بنُ الخطاب رضي اللهُ عنه الذي قال فيه الرسولُ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الحقَّ – يعني الملَك – لَيَتَكلَّمُ على لسانِ عمر”. أي المَلك يُؤَيِّدُهُ يُسَدِّدُهُ فيتكلّم بالحقِّ، هذا أمير المؤمنين رأس أهلِ الكشفِ في أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم ورضي اللهُ عنه. هذا سيِّدُنا عمر القَوّال بالحق الجريء في دينِ الله الذي لا تأخذُهُ في اللهِ لوْمَةَ لائم. لماذا قال “نِعْم البدعةُ هذه”؟ عنْ جَمْعِ الناسِ جماعةً على صلاةِ التراويحِ في المسجدِ في رمضان، وهذا في البخاريّ وغيرِه، ورواهُ أيضًا أبو بكرٍ الباقلّاني رحمه الله في كتابِهِ “الانتصار للقرآن”.

إذًا عمر بنُ الخطاب قال: “نِعمَ البدعةُ هذه” وفي روايةٍ “نِعمتِ البدعة هذه” وهذا عنْ أيِّ شىء؟ عنْ إحداثِ عملٍ في الدينِ لمْ يقُل الرسولُ افعَلوه. هو فعلَه عمر رضيَ اللهُ عنه ثم قال: “نِعمتِ البدعة هذه”.

فماذا تقولونَ يا وهابية يا مجسمة أوَّلًا في أحاديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ثانيًا ماذا تقولون في عمر رضيَ الله عنه؟ ثالثًا ماذا تقولونَ في الإمام الشافعي رضي الله عنه؟ رابعًا ماذا تقولونَ في إجماعِ الأمةِ الإسلاميةِ التي لا تُجمِع على ضلالة؟ لا تجمع على باطل. إذًا الرسولُ صلى الله عليه وسلم هو قال: “مَنْ عمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ”. بهذا الشرط أنْ يكونَ مُخالِفًا لِما عليه الكتاب أو السنة أو الإجماع أو الأثر أو السواد الأعظم وإجماع الأمةِ الإسلامية.

الرسولُ صلى الله عليه وسلّم هو قال هناك بدعة حسنة وبدعة سيّئة. وأما هذا الحديث: “وكلُّ بدعةٍ ضلالة” فهذا عنِ البدعةِ المُخالِفةِ للدين، البدعِ المُحرَّمة المُنكَرة هيَ التي عَناها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوْلِهِ: “وكلُّ بدعةٍ ضلالة”.

فإذًا البدعة الضلالة هي أنتم والعقيدة التي جئتُمْ بها منَ التشبيه والتجسيم وتكفيرِ المُتوسِّلين وتكفيرِ المُتبَرِّكين وتكفيرِ الذين يشُدُّونَ الرِّحال بقصْدِ زيارةِ قبرِ النبيِّ وتكفيرِ المُتَمَسِّحينَ بالقبرِ الشريفِ وتكفيرِ المُتمَسِّحينَ بقبورِ الأنبياءِ والأولياء، وتكفيرِ الذين يحتفِلون بالمولد، هذه العقائد بدعة مُخالِفة للقرآن مُخالِفة للسنّة مخالفة للإجماع، مخالفة للقياس. 

فإذًا ما جئتُمْ به، مذهبُكُمْ، العقائد التي أنتمْ أحْدَثْتُموها هي البدعة الضلالة الداخلة تحت هذا الحديث الذي هو شاهدٌ عليكم لا لكم.

هذه الأحاديث التي أوْرَدْناها: “مَنْ سنَّ في الإسلامِ سنّةً حسَنةً” وحديث: “مَنْ عمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ” هذه الأحاديث تشهدُ لأهلِ السنّة والجماعةِ بوجودِ البدعةِ الحسنة.

وأمّا شدُّ الرِّحالِ بقَصْدِ زيارةِ قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فالرسولُ أذِنَ به، الرسولُ صلى الله عليه وسلم سمحَ به وأَذِنَ به وشجّعَ عليه. أليسَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ زارَ قبري وجَبَتْ لهُ شفاعتي”؟ لماذا لمْ يقلْ مَنْ زارَ قبري بِلا سفر؟ لماذا لمْ يقُلْ لا تزوروا قبري مع السفر؟ لماذا لمْ يقُلْ بغيرِ شدِّ الرِّحال؟ أليسَ قلنا أنَّ علماء أصولِ الفقه قالوا “لا يجوزُ تأخير البيان عنْ وقتِ الحاجة”؟ الرسولُ ماتَ صلى الله عليه وسلم ولمْ يقُلْ إنَّ السفرَ وإنشاء السفر وشدّ الرِّحال بِقَصْدِ زيارةِ قبرِ النبيّ مُحَرَّمٌ مَنْهِيٌّ عنه. الرسولُ ما قالَ هذا، ولا نَهى عنْ ذلك إلى أنْ مات. إذًا الرسولُ لا يسكت ولا يؤخّر البيان عن وقتِ الحاجة إلى أنْ يموت حاشاهُ صلى الله عليه وسلم.

ثمّ إنَّ شدَّ الرِّحال والسفر وإنشاء السفر بقصْدِ زيارةِ قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لهُ أدِلّةٌ كثيرةٌ منها هذا الحديث قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ زارَ قبري” هل قال بِلا سفر؟ ما قال، إذًا اللفظُ عام واللفظُ على ظاهِرِهِ، يعني بِلا سفر لأهلِ المدينةِ ومع السفر للذينَ همْ خارج المدينة، والرسولُ هو قال ذلك. فإنْ قلْتُمْ الحديثُ مكذوب وموضوع ومَطعونٌ فيه قلنا الحديثُ صحَّحَهُ الحافظُ الضّياء المَقدِسيّ في كتابِه “صِحاح الأحاديث” واسمُهُ أيضًا “المختارة” يعني الأحاديث المختارة التي اعتَبَرَها أحاديث صحيحة. هذا الحافظ الضياء المقدسي في هذا الكتاب أوردَ هذا الحديث: “مَنْ زارَ قبري وَجَبَتْ له شفاعتي” وهو سمّاها مختارة والأحاديث الصحيحة. وهذا الحديث أيضًا هنا في كتاب “الفوائد المُنْتَقاة الصحاح أو الحِسان “للقاضي الخِلَعي ذكرَ هذا الحديث فيه أيضًا: “مَنْ زارَ قبري وجبَتْ لهُ شفاعتي” يعني عندَه على شرطِه هو صحيح أو حسن.

والحافظ سعيدُ بنُ السَّكَن كذلك في سننِه وهو اشترطَ أنْ لا يذكُرَ في هذا الكتاب إلا الصحيح، وفي هذا الكتاب ذكرَ حديث الزيارة. ثم هناك دليلٌ رابع وهو الحافظُ السُّبكيُّ المشهور علمًا وحِفظًا وفِقْهًا وصِيتُهُ ملأَ الدنيا في كتابِه “شفاء السَّقام في زيارةِ خيرِ الأنامِ” صلى الله عليه وسلم، أو – يعني الكتاب له اسمٌ آخَر – “شنُّ الغارةِ على مَنْ أنْكَرَ سنّيةَ الزيارة”. في هذا الكتاب هذا الحافظ السبكي اعتبرَ حديث: “مَنْ زارَ قبري وجبَتْ له شفاعتي” يرْتَقي إلى مرتبةِ الحسَن، لماذا؟ قال له شواهد وروايات تَعْضُدُهُ فيَتَقَوَّى بعضُها ببعضٍ ورُواة هذا الحديث ليس فيهم متَّهَمٌ بالكذب وأوْرَدَهُ للعملِ به، وكتابُهُ مطبوعٌ وموجودٌ في الأسواق. هذا في إثباتِ أنهُ صحيحٌ أو حسنٌ وهؤلاءِ حفّاظ. أمّا أنتمْ لوْ جُمِعْتُمْ منْ كلِّ الدنيا وعُصِرْتُمْ عصْرًا ليس فيكم حافظٌ واحد، والتصحيحُ والتضعيفُ وظيفة الحُفّاظِ وليس العامّة والجَهَلة. إذا كان الشيخ العاديّ والفقيهُ العاديّ والمُحَدِّثُ العاديّ والمُفسِّرُ العاديّ والقاضي العاديّ والمفتي العاديّ الذي لمْ يصلْ إلى مرتبةِ الحفظ لا يُصحِّح ويُضَعِّف، إذًا هي مرتبة خاصة بالحُفّاظِ.

