الفرقان في تصحيح ما حُرّفَ تفسيره من ءايات القرءان
المؤلف: الشيخ جميل حليم الحسيني الرفاعي الأشعري
القسم الأول
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
الباعث على تأليف هذا الكتاب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد،
قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *} [سورة المائدة] . وقال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ *} [سورة آل عمران] ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ *} [سورة البقرة] .
هذه الآيات الكريمات المباركات هي الباعث والمحرك لنا على كتابة هذه الرسالة، تحذيرًا من التفسيرات المخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة، كي لا نكون داخلين بعدم تحذيرنا، وسكوتنا من التفسيرات المُستَحدَثة المُحَرِّفة لكتاب الله ودينه تحت هذا الوعيد والتهديد الشديد الذي أشارت إليه هذه الآيات، وكي لا نكون من الشياطين الخُرس كما قال العالم الولي الصالح أبو علي الدقاق: «الساكت عن الحق شيطان أخرس». نقله عنه عبد الكريم القشيري في الرسالة القشيرية[(1)]، وقيامًا منا بالواجب الشرعي المؤكد علينا وحِفظًا لدين الله وتحذيرًا للأمة مما يضرُّها في دينها والله يقول الحق ويهدي للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، الظاهر فليس فوقه شىء، والباطن فليس دونه شىء، وأصلي وأسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين. فنشر الله به الخيرات، وبدد الظلمات. وأصلي وأسلم على ءاله وأصحابه أفنان الدوحة النبوية أولي السابقة والأولية وسلم يا ربِ تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن الله تعالى حفظ كتابه العزيز (القرءان الكريم). من أي تحريف فقال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *}. فقد امتدت إيادي الإثم غير مرة في التاريخ للنيل من كتاب الله تعالى إلا أنهم بفضل الله تعالى أُنكسوا وأُركسوا ولما عجزوا عن نيل مرامهم عمدوا إلى تحريف التفسير فكان الخلاف مع أهل الأهواء على تأويله لا على تنزيله فكُتب في التفسير القناطير المقنطرة من المؤلفات الفاسدة التي تعج بالبضاعة الكاسدة وعليها انعقدت الشهرة بين الكثير من العامة والخاصة وهي ما كان يعرف (بالإسرائيليات). ولكن في العصور المتأخرة زاد البلاء وعمت اللأواء وراح يفسر القرءان من ليس في العبر ولا في النفير وراحوا يخضعون القرءان للنظريات المسماة بالعلمية وصاروا يخبطون خبط عشواء وكل ذلك من أجل أن يقولوا إن القرءان يوافق النظريات المعاصرة. والبعض من أجل أن يقال عنهم أنهم أتوا بشىء لم يأتِ به الأوائل ومنهم من أجل إخراج الدين عن جادة الحق والمسار الصحيح حتى إن البعض صرح أنه (كيف نأخذ بتفسير ابن عباس ومجاهد وابن سيرين لعصر الذَّرة والصعود إلى القمر والتطور العلمي). فخاضوا في لجج الأوهام بغير حجة ولا كتاب منير فتلاطمت أفهامهم وتضاربت أقوالهم إلا أنه خفى على هؤلاء وأمثالهم أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحججه كما قال سيدنا علي بن أبي طالب لكميل بن زياد.فهؤلاء وإن كانوا أخفياء لا نصيب لهم من الشهرة كما لأبواق السوء لكنهم قائمون على ثغر من ثغور الإسلام يجاهدون ويناضلون بالكلمة بالحكمة والموعظة الحسنة ومهما طال الليل فلا بد وإن الفجر ءات وإن أشد مراحل الظلام تلك الهُنَيهات التي قبيل الفجر ومن هنا فقد انتهض الشريف الشيخ جميل علي الحسيني تلميذ الإمام المحدث الشيخ عبد الله الهرري انتضل لنصرة دين الله تعالى بالمقال والفعال يطوف بالأرض بلسانه ويراعه وهو صاحب همة عالية في هذا المضمار وقدم لنا هذا السّفر الذي بين أيدينا ليكون نورًا للأمة وذخرًا له يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فأوفى بالغرض وجمع أباطيلهم وأضاليلهم ورد بحزم وجزم بالبراهين والبينات فجزاه الله خير الجزاء.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على أفضل المرسلين وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
ـ[1] الرسالة القشيرية (ص/120).