الأحد ديسمبر 22, 2024

النبيّ لا يخطئ في التشريع

والحاصل أن كلَّ قول يؤدي إلى تجويز الخطأ على النبي في الأحكام الشرعية مردود لا دليل عليه، إنما هي شُبَهٌ يتعلّق بحبالها الواهية من أراد أن ينقض عرى الدين، ويهدم أحكامه، ففي القول بذلك إيهام للجهّال وتشكيك في ما يقوله رسول الله عليه الصلاة والسلام هل هو موافق للحقّ أم لا، وهذا مؤدّاه سَوْق الناس إلى الإلحاد. قال بدر الدين الزركشيّ في كتاب تشنيف المسامع بعد حكاية كلام السبكي – الصواب: أن اجتهاده عليه الصلاة والسلام لا يخطئ -: «إذا جوَّزنا الاجتهاد على النبي ﷺ فالصواب أنه لا يخطئ اجتهاده، وهذا هو الحق وعليه جرى البيضاوي»([1]).اهـ.

هذا وقد قال العلامة ابن أمير الحاج([2]) في كتابه «التقرير والتحبير» ما نصّه: «وقيل بامتناعه، أي: جواز الخطأ على اجتهاده نقله في الكشف وغيره عن أكثر العلماء وقال الإمام الرازي والصفي الهندي([3]) إنه الحق، وجزم به الحليمي والبيضاوي وذكر السبكي أنه الصواب وأن الشافعي نص عليه في مواضع من الأم لأنه أولى بالعصمة عن الخطأ من الإجماع، لأن عصمته، أي: الإجماع عن الخطأ لنسبته إليه أي إلى النبيّ ﷺ، وللزوم جواز الأمر باتباع الخطأ لأننا مأمورون باتباعه ﷺ بقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران: 31] إلى غير ذلك»([4]).اهـ.

وقال أيضًا ما نصّه: «وقيل: كان له الاجتهاد في الأمور الدنيوية والحروب دون الأحكام الشرعية، حكاه في «شرح البديع»، وقيل: كان له الاجتهاد في الحروب فقط، وهو محكيّ عن القاضي والجبائيّ([5]) لقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِـمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة: 43]، فعوتب على الإذن لِـمَا ظهر مِن نفاقهم في التخلُّف عن غزوة تبوك، ولا يكون العتاب في ما صدر عن وحي فيكون عن اجتهاد لامتناع الإذن فيه تشهّيًا، ودفعه السبكيّ بأنّ غير واحد قال إنه ﷺ كان مخيَّرًا في الإذن وعدمه، فما ارتكب إلا صوابًا، فإن الله تعالى يقول: {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور: 62] فلمّا أذن لهم أعلمه الله بما لم يطّلع عليه من شرّهم أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا، وأنه لا حرج عليه في ما فعل ولا خطأ. قال القشيريّ: ومن قال العفو لا يكون إلا عن ذنب فهو غير عارف بكلام العرب، وإنما معنى: {عَفَا اللَّهُ عَنكَ} [التوبة: 43] لم يلزمك ذنبًا كما عفا عن صدقة الخيل ولم يجب عليهم ذلك قط»([6]).اهـ.

[1])) تشنيف المسامع، الزركشيّ، (4/975).

[2])) موسى بن محمد التبريزيّ (ت733هـ)، أبو الفتح، مصلح الدين المعروف بابن أمير الحاج، فقيه حنفيّ. زار دمشق سنة 710هـ وسنة 726هـ ومرّ بالقاهرة. وتوفي بوادي بني سالم في طريق الحجاز وهو قاصد زيارة قبر الرسول ﷺ بعد أداء الحج. له: (الرفيع في شرح البديع لابن الساعاتي) في الأصول، و(التقرير والتحبير) كذلك في الأصول. الأعلام، الزركلي، (7/328).

[3])) محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأُرمَوِيّ، أبو عبد الله، صفي الدين الهندي، فقيه أصولي، ولد بالهند وطوَّف بالبلاد إلى أن استوطن دمشق وتوفي فيها، له مصنفات منها: (نهاية السول إلى علم الأصول)، و(الفائق في أصول الدين)، و(الزبدة في علم الكلام)، توفي سنة 715هـ. الأعلام، الزركلي، (6/200).

[4])) التقرير والتحبير، ابن أمير الحاج، (3/300).

[5])) محمد بن عبد الوهاب الجبائيّ، أبو عليّ (ت303هـ)، من أئمة المعتزلة في عصره وإليه نسبة الطائفة الجبائية. له مقالات وآراء انفرد بها في المذهب، وقد ردّ عليه الإمام الأشعريّ رضي الله عنه. الأعلام، الزركلي، (6/256).

[6])) التقرير والتحبير، ابن أمير الحاج، (3/395).