تفسير أولـي النُّهَـى لقوله تعالى الرحمن على العرش استوى
الجزء الأول
جمع وإعداد الشيخ الدكتور سليم علوان الحسيني
الطبعة الرابعة مزيدة ومنقحة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله المتعالي عن الشبيه والنظير، الذي ليس كمثله شىء وهو السميع البصير، وكل شىء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، لا يحتاج إلى شىء وهو على كل شئ قدير. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الرسول الأمين وخاتم النبيين وإمام الـمتقين وسيد السابقين واللاحقين وعلى ءاله وأصحابه الطيبين.
أما بعد، فلا زال علماء الإسلام من السلف والخلف يردُّون ويؤلفون في تفنيد وتزييف شبه المنحرفين وأهل الأهواء، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر عاملين بقول الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {104} [سورة ءال عمران]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن اللَّه أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم” رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وبقول أبي بكر الصديق رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ: يا أيها الناس إنكم لتقرؤون هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ {105} [سورة المائدة] وإني سمعت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم اللَّه بعقاب منه” رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة.
ومن المنكر بل ومن أشد المنكرات اعتقاد المبتدعة المجسمة نفاة التوسل [الوهابية][1] الجلوس والاستقرار على العرش في حق الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرًا . وليس لهم فيما قالوه حجة، بل زعمهم هذا فرية بلا مرية، ولا يؤيده نقل ولا عقل، ولا يثبت ذلك عن أحد من أئمة أهل السنة، وإنما دأبهم الغش والتلبيس والتدليس.
ولما كان الوهابية عقيدتهم التشبيه والتجسيم، وصفوا الله تعالى بالجلوس والاستقرار فحملوا الآيات المتشابهة التي ظاهرها يوهم ذلك على ما اعتقدوه، فقدموا رأيهم على الآيات وجعلوها تابعة لهم فقالوا: استواء الله على العرش هو الجلوس والاستقرار، تعالى الله عن قولهم، فشبهوا ولم ينزهوا وخالفوا ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان، فخرقوا إجماع الأمة من تنزيه الله عن الجلوس والاستقرار، وصاروا يدورون بين العامة وينشرون بين الناس أن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} [سورة طه] يدل على ما زعموه، وهذه دعوى باطلة لا تقوم على أساس التوحيد وإنما على الأوهام والتشبيه، فلم يكتفوا بما ارتكبوه من الإثم والكفر، بل ضللوا وبدعوا من تأول من أهل السنة هذه الآية بالاستيلاء أي على معنى القهر، مع أن هذا التفسير جائز لغة وشرعا كما سيأتي إن شاء الله، وأما زعم الوهابية فباطل لغة وشرعا وعقلا .
ولما كان الأمر على ما ذكرنا كتبنا هذه الرسالة في بيان أن الله تعالى لا يوصف بالجلوس والاستقرار على العرش ولا السكنى فوق العرش، وأنه يجوز تفسير الاستواء بالاستيلاء والقهر مع ذكر الأدلة على ذلك، وقد أسميناها ” تفسير أولي النُّهَـى لقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} “.
والله أسأل أن ينفع بها من قرأها ويجعلها عتقا لنا ولمن ساهم في نشرها من النار، ءامين، وعلى الله الاعتماد إنه ولي السداد .
[1] – وكتبهم طافحة بذلك. انظر كتابهم المسمى قدوم كتائب الجهاد(ص/101، دار الصميعي). وكتابهم المسمى فتح المجيد (ص/478، دار المؤيد) وكتابهم شرح العقيدة الواسطية (1/375 و90، دار ابن الجوزي)، بل صاروا يصرحون بها من على منابرهم.