بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي قهَر عباده بالموت وجعل سيف الموت مُسلطاً على رقبة كل واحد من البشر
والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيّد البشر والشفيع المشفَّع يومَ المحشر وفخر ربيعة ومُضّر وعلى ءاله وصحبه الطيبين ما اقبل ليلٌ وأدبر وأضاء صبحٌ وأسفر وبعدُ.
فإنَّ وفاةَ النبيّ الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأمة وإمام الأئمة ومن أرسله الله سبحانه وتعالى للناس هدى ورحمة هي مصيبة الأولين والآخرين، وهي المصيبة العظمى التي حلّت بالمسلمين إلى يوم الدين،لأن وفاته عليه الصلاة والسلام ليست كوفاة سائر الناس، فهو صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين، وبموته صلى الله عليه وسلم انقطعت النبوات وانقطع خبرُ السماء ووحي الله تبارك وتعالى عن هذه الأرض.
لقد كان هدفنا من كتابنا هذا”مصيبة المسلمين بموت سيد المرسلين” الذي يتحدث باستيعاب وإسهاب معتدلين من غير تطويل ممل ولا إيجاز مخل عن وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم النبيّ الأعظم والرسول المكرم سيّد المرسلين وحبيب ربّ العالمين وخير مولود عرفه هذا العالم وخير قائد عرفه التاريخ ليكون الحديث عن وفاته وعن مرض موته صلى الله عليه وسلم وما رافق ذلك من حوادث تتعلق بموته صلى الله عليه وسلم وكذلك عظيم المصيبة التي حلّت بالصحابة رضي الله عنهم بسبب فراق نبيهم عليه الصلاة والسلام وأثَّر ذلك على نفوسهم وقلوبهم ، وليكون ذلك كله تذكرة للمؤمنين وعبرة للمعتبرين وترقيقاً لقلوب المتقين المـُخْبتين الخاشعين، وصبراً وسلوانًا لهم عندما تعصف بهم المصائب وتكثر عليهم البلايا، وخاصة في هذه الأيام الصعبة والأمة الإسلامية تمر في أحرج أوقاتها العصيبة، حيث تمتحن بمصائب شتى جسيمة وتعصف بهم العواصف العاتية، فعسى أن يكون الحديث عن وفاة قائد الأمة وإمام الأئمة النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم رقة لقلوب المؤمنين وتذكرة لهم يستلهمون من قصة وفاته صلى الله عليه وسلم وهو أكرم خلق الله تعالى العبر والحكم والصبر والسلوان عند المصائب والشدائد.
وأخيراً، ما أحوجنا أن نتذكر بأنَّ هذه الدنيا دار ممر وليست دار مقر وبأن الآخرة هي دار القرار ، وبأن الموت حق قد كتبه الله عزَّ وجلَّ على كل العباد ولم يستثنِ منهم أحداً حتى الأنبياء الذين فضلهم الله تعالى على العالمين، فها هو سيد العالمين وأشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد مات، ولا بُدَّ لكل واحد منّا أن يموت كما قال الله عزَّ وجلَّ:” كلُّ نفسٍ ذآئقةُ الموت” 185 سورة ءال عمران.
قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم” إنَّكَ ميّتٌ وإنّهم ميّتـونَ” 30 سورة الزمر، أي إنك يا محمد ستموت وهم سيموتون، وقال سبحانه ” ومَا جَعَلنا لِبَشرٍ مِن قبلِكَ الخُلْدَ أفإيْن مِتَّ فَهُمُ الخَلِدوُنَ”. 34 سورة الأنبياء.
وقال عزَّ من قائل:” ومَا مُحمَّدٌ إلاَّ رسُولٌ قَد خلَتْ مِن قبلِهِ الرُّسُلُ أفإيْن مَّاتَ أَو قُتِلَ انقلبتُمْ عَلَى أعقَبِكُم ومَن ينقَلِبْ عَلَى عَقِيبيهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شيئًا وسيَجْزِي اللهُ الشَّاكرينَ” 144 سورة ءال عمران.
فعسى أن نتّعظ من مصيبة الموت ونتخذ من موت نبيّنا المصطفى صلى الله عليه وسلم سيد العالمين موعظة وعبرة فنستعدّ للموت ونعمل لآخرتنا ولاتغُرنا الحياة الدنيا فنستعدّ للموت ونعمل لآخرتنا ولا تغُرّنا الحياة الدنيا التي هي متاع الغرور حتى نكون في الآخرة معه عليه الصلاة والسلام ومع إخوانه النبيين ومع الصّديقين والشهداء وعباد الله الصالحين في جنات النعيم وحَسُن أولئك رفيقاً.