الهِشَامِيَّة
يُطْلِق كُتَّابُ الفِرَق اسم (الهشامية) على فرقتين: فرقة تنسب إلى هشام ابن الحَكَم (ت190هـ)، والفرقة الثانية تنسب إلى هشام بن سالم الجواليقيّ، وأشار أبو منصور البغداديّ إلى أن هاتين الفرقتين قد أظهرتا ضلالاتهما في التجسيم وبدعتهما في التشبيه، وقال الأسفرايينيّ: «وهم الأصل في التشبيه([1])» اهـ. وجعلهما الشهرستانيّ فرقة واحدة تنسب إلى الهشامين فقال: «الهشامية أصحاب الهشامَيْن: هشام بن الحكم صاحب المقالة في التشبيه، وهشام بن سالم الجواليقيّ الذي نسج على منواله في التشبيه([2])» اهـ. وقد أحسن الإمام سيف الدين الآمدي بيان التفرقة بينهما فقال في كتابه «أبكار الأفكار»([3]): «الفرقة العاشرة: الهشامية أصحاب الهشامين هشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي، اتفقوا على أن الله تعالى جسم ذو حد ونهاية، غير أن هشام بن الحكم زعم أن الله تعالى تعالى طويل عريض عميق…، وأما هشام بن سالم فزعم أن الله تعالى على صورة الإنسان وله حواس خمس ويد ورجل وأنف وأذن وعين….».اهـ.
وقد ذكر الإمام الأشعريّ رضي الله عنه مقالة هشام وفرقته في التجسيم فقال([4]): «الهشامية أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن معبودهم جسم وله نهاية وحدّ طويل عريض عميق، طوله مثل عرضه، وعرضه مثل عمقه، لا يوفي بعضه على بعضه، ولم يعيّنوا طولًا غير الطويل، وإنما قالوا: طوله مثل عرضه على المجاز دون التحقيق، وزعموا أنه نور ساطع، له قدر من الأقدار، في مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها، وأنه ذو لون وطعم ورائحة، وزعموا أنه هو اللون وهو الطعم، وأنه قد كان لا في مكان، ثم حدث المكان بأن تحرَّك البارئ فحدَثَ المكان بحركته فكان فيه، وزعموا أن المكان هو العرش.
وذكر أبو الهذيل ـ وهو معتزليّ ضالّ ـ في بعض كتبه أنّ هشام بن الحكم قال: «إنَّ ربَّه جسمٌ ذاهبٌ جاءٍ، فيتحرَّك تارة ويسكن أخرى، ويقعد مرة ويقوم أخرى، وإنه طويل عريض عميق، لأن ما لم يكن كذلك دخل في حدّ التلاشي!». قال: فقلت له: فأيهما أعظم إلهك أو هذا الجبل على زعمك؟! وأومأت إلى جبل أبي قبيس([5])، فقال: «هذا الجبل يوفي عليه» أي هو أعظم منه.
وزعم الورّاق([6]) أن بعض أصحاب هشام أجابه مرة إلى أن الله عزّ وجلّ على العرش مماسٌّ له، وأنه لا يفضل عن العرش ولا يفضل العرش عنه»([7]). انتهى كلام الإمام الأشعريّ باختصار.
مقالة هشام الجواليقيّ:
يروى عن الإمام الأشعريّ أنّه قال([8]): «الهشامية أصحاب هشام بن سالم الجواليقيّ يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، وينكرون أن يكون لحمًا ودمًا، ويقولون: هو نور ساطع يتلألأ بياضًا، وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان، له يد ورِجل وأنف وأذن وعين وفم، وأنه يسمع بغير ما يبصر به، وكذلك سائر حواسه عندهم متغايرة» اهـ.
وقال أيضًا([9]): «وحكى أبو عيسى الورَّاق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وفرة سوداء وأن ذلك نور أسود» اهـ.
وزاد الشهرستانيّ في ما حكاه عنه أنه قال([10]): «إنه تعالى على صورة إنسان أعلاه مجوف وأسفله مُصْمَتٌ، وهو نور ساطع يتلألأ وله حواس خمس ويد ورجل وأنف وأذن وفم وله وفرة سوداء هي نور أسود لكنه ليس بلحم ولا دم» اهـ.
[1] ) التبصير في الدين، الأسفرايينيّ، ص25.
[2] ) الملل والنحل، الشهرستانيّ، ص184.
[3] ) أبكار الأفكار، الآمدي، 5/ 58.
[4] ) مقالات الإسلاميين، ينسب الكتاب للأشعري، 1/ 106.
[5] ) أبو قُبَيْس: جبل مشرف على مسجد مكة. معجم البلدان، الحموي، 9/342.
[6] ) محمد بن هارون الوراق، أبو عيسى، ت 247هـ، باحث معتزلي، من أهل بغداد، ووفاته فيها. له تصانيف منها: «المقالات في الإمامة»، و«المجالس». الأعلام، الزركلي، 7/128.
[7] ) تجد مثل هذا الكلام في: البدء والتاريخ، المقدسيّ، 5/132. التبصير في الدين، الأسفرايينيّ، ص 24 ،70. الفرق بين الفرق، البغداديّ، ص 20، 47. الملل والنحل، الشهرستانيّ، ص 184. سير أعلام النبلاء، الذهبيّ، 10/544.
[8] ) مقالات الإسلاميين، ينسب الكتاب للأشعري، ص 34، 209.
[9] ) مقالات الإسلاميين، ينسب الكتاب للأشعري، ص209.
[10] ) الملل والنحل، الشهرستانيّ، ص 172.
الإشعارات