قال الحافظُ الفقيهُ اللغَويُّ النَّحْويُّ المُفسِّرُ السيوطي الشافعي المصري رحمَهُ الله جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي ماذا قال في ألفيّتِهِ في بيانِ كيف نعرفُ الحديثَ الصحيحَ؟ قال:

وخذْهُ حيثُ حافظٌ عليه نصّ    

أو مِنْ مُصَنَّفٍ بِجَمْعِهِ يُخَصّ

يعني تقول هذا حديثٌ صحيحٌ إذا نصَّ حافظٌ منَ الحُفّاظِ على صحّتِهِ، كالحافظِ الطبراني مثلًا في كتابِهِ “المُعجَم الصغير” باللفظِ نصَّ على تصحيحِ حديثِ عثمان بن حُنَيف الذي هو حديثُ الأعمى والذي فيه التوسّل، قال: “والحديثُ صحيح” نصَّ عليه نصًّا. هذا طريقٌ من الطرقِ لتقولَ الحديث صحيح. وطريقٌ آخَر، ماذا قال السيوطي؟ “أو مِنْ مُصَنَّفٍ بِجَمْعِهِ يُخَص” كالذي ذكرْتُهُ لكم الآن الحافظُ  ضياءُ الدين المقدسي، (الضياءُ المقدسيّ) في هذا الكتاب “صِحاح الأحاديثِ” يعني الأحاديث الصحيحة عندَه عشر مُجَلَّدات يقول إنّ هذه الأحاديث هو انْتَقاها وعلى حسبِ شرطِه هيَ صحيحة، يعني هو يكونُ صحّحَ هذا الحديث.

وهذا الحافظ سعيدُ بنُ السَّكَن أيضًا أورَدَهُ في كتابِه والتَزَمَ ألّا يذكر فيه إلا الصحيح. والحافظ السبكيّ حسَّنَهُ وهذا القاضي الخِلَعي قال إنه – بحسَبِ العنوان – صحيحٌ أو حسَنٌ.

ماذا تريدونَ بعدَ هذا؟؟ فإنْ قلْتُمْ: “ضعيف”، قلنا: قال جمهورُ علماءِ المُصطلَح كما بيّنَ الإمام الحافظ ابن الصلاح رحمةُ الله عليه ورضيَ اللهُ عنه إنَّ جمهورَ علماء المُصطلَح يقولون يجوزُ رواية الحديث الضعيف في فضائل الأعمالِ ممّا لهُ أصلٌ في الشرع. إذًا انتبهوا، الحافظُ البيهقي، الإمامُ الحافظُ الفقيهُ الذي ملأَ الدنيا علمًا وفِقهًا وحِفْظًا وحديثًا رضيَ الله عنه ماذا يقول الإمامُ الحافظُ البيهقي أبو بكر أحمد ابن الحسين: “يجوز رواية الحديث الضعيف في الفضائلِ والمَغازي والسِّيَر والتواريخ والتفسيرِ”.

والإمام أحمد ابن حنبل إمام السنة رحمه الله ورضي عنه، مَنْ تَنْتَسِبونَ إليه وهو منكمْ بَراء أيها المشبهة. أحمد نفسُهُ قال: “كنّا إذا رَوَيْنا الحديثَ في الفضائلِ تساهَلْنا وإذا روَيْناه في العقائدِ والأحكام تشَدَّدْنا” هذا رواه السيوطي عن الإمام أحمد.

ماذا تريدونَ بعد ذلك؟ يعني عند جمهورِ علماءِ المصطلح وهذه نصوص لبعضِهِم ذكَرْتُها يجوزُ رواية الحديث الضعيف والعمل بالحديثِ الضعيف في الفضائل لِما له أصلٌ في الدين. فإذًا السفر بقصْدِ زيارة قبرِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مُؤَيَّدٌ بهذه النُّصوص.

ثمّ إليكم هذا الحديث الذي اعترفَ زُعَماؤُكم الأوائل بصِحَّتِهِ، ما هو؟ قال صلى الله عليه وسلم في ما رواه الحاكمُ في المُستدرَك على الصحيحيْن – يعني لأبي عبدِ اللهِ الحاكمِ النّيْسابوري ماذا قال؟ ماذا روى؟ قال صلى الله عليه وسلم: “لَيُوشِكَنَّ أنْ ينزِلَ فيكم عيسى بنُ مريمَ حكَمًا مُقْسِطًا ولَيَسْلُكَنَّ فجًّا حاجًّا أو مُعْتَمِرًا ولَيَأتِيَنَّ قبري حتى يُسَلِّمَ عليَّ ولَأَرُدَّنَّ عليه” الحديثُ صحيح، وزعمَاؤُكم صحَّحوهُ أيضًا. اسمعوا معي الآن أيها المشبهة يا مَنْ تُكَفِّرونَ المُتوَسِّلين والمتبَرِّكين والمسُتَغيثين والذين يُنْشِئونَ السفرَ مع شدِّ الرِّحال والذين يسافرونَ السفرَ الطويلَ بِقَصْدِ زيارةِ قبرِ النبيِّ للتبرُّكِ والتوسُّل وأنتم تُكَفِّرونَهم وتقولون سفرُ معصية لا تُجمَعُ فيه الصلاةُ ولا تُقْصَرُ على زعمِكمْ. والعياذُ باللهِ تعالى تجرّأَ الحرّاني الذي هو إمامُكُم الأول على ذلك في كتابِهِ “الفتاوى” – هذا غير مجموعِ الفتاوى، هذا كتابٌ آخَر – يقولُ سفرُ معصية والعياذُ باللهِ، إنشاءُ السفرِ بقصدِ زيارةِ النبيِّ يقولُ عنه معصية ولا تُجْمَعُ فيه الصلاةُ ولا تُقصَر والعياذُ بالله. وخَسِىْ وخابَ وخسِرَ مَنْ قالَ ذلك أو يقولُهُ والعياذُ باللهِ.

وانظروا الآنَ معي دليل آخر، عيسى نبيّ، عيسى رسول صلى الله عليه وسلم بعدَما ينزل منَ السماء يذهب إلى الحجِّ أو العمرة. وانتبهوا معي، يُنهي هذا العمل الشريف الحجّ أو العمرة ثمّ يُنْشِئُ سفرًا طويلًا بإجماعِ الأمةِ، منْ مكةَ إلى المدينة سفر طويل يعني بالكيلومترات قريب أربعمائة وخمسة وسبعون كيلومتر تقريبًا، قد يكون أقل بقليل أو أكثر بقليل. نبيّ رسول يُنْشِئُ سفرًا طويلًا ليس للحجّ ولا للعمرة، بلْ قال صلى الله عليه وسلم: “ولَيَأتِيَنَّ قبري”. فإنْ زعمْتُمْ أنّ هذا للحجِّ أو العمرةِ قِيلَ لكم هل يوجَد شىء منْ أركانِ الحجّ والعمرة تتوقّف صحَّتُهُ على المدينة؟ لا، إذًا لماذا قال الرسولُ “ولَيَأتِيَنَّ قبري”؟ عليهما الصلاةُ والسلام، أجيبوا بماذا تحكمونَ على نبيِّ اللهِ عيسى المسيح؟؟ إنشاء سفر، وطويل، لا للحجِّ ولا للعمرة، ولا للجهاد إلا لزيارةِ قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم المُشرّف المُكَرَّم المُعَظَّم المُبارَك المُقَدَّس الجليل الأعطر الأزهر الأنور صلى الله عليه وسلم.

