درسٌ ألقاهُ المحدثُ الشيخُ عبدُ الله بنُ محمدٍ العبدريُّ رحمهُ اللهُ تعالى فِي بيته فِي محلّة أبِي شاكِر فِي رجَب سنةَ أربع وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق لشهر ءاب سنة ثلاث وألفين رومية وهو فِي بيان أن النجاة بتعلم علم الدين. قال رحمه الله تعالى رحمة واسعة:
الحمد لله ربّ العالمين له النعمةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الحسنُ وصلواتُ الله البَرّ الرَّحِيم والملائكة المقرَّبِين على سيدنا محمدٍ وعلى ءاله وأصحابه الطيبين.
أمَّا بعدُ: فإن الذي يرَى الرّسولَ فِي المنام إنْ رءاهُ بصُورته التِي هِيَ خَلقَهُ اللهُ عَليها مِن حيثُ اللونُ والجمالُ أو رَءَاهُ على غيرها فهو حقٌّ فهذا الرَّائِي لا بدَّ أنْ يموتَ على الإيمان أمّا الكلامُ الذِي يقولُ الشّخصُ الرّسولُ قالَ لِي كَذا إنْ كانَ ذلكَ الكلامُ موافقًا لشَريعته فهوَ شَيْءٌ مؤكّدٌ وإلا فيَقولُ الرّسولُ لَا يقولُ شيئًا مخالفًا لِمَا قَرَّرَهُ فِي شريعته فأنا غَلطتُ مَا سمعتُ ما قالهُ على الوجه الذي قالهُ أنا توهّمتُ مَا ضَبطتُ مَا فهِمتُ كلامَ الرّسول.اهـ. أمّا مَن يقولُ رأيتهُ فِي اليقظة، إنْ كانَ على حسب خلقته الأصليّة التِي فِي كتب الحديث وإلا فهو لم يَرَه فِي اليقظة. بعضُهم يراهُ وهوَ فِي قبره وهذه الأبنيةُ والجبالُ لَا تمنعهُ تصيرُ كالبِلَّوْرَة يراهُ كأنهُ أمامهُ وهذا لَا يكونُ إلَّا لِوَلِيّ. أمّا الذي يقولُ رأيتهُ على غَير صورته التي فِي كتب الحديث يقظةً فهوَ كاذبٌ. الشّيطانُ يستطيعُ أن يَظهرَ للشَّخص يقظةً فِي صورةٍ ليسَتْ صورةَ الرّسول فيقولُ أنا رسولُ الله لكنْ لَا يكونُ على طِبْق خِلْقِ الرّسول، لَا يكون.
بعضُ الأشخاص يزعمونَ أنّهم رأوا الرّسولَ يقظةً، هنا فِي بَيروت رجلٌ وامرأةٌ ادَّعيا ذلكَ. الرّجلُ قالَ أنا رأيتهُ يقظةً قلتُ لهُ ما صفة شَعره قالَ أبيَض فسَقطَ مِن أوّل كلمةٍ وظهَر كذِبهُ، كانَ جاءَ إلَينا مِن سِنينَ يريدُ أنْ يتعلَّمَ الرُّقَى ونحوَ ذلك فقلتُ لهُ تَعَلَّم العَقيدةَ أولًا فتردَّد أيامًا قلائلَ ثمَّ صارَ يدَّعي أنهُ يرَى الرّسولَ يقظةً استدعيتُهُ فجاءَ فقلتُ لهُ: ما لونُ شَعره، قالَ: أبيضُ فظهَر كذِبهُ الرّسولُ ما طَلَعَ لهُ منَ الشّيب إلّا نحوُ عشرين شعَرة.
ورجلٌ ءاخَرُ قالَ: جاءَ الرّسولُ إلَيَّ أربعَ مَرّاتٍ ثمَّ فِي المرّة الأخيرة وضعتُ لهُ سجّادة للصّلاة فَتَوَجَّهَ إلى عكس القبلة. هذا مِن بعلبكَ يَشتغلُ فِي الرُّقَى ولا يعرف الرُّقَى الفاسدةَ منَ الرُّقَى الصّحيحة ما زالَ حيًّا. أرسَلوا إليَّ استِفتاءً فِي هذا فقلتُ لهم: هذا الذي ظهرَ لهُ شيطانٌ والذي يعتقدُ أنَّ رسولَ الله r يصَلِّي على عكس جهة القبلة فهوَ كافرٌ. قيلَ لِي: إن هذا الرجلَ البعلبكيِّ تشهَّدَ عندما بلغهُ ذلك.
الجاهلُ الذي لم يتعلَّم العقيدةَ ولا الأحكامَ الضّروريةَ سَهْلٌ على الشّيطان أن يَتصرَّفَ فيه لذلكَ تَعَلُّمُ علم الدّين العقيدة والأحكام الضّرورية أمرٌ عظيمٌ. كَم مِنْ أناسٍ أخَذوا الطَّريقةَ واشتَغلوا بالذّكر كثيرًا ثمَّ صاروا ضالّينَ كافرينَ وهُم لَا يشعرونَ هذا يأخذُ الطّريقةَ النَّقشبنديَّةَ، وهذا يأخذُ الطَّريقةَ الشَّاذليَّة، وهذا يأخذُ القادريَّةَ، وهُم جهّالٌ فصارَ الشّيطانُ يتلاعَبُ بهِم يُوهِمُهُم عَن أمورٍ أنّها تُقرّبهم إلى الله وهِيَ فَاسدةٌ فصاروا ضالّينَ.
كانَ رجلٌ منَ الحبشة مجتهِدًا فِي العبادة لكنْ مَا تعلَّمَ علمَ الدّين الضّروريَّ صارَ يُصَلِّي الفجرَ معَ السُّنَّة ويُصلّي فِي الليل قبلَ الفجرِ ويُكثرُ منَ الذّكر كانَ يُصلّي بينَ الصّبح والظُّهر عشرينَ ركعةً منَ السُّنَّة، الشّيطانُ أوهمَهُ أنهُ صارَ على حالةٍ عاليةٍ، ثمَّ الشَّيطانُ عمِلَ حيلةً ءاذى بعضَ النّاس وصارَ يحرّكهُم ليَذهبوا إليه فإذا جاءوا إليه يذهَبُ عنهُم الشّيطانُ ويتركُ أذاهم فدَخلَ هذا الرَّجلَ الغُرورُ وصارَ المصابُونَ الذينَ يأتونَ إليه يَتَعَافَوْنَ حَتى إنَّ الجنَّ صارُوا يتشكلّونَ بصُورة بشرٍ فيقولونَ لبعض جماعته هنيئًا لكم أنتم من أهل الجنّة أنتم مع هذا الشيخ حَتّى إنهُ ظُنَّ به أنهُ ولِيٌّ، سَبعةٌ منَ الشّيوخ الذينَ لهم طَلبةٌ فِي علم الدين انضَمّوا إليه، ثمَّ الشَّيطانُ اشتغلَ به قالَ لهُ قُلْ للناس اختصرتُ لكم رمضان على النصف فأعلن بما قالتْ له الشياطينُ، أولئكَ المشَايخُ الذينَ ظنّوا أنهُ وليٌّ الآنَ استَيقظوا فرَفعوا عَليه دعوى عندَ الدّولة ثمَّ أولئكَ الشّياطين أخذتْهُ غَيَّبَتْهُ ولا يُدْرَى إلى الآنَ ماذا حَصَلَ لهُ، أَخْفَوْهُ.
فعليكُم بمجالس العلم وادْعُوا غيركُم إليهَا. انتهَى.
والله تعالى أعلم.