والنبوة منصب خاصّ بالرجال، ولا يكون للنساء أبدًا([1])، وذكر النوويّ في الأذكار عن إمام الحرمين أنه نقل الإجماع على أن مريم ليست نبية، ونسبه في شرح «المهذب» لجماعة([2])، وجاء عن الحسن البصريّ([3]): «ليس في النساء نبية ولا في الجن»([4]).اهـ.
والحكمة من تخصيص الرجال بالنبوة دون النساء أن النبوة حِمْل ثقيل، وتكليف كبير لا تتحمّله طبيعة المرأة الضعيفة، لأنه يحتاج إلى مجاهدة ومصابرة، ولهذا كان جميع الرسل ما عدا آدم وشيثًا وإدريس عليهم السلام في محنة قاسية مع أقوامهم، وابتُلوا ابتلاء شديدًا في سبيل تبليغ دعوة الإسلام بدليل: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35]، والدليل على أن النبوة خاصة بالرجال قوله سبحانه: {وَمَأ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]. قال الطبريّ([5]): «يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد ﷺ»: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يا محمد إلى أمة من الأمم للدعاء إلى توحيدنا والانتهاء إلى أمرنا ونهينا {إِلَّا رِجَالًا} من بني آدم نوحي إليهم وَحْيَنا لا ملائكة، يقول: فلم نرسل إلى قومك إلا مثل الذي كنا نرسل إلى من قَبلهم من الأمم من جنسهم وعلى منهاجهم»([6]).اهـ.
وقال القرطبي([7]): «هذا رد عليهم في قولهم: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} [الأنبياء: 3] وتأنيس لنبيّه، أي: لم يرسل قبلك إلا رجالًا. {فَاسْألُوا أَهلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} يريد أهل التوراة والإنجيل الذين آمنوا بالنبي ﷺ، قاله سفيان([8])، وسمَّاهم أهل الذكر لأنهم كانوا يذكرون خبر الأنبياء مما لم تعرفه العرب، وكان كفار قريش يراجعون أهل الكتاب في أمر محمد ﷺ، وقال ابن زيد: أراد بالذكر القرآن، أي: فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن»([9]).اهـ.
وقال أيضًا في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِيَ إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف: 109] «هذا رد على القائلين: لولا أنزل عليه ملك، أي: أرسلنا رجالًا ليس فيهم امرأة ولا جنيّ ولا مَلَك»([10]).اهـ.
[1])) ما يقوله بعضهم: من أن النبوة قد تكون في النساء مستدلًّا بقول الله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ في الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} [القصص: 7]، فإنه استدلال في غير محله؛ لأن الوحي هنا ليس بإنزال مَلَك وإنما هو بطريق الإلهام، فقد أخبر سبحانه وتعالى بأنه أوحى إلى النحل قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل]، ولا قائل بأنَّ النحل قد نبّأه الله تعالى في القرآن الكريم لمجرَّد إسناد الإيحاء إليه فتأمَّل.
[2])) الأذكار، النووي، (ص130).
[3])) الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت الأنصاري. ويقال: مولى أبي اليسر كعب بن عمرو السلمي. كانت أمه مولاة لأم سلمة أم المؤمنين المخزومية، واسم أمه: خيرة. دعا له عمر رضي الله عنه فقال: «اللَّهُمَّ فقهه في الدين، وحببه إلى الناس».اهـ. سير أعلام النبلاء، الذهبي، (4/566).
[4])) فتح الباري، ابن حجر، (6/471).
[5])) الطبريّ هو محمد بن جرير بن يزيد الآمليّ (ت310هـ)، أبو جعفر، المؤرخ المفسر الإمام. ولد في آمل طبرستان، واستوطن بغداد وتوفي بها. له: (أخبار الرسل والملوك) ويعرف بتاريخ الطبريّ، و(اختلاف الفقهاء)، و(المسترشد)، وجزء في الاعتقاد، والقراءات وغير ذلك. الأعلام، الزركلي، (6/69).
[6])) جامع البيان في تأويل القرآن، الطبريّ، (17/207).
[7])) القرطبيّ هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاريّ الخزرجيّ الأندلسيّ (ت671هـ)، أبو عبد الله، من مشاهير المفسرين رحل إلى الشرق واستقر وتوفي فيها. من كتبه: (الجامع لأحكام القرآن)، و(قمع الحرص بالزهد والقناعة)، و(الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)، و(التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة)، وكان عالـمًا ورعًا متعبدًا. الأعلام، الزركلي، (5/322).
[8])) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري (ت161هـ)، من بني ثور بن عبد مناة، من مضر، أبو عبد الله أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. ولد ونشأ في الكوفة، وراوده المنصور العباسي على أن يلي الحكم فأبى. وخرج من الكوفة سنة (141هـ)، فسكن مكة والمدينة. من كتبه: (الجامع الكبير) و(الجامع الصغير) كلاهما في الحديث. الأعلام، الزركلي، (3/104).
[9])) الجامع لأحكام القرآن، القرطبيّ، (11/272).
[10])) الجامع لأحكام القرآن، القرطبيّ، (9/274).
[11])) أبو حيان هو: محمد بن يوسف بن عليّ بن يوسف بن حيان الغرناطيّ الأندلسيّ الجيانيّ، أثير الدين، (ت745هـ)، من كبار العلماء بالعربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات. ولد في إحدى جهات غرناطة، ورحل إلى مالقة. وتنقل إلى أن أقام بالقاهرة. واشتهرت تصانيفه في حياته وقرئت عليه. من كتبه: (البحر المحيط) في تفسير القرآن، و(النهر المادّ) اختصر به البحر المحيط، و(إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب). بغية الوعاة، السيوطيّ، (ص121). فوات الوفيات، الكتبيّ، (2/282).