ذلك القبر الشريف الذي حَوى جسدَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وقدْ نقلَ بعضُ العلماءِ أنَّ تلكَ البُقعةَ الشريفة الزكية الطاهرة أفضلُ عندَ اللهِ منَ العرشِ المَجيد وبالإجماع، لماذا؟ لأنَّ جسدَ الرسولِ فيه.

إذًا أجيبوا ماذا تقولونَ في عيسى المسيح عليه الصلاةُ والسلامُ؟ هذا إنشاءُ سفر ويكونُ سفرًا طويلًا لزيارةِ القبرِ. فإذا قلتُمْ هو يريدُ المسجد، يسافر بقصدِ المسجد يسافر بقصدِ صلاةِ ركعتين في المسجد، أسألُكُمْ هذا السؤال: هل تظنون بمئاتِ الملايين من المسلمين منْ زمنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإلى اليومِ يسافرونَ منْ كلِّ بقاعِ وأسقاعِ الأرض إلى المدينة لأجلِ زيارةِ المسجد أمْ لأجلِ زيارةِ قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ ومع زيارةِ القبرِ يزورونَ المسجد.

إذا قلتُمْ المسجد نقول لكم المُضاعَفة في مسجدِ مكة أكثر وأعلى وأكبر منَ المُضاعفة في مسجدِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في المدينة، فكان اقْتصرَ سفرُهُمْ إلى مكة لوْ كان كما تَزْعُمون.

فواللهِ أيها المجسمة المشبهة لوْلا أنّهُ صلى الله عليه وسلم في المدينة وفي مسجدِهِ الشريفِ الأعطرِ الأزهر، لوْلا أنّهُ دُفِنَ هناك صلى الله عليه وسلم، لوْلا أنَّ قبْرَهُ الشريف الأعطر هناك وطابت المدينة بوجودِهِ فيها وتعطَّرَت المدينة وتنوَّرَت المدينة وطابَ هواؤُها بأنْفاسِ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم لَبَقِيتُمْ في تلكَ الصحراءِ القاحلة تجُرُّكم الكلاب إلى الصّحارى، لولا أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم في تلكَ الأرض لَما عُرِفَتْ ولَما شُهِرَتْ ولَما ازْدَهَرَتْ ولَما قصَدَها الناسُ منْ كلِّ بِقاعِ الأرض. إنّما بمحمد ولأجلِ محمد صلى الله عليه وسلم عُرِفَتْ واشْتُهِرَتْ وطابَتْ وتنوَّرَتْ وجاءَها الناسُ الأصِحّاءُ والمَرضى الكبارُ والصغارُ الأغنياءُ والفقراءُ، حتى العجائز حتى المَكاسير حتى المشلول والمَفلوج والأعمى يذهبونَ لأجلِ محمد صلى الله عليه وسلم. هو قال: “مَنْ زارَ قبري وجَبَتْ له شفاعتي” أنتم ماذا تريدون؟ أنتمْ حُرِمْتُمْ هذا الخير وحُرِمْتُمْ هذه البرَكة، أنتم ماذا تريدون؟ هو صلى الله عليه وسلم شجّعَ الناسَ على زيارتِهِ بعدَ وفاتِهِ، شجّعَ الناسَ على أنْ يأتوا إلى قبرِهِ بعدَ موتِهِ لأنّهُ صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ حجَّ فزارَني بعدَ مماتي كان كَمَنْ زارني في حياتي”. يعني في أصلِ حصولِ الزيارة وليس في مرْتَبةِ الصُّحبة، يعني لا يصيرُ صحابيًّا لا، إنما يتكلم عنْ أصلِ الزيارة لأنّه حيٌّ في قبرِهِ ويَنْفَع في قبرِه ويسمع سلامَ المُسَلِّمينَ عليه وهو في قبرِهِ الشريف، صلى الله عليه وسلم. أليس روى الحافظُ السَّخاويُّ أنه صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صلّى عليَّ عندَ قبري سَمِعْتُهُ ومَنْ صلّى عليَّ نائيًا بُلِّغْتُهُ”؟ الملائكة تُخْبِرُهُ تقول فلانٌ منْ أمّتِكَ صلّى وسلم عليك يا رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، فيَرُدّ عليه السلام وهو في قبرِهِ الشريف. 

أليسَ الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: “حياتي خيرٌ لكمْ ومماتي خيرٌ لكم في حياتي تُحْدِثونَ ويُحْدَثُ لكم فإذا أنا متُّ عُرِضَتْ عليَّ أعمالُكُمْ فما كان منْ خيرٍ حَمِدْتُ اللهَ وما كان غيرَ ذلك اسْتَغْفَرْتُ لكم”. هذا رواه الطبراني في المُعجَمِ الكبير، يعني وهو في قبرِهِ ينفع، يعني الزائر ينتفع والرسولُ يستغفر لأمَّتِهِ صلى الله عليه وسلم وهو في قبرِهِ الشريف، يعني لهُ نفْعٌ بعدَ موْتِهِ وهو حيٌّ في قبرِهِ. أليسَ روى أبو داود في سننِه أنه صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ اللهَ تعالى حرَّمَ على الأرضِ أنْ تأكلَ أجسادَ الأنبياء”؟ إذا كان النبيُّ من الأنبياء قدْ ماتَ ودُفِنَ ثمّ بعدَ ألافِ السنين انْهَدمَ قبرُه الشريف جسَدُهُ يظهرُ كما هو لا يَبْلَى حاشى لا يُنْتِنُ حاشى، لا يتغيّر حاشى، لماذا؟ لأنَّ اللهَ عزّ وجلَّ منعَ الأرض أنْ تأكلَ أجسادَ الأنبياء. “إنَّ اللهَ حرَّمَ على الأرضِ أنْ تأكلَ أجسادَ الأنبياء”. هذا في سننِ أبي داود. وروى الحافظُ البيهقيُّ في جزءِ حياةِ الأنبياءِ قال صلى الله عليه وسلم: “الأنبياءُ أحياءٌ في قبورِهمْ يصَلّون” يُصلّونَ تلَذُّذًا، يتلَذّذونَ لأنهم هم خرجوا منْ دارِ التكليف فهم في عالَمِ البرزخِ يتلذَّذونَ بالصلاة وهذا رواهُ البيهقيُّ وغيرُه. ثمّ الحافظُ النَّسائيُّ ماذا روى عن ليلةِ الإسراءِ والمعراج؟ قال صلى الله عليه وسلم: “حتى جُمِعَ ليَ الأنبياءُ فقَدَّمَني جبريلُ فأمَمْتُهُمْ” يعني خرجوا منْ قبورِهم، يعني لهم نفع، يعني لهم فائدة وهذا بِلا شك ولا ريْب أنّهم بعدَ وفاتِهِمْ يَنْفَعون. خرجوا منْ قبورِهمْ وجاءوا إلى المسجدِ الأقصى فصلّى بهم صلى الله عليه وسلم إمامًا. وهذا يدلُّ أنهم على دينٍ واحدٍ هو الإسلام لأنهم لو كما قالَ بعضُ الكفَرة على أديانٍ مُختلفة منْ يهوديةٍ وبوذيةٍ وشِركيةٍ وغيرِ ذلك كما يقولُ بعضُ الملاحدة والكفَرة، وحاشى، لو كانوا هكذا كيفَ صلّى بهم إمامًا؟ كيف صلَّوْا وراءَهُ؟ كيفَ اقْتَدَوا به؟ إنّما فعلوا ذلك لأنّهمْ على دينٍ واحدٍ هو الإسلام، لأنهم على التوحيدِ على العقيدةِ الواحدة. اللهُ ماذا قال في القرآنِ؟ {ومآ أرسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ من رسولٍ إلّا نُوحِي إليه أنّهُ لَا إلهَ إلا أنا فاعبُدون} [سورة الأنبياء].

