الأحد أبريل 20, 2025

المقدمة

الحمدُ لله ربّ العالـمِين حمدًا كثيرًا، والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمدٍ المبعوثِ بشيرًا ونذِيرًا، وأشهدُ أنْ لا إلٰه إلا اللهُ الملِكُ الحَقُّ الـمُبين، وأشهَدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورَسولُه إلى العلَمِينَ.

وبعدُ، فإنّ عِلمَ الحدِيث مِن أشرَفِ العلُومِ وأجَلِّها، والاشتِغالُ بِه مِن أعظَمِ القرُبات إلى الله عزَّ وجلَّ وأضَلِها، وقد صرَفَ كثَيرٌ مِن العُلَماءِ وَقْتَهم وهِمَّتَهم للاشتِغال بهذا العِلم العَظِيم، فحقَّقُوا ودَقَّقُوا وصَحَّحُوا ونَقَّحُوا خَلَّصُوا الحديثَ الضّعِيفَ مِن الصّحِيح، فجزَى اللهُ أئِمّتَنا عنّا خيرًا.

ولهذا الكتابِ الّذي بَين أَيدِينا حِكايةٌ في جَمعِه؛ وهي أنّه في سنةِ ألْفِ وأربعِمائةٍ واثنتَيْ عَشْرةَ للهجِرةِ الـمُوافِقِ لأَلْفٍ وتِسعِمائةٍ واثنتَينِ وتِسعِينَ رُومِيّةٌ (1412هـ/1992ر) قد عَزَمَ شيخُنا الإمامُ العلّامةُ الـمُحدِّثُ الشّيخُ أبو عبدِ الرَّحمٰنِ عبدُ اللهِ بنُ محمّدٍ الهرَرِيّ رحمه الله تعالى على جَمعِ كِتابٍ في الحديثِ مُشتمِلٍ في مُعظَمِه على أحاديثَ صَحيحة وحسنَة يَنتقِيها مِن نُسَخٍ خطِيّةٍ لبَعضِ الحُفّاظ، فاختارَ لذلك مخطُوطاتٍ في مُـون الحديثِ للعلّامة الحافظِ شهابِ الدِّين أبي الفَضلِ أحمدَ بنِ عليّ بنِ حجَرٍ العَسقلانيّ رحمه الله تعالى، بَعضُها مِن إملاءاتِ الحافظِ العسقلانيّ في الحديثِ وبعضُها من تخريجِه لأحاديثَ جاءَتْ في بعضِ المصنَّفاتِ الفِقهيّةِ والحديثيّةِ.

فوقع اختيارُ شيخِنا رحمه الله على «الأمالِيّ الـمُطلَقة»، و«نتائجِ الأفكارِ في تخريجِ أحاديث الأذكار» أذكارِ النوويّ، و«مُوافَقَةِ الخُبْر الخبَرَ في تخريجِ أحاديثِ المختصَر» مختصَرِ ابنِ الحاجِب، و«الـمَطالِبِ العالية بزَوائدِ الـمَسانِيدِ الثّمانيةِ» وغيرِها مِن أماليّ الحافظِ العسقلانيّ رحمه الله.

وكان شيخنا رحمه الله يَقرأُ في النُّسخة الخطيّة ثمّ يضَعُ على الأحاديثِ الّتي يَنْتقِيها علاماتٍ باللَّون الأصفَر وغيرِه لِنَنقُلَها أنا عبدُ الرّزّاقِ الشّرِيفُ والشيخُ محمّد بَكرِي فيما بَعدُ مِن النُّسخةِ الخطيّة ثُمّ نَعرضُ عليه فيما بعدُ ما كتَبناه.

فمَكَثْنا على هذه الحال مَدّةً وهو رحمه الله يُتابِعُ العمَلَ باهتِمامٍ، حتّى إذا جاء بعضُ طُلّابِه يرِيدُ أنْ يَشغلَنِي عمّا أنا فيه يقول له الشيخُ: اترُكْه فهو مَشغُول، وذلك مِن شدّة اهتِمامه وتصمِيمه رحمه الله على إنجازِ هذا المجمُوع.

وكُنّا إذا نقَلْنا مِن النُّسخة الخطيّة ما أشار إليه قرأْناه عليه لِيَضبِط لنا الحدِيثَ ضَبْطًا تامًّا؛ هذا معَ ما كان يُمِلِيه علَينا مِن تَعليقاتٍ نُثْبِتُها في مواضعِها، واستَمَرّ الحالُ على ذلك إلى أنْ كتَبْنا ما يَزِيدُ على ألفٍ ومائةِ حدِيثٍ مرفُوعٍ وغَيرِه.

وقد يسَّرَ الله لي أنْ وشَّحْتُ الأحاديثَ بتَعليقاتٍ مِن كلامِ شيخِنا الّذي كان يُمْلِيه في مجالِسه مما فيه شَرحٌ لبَعضِ ألفاظِ الحديثِ وبَيانٌ لِـمَعانيه الإجماليّة ووقوفٌ على الفِقه الّذي فيه. وقد راجعتُ هذا المجموعَ معَ نُخبةٍ مِن المشايخِ مِن طُلّاب شيخِنا رحمه الله، فأفادَ كُلٌّ منهُم بفَوائِدَ مُهِمّة وتَعلِيقاتٍ نَفِيسةٍ، واستَعنْتُ على ذلكَ بنُسَخٍ عِدّةٍ لِمَزيد ضَبط هذا المجمُوع. وقد أعانَنِي بعضُ أحبابِنا على ما لَم نَجِدْه في المنقُولِ مِن كلامِ شَيخِنا رحمه الله فبحَثْنا في بعضِ مُصنَّفاتِ شُروحِ الحدِيث وكُتبِ الغَرِيب للمُحدِّثِين واللُّغَوِيِّين والفُقهاءِ الأعلام كالخَطّابي وأبِي عُبَيدٍ الهرَوِيّ والقاضِي عِياضٍ وأبِي العبّاس القُرطْبِيّ وابنِ بطّالٍ وابنِ الأَثِير والنوويّ وابنِ حجَرٍ العسقَلانِيّ وعلِيّ القارِي والـمُناوِيّ وغيرِهم رحمِهُم اللهُ.

وللهِ الحَمدُ والـمِنّةُ والفَضلُ والثَّناءُ الحسَنُ.

فخَرَجَ كتابًا عظيمًا جامعًا لِما يَزِيدُ على مائتَيْ بابٍ مِن الأحاديثِ في الأذكارِ وأبوابِ الفِقهِ والتّفسيرِ والسِّرةِ والتَّرغِيبِ والتَّرهِيبِ والعِلمِ وغيرِ ذلك، فاشتَمَلَ على فوائدَ عظِيمةٍ في شتّى العُلومِ الشّرعِيّة، والحمدُ لله ربِّ العالَمِين.

وكتب

راجِي عَفوِ رَبِّه

عبدُ الرزّاق بنُ محمّدٍ الشّرِيف