إذًا كلُّ الأنبياءِ على عقيدةٍ واحدةٍ، اللهُ واحدٌ لا شريكَ له موجودٌ بِلا بداية باقٍ بلا نهاية ليس جسمًا ليس جسدًا ليس شكلًا ليس حجمًا ليس صورةً ليسَ كميّةً، منَزَّهٌ عنِ الطولِ والعَرضِ والعُمقِ والسَّمكِ والأدواتِ والجوارحِ والأعضاءِ والتركيبِ والإحساسِ واللذةِ والألم والتغيُّرِ، منزَّهٌ عنِ القُعودِ والجلوسِ لا يسكنُ السماء ولا الفضاء ولا العرش، لا هو في مكانٍ واحدٍ ولا في كلِّ الأماكن، موجودٌ أزلًا وأبدًا بِلا جهةٍ ولا مكانٍ. لا شبيهَ له ولا مثيل لا يتغيّر، قدرتُهُ قدرةٌ واحدة علمُهُ علمٌ واحدٌ كلامُهُ كلامٌ واحدٌ، ليس بحرفٍ ولا صوتٍ ولا لغة، لا مُبتَدَأٍ ولا مُخْتَتَمٍ بِلا فم ولا لسان ولا أسنان ولا أضراس، ولا اصتكاكِ أجرام ولا مخارِج حروف ولا انْسِلال هواء، لا يشبِهُ كلامَ الإنسِ والجنّ والملائكة، اللهُ تعالى لا شبيه له، كلامُ اللهِ ليس ككلامِ المخلوقين. 

كذا صفاتُ اللهِ ليست كصفاتِ خلقِهِ، فاللهُ لا شبيهَ لهُ وأنّ كلَّ ما دخلَ في هذا الكونِ والعالَمِ هو بخلقِ اللهِ وقضائهِ وقدرِهِ ومشيئتِهِ، وأنَّ الإنسَ والجنَّ والملائكة والبهائمَ لا يخلقونَ شيئًا منْ أعمالِهِم لا الاختيارية ولا الاضطرارية، بلْ كلُّ ذلك بخلقِ اللهِ. {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء} وأنَّ الأنبياءَ منْ آدمَ إلى محمدٍ على الإسلامِ عليهم الصلاةُ والسلامُ, وأنَّ الأنبياءَ منْ آدمَ إلى محمد عليهم الصلاة والسلام عصَمَهُمُ اللهُ منَ الكفرِ وكبائرِ الذنوبِ وصغائرِ الخِسّةِ  قبلَ النُّبُوّةِ وبعدَها، النظرة المُحرَّمة مستحيلةٌ عليهم، الكلمة البذيئة مستحيلةٌ عليهم، سرقة حبة عنب أو أكبر أو أصغر منْ ذلك لا يحصُلُ منهم لأنَّ اللهَ تعالى قال في يوسُف: {كذلك لِنَصرِفَ عنه السوءَ والفَحْشآءَ}. النصّ في يوسف والحكم والمعنى لكلِّ الأنبياء، اللهُ تعالى صانَهُمْ وحَفِظَهُمْ وعصَمَهم. إذًا كلُّ الأنبياءِ دينُهم الإسلام فما يُنسَب إلى إبراهيم منْ أنه كانَ على دينٍ غيرِ الإسلام يُقالُ له الدينُ الإبراهيميُّ فهذا تكذيبٌ لربِّ العالمين، لأنَّ اللهَ قال عنْ إبراهيم: {حنيفًأ مسلمًا وما كان منَ المشركين}. كلّ الأنبياءِ دينُهم الإسلام لأنَّ اللهَ قال {إنَّ الدينَ عندَ اللهِ الإسلام} كيف صلَّوْا وراءَه؟ كيفَ صلّى بهم إمامًا؟ لأنهم على عقيدةٍ واحدة.

ثم هل أنا كمسلم وهل أنت كمُسلم هل يجوزُ لك أو لي أنْ نصلّيَ خلفَ كافر؟ لا يجوزُ ولا يصِحّ ولا تنعقد ولا تُقبَل، بل مَنْ قالَ إنّها تصِحّ يكفر. فكيفَ بالأنبياءِ إذا كانوا على عقائد مُتبايِنة مُختلفة يُكَفِّرُ بعضُهم بعضًا – وهذا مستحيل وحاشى – لو كانوا كذلك هل يصلّونَ جماعةً خلفَ واحدٍ؟ لا. إذًا صلَّوا جماعة مع بعضِهِم خلفَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم لأنهم على دينٍ واحدٍ هو الإسلام على عقيدة واحدة وخلفَ محمد، لماذا؟ لأنهُ أفضلُ الأنبياءِ والمرسلين على الإطلاقِ، بل أفضل خلقِ اللهِ على الإطلاق صلى الله عليه وسلم. الأنبياءُ خرجوا منْ قبورِهِمْ وجاءوا وصَلَّوا واستقبلَهم الرسول هناك ورآهم وعددًا منهم طلعوا إلى السماوات واستقبلوا الرسولَ مرةً ثانية هناك زيادةً في تشريفِهِ وتكريمِه، هو صلى الله عليه وسلم كما في حديثِ السيوطي أنهُ قال: “ودعا كلٌّ منهم لي بخير ورحَّبَ بي” يعني هذا نفعٌ. وإبراهيم قال له: “مُرْ أمّتَكَ فلْيُكْثِروا مِنْ غِراسِ الجنةِ غِراسُها سبحانَ اللهِ والحمدُ لله ولا إله إلا الله واللهُ أكبر” وفي روايةٍ: “ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله” يعني لهم نفع. وموسى عليه الصلاة والسلام وعلى نبيِّنا وعلى كلِّ الأنبياء قال لهم: “سَلْ ربَّكَ التخْفيفَ” فنزَلتْ فرضيّةَ الصلاةِ منْ خمسين إلى خمسة بسببِ موسى عليه الصلاة والسلام وعلى نبيِّنا وعلى كلِّ الأنبياء، يعني موسى نفعَ كلّ هذه الأمة المحمدية بعدَ موتِه بزمنٍ بعيدٍ وطويلٍ. يعني الأنبياء ينفعون يعني لهم تصرُّفٌ ونفعٌ بعدَ موْتِهِمْ عليهم الصلاة والسلام. هذا حديثُ النَّسائي قال صلى الله عليه وسلم: “حتى جُمِعَ ليَ الأنبياءُ فقدَّمَني جبريلُ فأمَمْتُهم” وهذا في صحيحِ مسلم. قال صلى الله عليه وسلم: “مررْتُ ليلةَ أُسريَ بي على قبر أخي موسى عند الكثيبِ الأحمرِ فإذا هو قائمٌ في قبرِهِ يصلي”. هم أحياءٌ في قبورِهم ويصلّون ولهم نفع، إذًا الرسولُ حيٌّ في قبرِه. إذا كان هذا للأنبياء فكيفَ بسيِّدِهمْ؟ صلى الله عليه وعليهم وسلم، إذا كان هذا للأنبياءِ فكيفَ بإمامِهم؟ عليه وعليهم الصلاة والسلام. الرسولُ حيٌّ في قبرِهِ ينفَعُ في قبرِهِ، هو قال: “فإذا متُّ عُرِضَتْ عليَّ أعمالُكُمْ فما كانَ منْ خيرٍ حمِدْتُ اللهَ وما كانَ غيرَ ذلك اسْتَغْفَرْتُ لكم”.

والدليل على أنَّ الزيارة تنفع أنهُ هو قال: “ومماتي خيرٌ لكم”. كيفَ يكونُ موتُه فيه خيرٌ لنا؟ لأنهُ بعدَ موْتِهِ ينْفَعنا يستغفر لأمّتِهِ هو أحنّ على أمّتِهِ منْ أمَّتِهِ على نفسِها، هو أحنّ علينا منْ أمّهاتِنا وآبائِنا صلى الله عليه وسلم. فإذًا الرسولُ صلى الله عليه وسلم هو قال: “مَنْ صلّى عليَّ عندَ قبري سمِعْتُهُ – يعني يسمعُهُ فيردّ عليه السلام – ومَنْ صلّى عليّ نائيًا بُلِّغْتُه”. يعني الملَك يُخْبِرُهُ، يأتي إليه الملَك فيقول له فلانٌ منْ أمّتِكَ يُسَمِّيهِ، أنتم الآن كلُّكُمْ اشتغلوا بالصلاةِ على رسولِ الله الملَك ينقلُ هذا إلى رسولِ الله في قبْرِه الشريفِ الأزهر الأعطر الأنور صلى الله عليه وسلم وزادَهُ اللهُ شرفًا وكرمًا ومَهابةً وقدْرًا. هو عليه الصلاة والسلام شجّعَنا على زيارةِ قبرِهِ.

فإذا قال المشبهةُ المجسمة هو الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال: “لا تُشَدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثةِ مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا”، قولوا لهم هل أنتمْ تتكلمونَ الهندية أو الفرنسية أو الإنكليزية أو اليونانية أو غير ذلك من اللغات أمْ تتكلمونَ الحديث باللغةِ العربية؟ أمْ أنّكمْ أعاجِم تقرأونَهُ باللفظِ العربي ولا تفهمونَ ما تقرأون؟

ما معنى لا تُشَدّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد؟ أين ذكرُ القبورِ في هذا الحديث؟ لا يوجَد ذكر للقبور لا بالتصريحِ ولا بالتلميح. أين قال لا تسافروا لزيارةِ قبري؟ أينَ قال لا تسافروا لزيارةِ قبورِ الأنبياء؟ أين قال لا تسافروا لزيارةِ قبورِ الأولياء؟ أين قال ذلك؟ نتحَدّاكمْ منَ الآن إلى أنْ تموتوا أنتم أو نموت نحن أثْبِتوا ذلك على زعمِكمْ في حديثٍ اتّفقَ الحُفّاظُ على أنهُ صحيح، وهذا لنْ تجِدوه لو انتظَرْتُمْ إلى آخِر الدنيا لا تجدونَ حديثًا اتّفقَ الحفّاظُ على صحَّتِهِ أنَّ الرسولَ قال لا تسافروا لزيارةِ قبري، أينَ هذا؟ لا وجودَ له. إذًا منْ أينَ جئتُمْ بهذه الفِرية؟ افتَريتُمْ على اللهِ وافْتَريْتُمْ على رسولِ الله وكفَّرْتُم الأمّة.

أينَ قال الرسولُ لا تسافروا لزيارةِ قبورِ الأنبياءِ؟ ما قال، أنتم عرب؟ نعم عرب لكنْ لا تفهمونَ لغةَ العرب يا مجسمة، أنتمْ أصلًا في العقيدةِ حرَّفْتُمْ فكيفَ في الفروع؟ وكيفَ في اللغةِ العربية؟ أنّى لكمْ أنْ تفهموا لغةَ العرب وقدْ قِسْتُم الأمور على أفعالِ وأقوالِ المشركين فحَمَلْتُموها على المؤمنين. منْ أينَ ستَفْهَمون؟ أينَ قال الرسول لا تزوروا قبري مع السفر؟ ما قال الرسولُ ذلك، كلّ ما في الأمر كلّ ما في هذا الحديثِ الصحيح الذي رواه البخاري لا تسافروا لأجلِ الصلاةِ في مسجدٍ من مساجدِ الدنيا إلا إلى أحدِ هذه المساجدِ الثلاثة، فإذا أردتَ أنْ تسافرَ للصلاةِ في مسجد فقط في هذه الثلاثة، المسجد الحرام في مكة والمسجد الأقصى والمسجد النبوي الشريف في المدينةِ المنوّرة.

ما معنى هذا بعبارةٍ أخرى؟ يعني مَنْ أرادَ أنْ يسافرَ منْ بيروت للصلاةِ في مسجد الهند الكبير كأنهُ صلّى هنا في بيروت في مسجدِ بيروت. مَنْ أرادَ أنْ يسافرَ منَ الرياض لأجلِ أنْ يصلي في مسجدِ فاس الكبير كأنه صلّى في مسجد الرياض. منْ أرادَ أنْ يسافرَ منْ جُدة لأجلِ الصلاةِ في مسجدِ اليابان الكبير كأنه صلى في مسجدِ جُدة. يعني لا مَزِيّةَ للسفرِ في صلاةِ إلى مسجدٍ منْ مساجدِ الدنيا في الأرض إلا إلى هذه المساجدِ الثلاثة. فالمزِية فيها لأنَّ المُضاعفةَ فيها أكبر وأعلى من غيرِها منْ مساجدِ الأرض. هذا معنى الحديث، أينَ فيه لفظًا أو تصريحًا أو تلْمِيحًا لمسئلة القبرِ والقبور؟ عجيبٌ وغريب ما هذا الفَهم؟ بل اسمعوا واحفظوا ماذا قال عنكم الفقيه اللغويّ النحوي الفيروز أبادي في كتابِه “الصِّلاةُ والبِشَرُ في الصلاةِ على خيرِ البشَر” قال: “ومن اسْتَدلَّ بهذا الحديث على منعِ شدِّ الرِّحالِ لزيارةِ القبرِ هذا دليلٌ على قصورِهِ عنْ نيْلِ درجةِ الاسْتِنْباطِ وهو دليلٌ على غباوةِ عقلِهِ” انظروا إلى الكتاب. فإذا أخذْتُمْ هذا عنْ زُعمائكمْ فاعرِفوا مَنْ همْ زعماؤُكم، اعرِفوا ماذا قال عنكم وعنهم الفيروز أبادي. أنا أنقل عن الفيروز أبادي كتابُهُ “الصِّلاةُ والبِشَرُ في الصلاةِ على خيرِ البشر” تعرفونَ ماذا يقول في هذا الكتاب؟ يقول: “السفر بقصدِ زيارةِ قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُجْمَعٌ عليه بعملِ الصحابةِ والأمة وبقوْلِ الصحابةِ والأمة”. يعني بعبارةٍ أخرى يقول والإجماعُ القوليُّ والإجماعُ العمليُّ منْ زمَنِ الصحابةِ على شدِّ الرِّحالِ لزيارةِ قبرِ النبيِّ. لكنْ أنّى لي بإفهامِكم؟

ثم انظروا إلى هذا أيضًا، إذا قلتُمْ لا يسافر لأجلِ القبر كيف يسافر بقصدِ زيارةِ القبر؟ فأقولُ لكم وهذا على زعمِكمْ منْ بابِ التّهَكُّمِ عليكم، على مُقتضى ما تقولون يلْزَمُكُمْ أنْ تمْنَعوا الناس أيضًا من السفرِ إلى الكعبة وإلى المسجدِ الحرامِ، كيف هذا؟ هكذا يفعلُ بعضُ زعمائكم ومشايخِكم؟ أنا سأقولُ لكم كيف هذا. قال علماءُ التأريخ وفقهاءُ الإسلام ومنهم الحافظُ الأزرقي ومنهم أيضًا الطبري فيما ألّفَهُ في تاريخِ مكة: “إنَّ تحتَ حجرِ إسماعيل – حِجر إسماعيل أين؟ تعرفون؟ في مكة في المسجدِ الحرام في مقابل ميزابِ الكعبة – تحت الحِجرِ بِمسافةٍ بعيدةٍ عددٌ منَ الأنبياءِ”، وبعضُهمْ يقول قبر هود عليه السلام هناك، وقبر السيدة هاجر عليها السلام هناك، يعني على زعمِكمْ صارَ السفرُ إلى المسجدِ الحرام في مكة على قولِكُم صارَ ممنوعًا أيضًا، لأنَّ الذي يسافرُ إلى الكعبةِ سيُسافر إلى مسجدٍ فيه قبور.

وماذا تقولون وبماذا تحكمونَ على الطائفين هناك وهم يطوفونَ حول القبورِ وفوقَ القبور؟ تُكَفِّرونَ الحجّاج؟ تُكَفِّرونَ كلَّ الأمةِ منْ عهدِ النبيِّ وإلى الآن؟ حجّوا واعْتَمروا وزاروا وطافوا، ماذا تقولون؟ المسجدُ الحرامِ تحتَهُ قبور لأنبياء والسيدة هاجر.

وماذا تحكمونَ على الناسِ في زيارتِهِم لمسجدِ الخَيْفِ في مِنى أو قربِها؟ أليسَ في المُسْتَدْرَك على الصحيحيْنِ للحاكم وفي غيرِه أنَّ عددًا كبيرًا منَ الأنبياءِ دُفِنوا عندَ مسجدِ الخَيْف؟ وبعضُ المؤرِّخينَ يقول آدم عليه السلام هناك. يعني أنتمْ تُكَفِّرونَ مَنْ يُصَلّونَ في مسجدِ الخَيف وتُكفِّرونَ مَنْ يسافر إلى المسجدِ الحرام؟ إذًا لماذا تَهْجُمونَ على القبرِ النبوي في المدينة؟ لماذا تهجُمونَ على القبر النبويّ الشريف الأزهر الأعطر الأنور في المدينة فتُكَفِّرونَ مَنْ يُنْشِئُ السفر بقصْدِ زيارةِ القبرِ والتبرّك والتوسّل والاسْتغاثة؟ إذًا أنتم البدعةُ الأصلية.

مَنْ عمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ، فعملُ أهلِ السنّة مُوافقٌ لِما عليه الأمة، إنْ كان زيارة القبرِ الشريف إنْ كان التوسل إنْ كان التبرّك إنْ كان الاستغاثة إنْ كان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إنْ كان إحداث الطرق الصحيحة المُوافقة للدين، كلُّ هذا مُوافِقٌ لِما جاءَ في آيةٍ أو حديثٍ صحيحٍ أو إجماعٍ أو قياس أو أثر، والأدلةُ على ذلك كثيرةٌ جدًّا بلْ ألّفَ العلماءُ في ذلك الكتب.

لذلك هذا الحديث ردٌّ عليكم ليس لكم، هذا الحديث مُتَمَسَّكٌ لأهلِ السنّةِ وليس لكم لأنهُ قال: “ليس عليه أمرُنا”، وفي روايةٍ أو في حديثٍ: “مَنْ عمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا”. أمّا ما عليه أهلُ السنّة ما عليه أمرُ الأمة فمن الكتاب الحديثُ والإجماعُ والقياسُ والأثر. هذا معنى بعض هذا الحديث وينبغي أنْ يُفهَمَ لأجلِ أنْ لا يُشَوِّشوا عليكم في أمرِ الزيارةِ ولأجلِ أنْ لا يؤثِّروا عليكم في مسئلةِ البدعةِ الحسَنة والاحتفالِ بالمولدِ النبوي الشريف.

فحَدِيثُ: “مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ”. اهـ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ، وَلِمُسْلِمٍ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهِىَ: “مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ”. اهـ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ وَهُمَا فِى الْمَعْنَى حَدِيثٌ وَاحِدٌ يَشْهَدَانِ لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى تَفْسِيرِ الْبِدْعَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: “مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ”. اهـ لَهُ مَنْطُوقٌ وَمَفْهُومٌ، مَنْطُوقُهُ ذَمُّ مَا أُحْدِثَ فِى هَذَا الدِّينِ مِمَّا هُوَ لَيْسَ مِنْهُ هَذَا مَنْطُوقُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا مَفْهُومُهُ فَهُوَ أَنَّ مَا أُحْدِثَ فِى هَذَا الأَمْرِ أَىْ فِى هَذَا الدِّينِ مِمَّا هُوَ مِنْهُ أَىْ مَا يُوَافِقُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ رَدًّا أَىْ لَيْسَ مَرْدُودًا، هُوَ هَذَا الْحَدِيثُ هَؤُلاءِ الْمَفْتُونُونَ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ رَوَاهُ النَّوَوِىُّ فِى كِتَابِهِ الأَرْبَعِينَ وَمَعَ هَذَا مَا هَدَاهُمُ اللَّهُ لِفَهْمِ مَعْنَاهُ. لَوْ فَهِمُوا مَعْنَاهُ لَعَرَفُوا أَنَّهُ لَيْسَ جَمِيعُ الْمُحْدَثَاتِ مَرْدُودَةً إِنَّمَا الْمَرْدُودُ هُوَ الْمُحْدَثُ عَلَى خِلافِ هَذَا الدِّينِ، إِذًا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَا أُحْدِثَ عَلَى خِلافِ هَذَا الدِّينِ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَأَنَّ مَا أُحْدِثَ عَلَى وِفَاقِهِ فَلَيْسَ بِمَرْدُودٍ.

فإذًا الذين يُضَلِّلونَ أمةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ويُكفِّرونَ أمةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ويُفَسِّقونَ ويُبَدِّعونَ أمةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ليسوا أهلًا للفتوى وليسوا أهلًا للتحليلِ والتحريم وليسوا أهلًا ليُرجَعَ إليهم ولا ليُعمَلَ بقولِهم ولا ليُوقَفَ على رأيِهم. مَنْ ضلّلَ أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم لا يُعَوَّلُ عليه في التحليل والتحريم لا بقضيةِ المولد ولا في التوسل ولا في التبرك ولا في الاستغاثة ولا في شدِّ الرِّحال لزيارةِ قبورِ النبيين والصالحين.

فالقاعدة أنّ القرآنَ والحديثَ مدحَ العلماءَ الأتقياء الذين يُرجَع إليهم، وأنّ مَنْ كفّرَ أمةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وضلّلَها وبدَّعَها وفسّقَها ورماها بالشركِ والكفرِ والضلال ليس أهلًا ليُؤخذَ بقولِه ولا لِيُرجَعَ إلى فَتْواه. منْ هنا نعرف أنّ الآية الكريمة: {اليومَ أكمَلْتُ لكمْ دينَكم وأتْمَمْتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ دينًا} هي دليلٌ لأهلِ السنةِ والجماعة، دليلٌ للسوادِ الأعظمِ، دليلٌ لجمهورِ الأمةِ الإسلاميةِ المحمدية، دليلٌ للأشاعرة والماتريدية وأنهم هم العاملونَ بها والواقفونَ عندَ أحكامِها والذين لمْ يُحرِّفوا معناها ولم يهدِموا ما جاءت به.

فهؤلاء المشبّهة المجسّمة انطلقوا منْ هذه الآية ليقولوا إنّ الدينَ كاملٌ لا نقصَ فيه وعليه فإنّ المُحتفلينَ بالمولد جاءوا بزعمِهم ليُكَمِّلوا الدين، هكذا هم يزعُمون، أرجو أنْ تنتبهوا للمعنى.

أولًا كل مسلم على وجهِ الأرض يقول ويعتقد بأنَّ الدينَ كامل بلا شك ولا ريْب ولا تردّد ولا توقُّف في ذلك، حتى الأميّ حتى العاميّ من المسلمين يقول ويعتقد أنّ الدينَ كامل. وهل يوجد مسلم على وجه الأرض يقول أنّ الدين ناقص وأننا جئنا نُكمِّلُهُ بالاحتفال في المولد؟ لا، لأنّ الذي يقول دين الإسلامِ ناقص ونحنُ جئنا نُكَمِّلُهُ هذا ليس مسلمًا، الذي يقول هذا كافر لأنه لا يُعجبُه الدين ويرى الدينَ ناقصًا على زعمِهِ وأنه هو يستدرك على الله وجاء ليُكمِّلَ الدين وأنه أفهم منْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأعلم منْ كلِّ الصحابة وأفهم منْ كلِّ الأمة وأنّ الإجماعَ المُنعقِد على كمالِ الدين لا يُعجبُه، كلّ واحدة من هذه مَنْ كذّبَها كافر فكيف إذا اجتمعَتْ في واحد؟ لا أحدَ منْ أهلِ السنة يقول بأنّ الدينَ ناقص وجئنا لنُكمِلَه، هم يقولون هذا لأنّنا نحتفل بالمولد يعني الدين لا يُعجبُنا بزعمِهم ويعني أنّ الدينَ ناقص وجئنا لنُكمِلَه، هذا على رأيهِم على قولِهم.

يقول الضال ابن عبد الوهاب: “وكذلك مشايخي ما منهم منْ رجلٍ عرَف ذلك، فمَنْ زعمَ منْ علماءِ العارض – وهي منطقة – أنه عرف معنى لا إله إلا الله أو عرَف معنى الإسلام قبل هذا الوقت أو زعمَ أنّ مشايخَه أنّ أحدًا عرفَ ذلك فقد كذَبَ وافترى”. فمن الذي يقول الدين ناقص وجئنا لنُكملَه؟ مشايخهم وأفرادهم.

ثم إن شيخَهم ابن عبد الوهاب يُكفّر مَنْ يحضُر الاحتفال بالمولد ويأكل الطعام الذي في المولد ففي الرسالة الرابعة والثلاثون لمحمد بن عبد الوهاب أرسلها إلى سليمان بن سحيم يقول له: “إنك تقول إني أعرفُ التوحيد وتُقرّ أنّ مَنْ جعلَ الصالحينَ وسائطَ فهو كافر والناسُ يشهدونَ عليك أنك تروح إلى المولد وتقرأُهُ لهم وتحضُرُهم… وتأكل لُقَمًا من الطعام المُهيّأ لذلك فإذا كنت تعرف أنّ هذا كفر فكيف تروح لهم وتُعاونُهم عليه وتحضُرُ كفرَهم”. 

وإليكم الآن الفضيحة ما قالَه أحد دعاتِهم وعنده موقع على النت وهو الجاسم قراءات في تاريخ الدعوة السلفية النجدية الحلقة السادسة يقول: “الأصناف التي نصّ الإمام محمد بن عبد الوهاب على كفرِها … إلى أنْ قال “الصنف الخامس مَنْ حضرَ مجالسَ الشركِ مِنْ غيرِ إنكارٍ قال في رسالتِه لسليمان بن سحيم إنك تقول إنك تعرف التوحيد ..” ثم ساق النص الذي أوردناه لكم.

هذا الشيخ الإمام عندهم المشبه المجسم يقول إنّ محمد بن عبد الوهاب اعتبرَ الأصناف التي نصَّ على كفرِها “مَنْ حضرَ مجالسِ الشركِ منْ غيرِ نكير”، فهو هنا لم يشترط أن يحضُرَ ويقول التوسل والاستغاثة بل فقط نصّ على الحضورِ مِنْ غيرِ نكير وجعله شركًا. ثم هم يقولون أيضًا أنتم تسْتحسنونَ الاحتفال بالمولد وهو بدعة محرّمة ضلالة منكَرة وهي في النار، وهذا كتاب إمامُهم الأول الحراني المسمى اقتضاء الصراط المستقيم دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت وهذه طبعة قديمة جدًّا في صحيفة 297 قال: “فتعظيمُ المولد واتّخاذُه موسِمًا قد يفعلُهُ بعضُ الناس ويكونُ له فيه أجرٌ عظيم لحُسنِ قصدِهِ” وهل المنكر والباطل والحرام والضلالة إذا عملته وقصدك حَسنٌ تصير حلالًا تصيرُ مُثابًا مأجورًا والضلالةُ تنقلبُ هدى بزعمِهم؟

فليُجيبوا عنْ قولِ شيخِهم إمامِهم قدوتهم قال: “ويكون له فيه أجرٌ عظيم لحسنِ قصدِه وتعظيمِه لرسولِ الله صلى الله عليه وآلِهِ وسلَّم”. وعندما تقرأ له هذا الكلام من كتاب ابن تيمية يقول لكم المشبه المجسم هو قال إنه بدعة، وهذه فضيحة أكبر، إذا كان هو قال بدعة وعاد وقال أجرٌ عظيم ولحسنِ قصدِه هذا تناقض أم لا؟ لأَّنّ البدعةَ عندَه ضلال دائمًا، إذا كان هو قال عنها بدعة ضلالة ثم قال يكون له فيها أجر عظيم لحسنِ قصدِه هذا تناقض وتعارض وتضارب، إذًا من الذي يعتبر الدين ناقصًا وجاء هو يكمِلُه على زعمِهم؟ هم وليس أهلَ السنةِ والجماعة.

ما هذه التناقضات كلها والعجائب والغرائب؟ يعني هم جاءوا بدينٍ مُتناقض واعتقدوه الإسلام وأنّ الإسلامَ كان ناقصًا وأنهم هم جاءوا يكَمِّلوا الإسلام بشهادتِهم على بعضِهم البعض. أما أهلُ السنةِ والجماعة لا يقولون الدين ناقص ولا يقولون جئنا لنُكمِلَ الدين ولا يقولون قبلَنا ما كان يوجد أحد على وجه الأرض يعرف معنى لا إله إلا الله ويعرف الإسلام، أما هم قالوا وصرّحوا. أهلُ السنة لا يقولون الضلالة والمنكر والباطل والحرام يصيرُ حلالًا وفيه أجرٌ عظيمٌ لحُسنِ المقصد.

وهذا إمامٌ منْ أئمَّتِهم الذهبي عنده كتاب العرش الملِىء بالتشبيه والتجسيم ونسبة القعود والجلوس والحركة والسكون والانتقال والتغيّر إلى الله، هذا الذهبي في سيَر أعلام النبَلاء في المجلد 14 تلميذ ابن تيمية شيخهم وإمامهم ومرجِعهم وحبيبهم عن منْ يتكلم؟ يتكلم عن أهلِ السنة وعن ملِك منْ ملوكِهم الذين احتفلوا ويحتفلون بالمولد وأظهروا الفرحةَ والبهجةَ والأنس والسرور وغير ذلك.

في صحيفة 49 في المجلد 14 يقول: “صاحب أربل” مَنْ صاحب إربل؟ الملِك المظفر، من الملك المظفر؟ أول مَنْ أعلنَ الاحتفال بالمولد على مستوى دولة على مستوى سلاطين وملوك وأمراء وقادة وزعماء ومفاتي وحفّاظ وأئمة ومحدِّثين وأولياء وصوفية وعامة الأمة وعامة المسلمين. لماذا إمامهم الذهبي يقول عن الملك المظفر سلطان الدين؟ هو ما اسمُه سلطان الدين لكنْ هو لقّبَه بهذا وهذا مدح، الملِك المعظّم، وهذا مدحٌ آخر، ومظفّر الدين، مدحٌ ثالث، وهكذا…. أبو سعيد كذا كذا… التركماني صاحب إربل وابنُ صاحبِها والملِك زين الدين، يتكلم عن نسبه وعن اسمِه وعن ألقابِه، إلى أنْ يقول: “كان شهمًا شجاعًا مَهيبًا..”.

إلى أنْ يصل في ترجمتِه فيقول الذهبي: “وأما احتفالُه بالمولد فيَقصُر التعبير عنه كان الخَلقُ يقصِدونَه من العراق والجزيرة..” إلى أنْ يقول ماذا كان يذبح وماذا كان يوزّع وماذا كان يُطعِم وماذا كان يقدّم ألوان وأشكال وآلاف، قال: “ويعمل ذلك أيامًا ويُخرج من البقر والإبل والغنم شيئًا كثيرًا فتُنحَر وتُطبَخُ الألوان ويعمل عدّةَ خِلَعٍ للصوفية ويتكلم الوعّاظُ في الميادين فيُنفقُ أموالًا جزيلةً وقد جمعَ له ابنُ دِحية كتاب المولد فأعطاه ألفَ دينار وكان مُتواضًعا خيِّرًا سنيًّا” وهم يقولون بدعة ضلالة منكر وحرام ولا يجوز وفي النار!!! هذا إمامكم يمدح كل هذا المدح العظيم لمَنْ أعلنَ الاحتفال بالمولد، فليُعطوننا حكمَهم بإمامِهم الذهبي لأنّه مدحَ كلّ هذا المدح العظيم فيمَن احتفل في المولد الشريف.

كذلك إمام ثانٍ منْ أئمتِهم هو تلميذ إمامِهم، ابن كثير، تلميذ ابن تيمية، يقول في البداية والنهاية بالجزء 13/14 من مجلد واحد في صحيفة 139 يقول: الملِك المظفر “وكان مُحاصرًا عكا إلى هذه السنة محمودَ السيرة والسريرة” فإذا كان شخص ينشر البدعة والضلالة والفسق والفجور بزعمِهم والتوسل والتبرك والاحتفال بالمولد يقول عنه إمامهم ابن كثير: “كان محمودَ السيرة والسريرة” يمدحه، وهو أول من عمِل ذلك الاحتفال الضخم في المولد. يقول: قال السبط حكى بعض مَنْ حضرَ سِماطَ المظفر في بعض الموالد كان يمدّ في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي – غنم – وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى، وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيَخلَع عليهم ويُطلِق لهم ويعمل للصوفية سماعًا من الظهر إلى الفجر” ويقول عن هذا الملك وعن ما كان يعمل وعن ما كان يقدّمه للحرمين الشريفين “استفكّ من سجونِ الإفرنج ستين ألف أسير من المسلمين” بأموالِه وأموال الدولة، ويقول: “وكان يعمل المولد الشريف في ربيعٍ الأول ويحتفل به احتفالًا هائلًا وكان مع ذلك شهمًا شجاعًا فتّاكًا بطلًا عاقلًا عالمًا عاملًا رحمه الله وأكرمَ مثواه”.

فليُجيبونا عن ابن تيمية الذي قال الاحتفال بالمولد فيه أجرٌ عظيم لحسنِ قصدِه، وعن الذهبي وعن ابن كثير اللذين مدحا الملك المظفر الذي احتفل هذا الاحتفال بالمولد الشريف.

تبقى نقطة واحدة {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتمَمْت عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ دينًا} أهل السنةِ والجماعة هم على معنى الآية وعند حدِّها ويعملون بمُقتضاها لأنّ مِنَ الدينِ الكامل أنْ لا تخرِقَ الإجماعَ فتُكفِّرَ الأمة، أما هم فقد خرقوا الإجماعَ وكفّروا الأمة وهذا يدلُّ على أنهم لم يرضَوا بالدينِ الكامل فجاءوا يزعُمون أنّ الأمة المحتفلة بالمولد كافرة واللهُ مدحَها في القرآن وقال: {كنتم خيرَ أمةٍ أُخرِجَتْ للناس} ولم يُعجبْهم فقالوا بتكفيرِ الأمة وبذلك أعلنوا أنهم ضد معنى الآية: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم} لأنهم خرقوا الإجماع، أما أهلُ السنةِ والجماعةِ فمع الآية: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ دينًا} 

أما هم فقد خرقوا الإجماع وقد توعّدَ اللهُ مَنْ خرقَ الإجماعَ فقال: {ومَن يُشاقق الرسولَ مِنْ بعدِ ما تبيَّنَ له الهدى ويتّبِع غيرَ سبيلِ المؤمنين نُوَلِّهِ ما توَلّى ونُصلِهِ جهنّمَ وسآءت مصيرًا}.

ومن أوهامِهم أنهم يقولون كيف تقولون أنّ النبي ما ذهب إلى الحج والعمرة بالقطار والسيارة والطائرة، قال هذا لم يكن مُتاحًا، نقول لهم تنقيط المصاحف أيام النبي كان مُتاحًا فالنبي لم ينقُط المصاحف وأنتم تنقُطون، يعني ما فعله النبي لم يُرضيكم فتزعُمون أنكم تُكمِّلونَ الدين والنبي تركَه ناقصًا، والصحابة كان مُتاحًا لهم أنْ ينقطوا المصاحف لكنْ ما نقطوا وأنتم تطبعونَ المصاحف المنقوطة والمشكولة والملوّنة والمحركة مع ترقيمِ الآيات وعلامات العشر والجزء والحزب وعلامة السجدة وغير ذلك مما أضيف إلى المصحف، كل ذلك تفعلونَه والنبيُّ ما فعلَهُ ولا قال افعلوا ولا الصحابة فعلت، إنما فعل يحيى بن يعمر بعض الأشياء والحسن البصري بعض الأشياء وبعدهما العلماء أشياء وأنتم تقولون لم يكن مُتاحًا، بلى تنقيطُ المصاحف كان مُتاحًا لماذا لم يفعله الرسول؟ وأنتم تقولون ما لم يفعلْه الرسول لا نفعله، وهو لم يفعله وأنتم تفعلون!!! إذًا مَن الذي لم يقف مع الآية نحن أم هم؟ هم لم يقفوا مع الآية بل خالفوها فينطبِق عليهم: {ومن يُشاقق الرسولَ منْ بعدِ ما تبيَّنَ له الهدى ويتّبِع غير سبيل المؤمنين نوَلِّهِ ما توَلّى ونُصلِهِ جهنمَ وسآءت مصيرًا}.