الخميس نوفمبر 21, 2024

المقدمة

الحمد لله الذي لا يحويه مكان، ولا يجري عليه زمان، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد.

وأصلي وأسلم على سيدنا محمّد، وعلى إخوانه النبيين والمرسلين وعلى ءال بيته الطيبين، وأصحابه الطاهرين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وبعد:

لقد ظهر منذ ثلث قرن من الزمن شخص يقال له: يوسف القرضاوي وهو بالأساس ينتمي للحزب المسمّى الإخوان المسلمين ذلك الحزب الذي جرَّ بلاء عظيمًا على الأمة، وقد سجن القرضاوي في سبيل أفكار هذا الحزب ثم استقر بقَطَر وراح يتفاقم خطره ويتعاظم شره بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان – وهذا ليس من باب الغيبة المحرمة كما قد يتوهم البعض – فاعتُبِر المرجع الأول للإخوان في العالم([1]).

وراح ينعق بأفكارهم وأضاليلهم وشارك في تأسيس عدة مصارف مسماة إسلامية وهي في الحقيقة مشبوهة ولا سيما ما يسمّى ببنك التقوى في جزر البهامس([2])، الذي له يد طولى في تمويل العمليات الإرهابية.

وفتحت الأقنية الفضائية له نوافذ ولا سيما قناة الجزيرة في قطر، وألف كتبًا كثيرة، وحاضر، وكتب مقالات وقد تجاوز فيها تجاوزات خطيرة مدججة بالكفر والفسوق والعصيان.

لذلك وجدنا وجوب الرد والصد عن دين الله وعن حياضه والتحذير من داعية على أبواب جهنم وهذا واجب من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد ورد في شرح علل الترمذي([3]) قال ابن رجب الحنبلي عند قول الترمذي «وجوب الكلام في الجرح والتعديل»: «مقصود الترمذي رحمه الله أن يبيّن أن الكلام في الجرح والتعديل جائز قد أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من السنن مما لا يجوز قبوله، وقد ظن من لا علم عنده أن ذلك من باب الغيب وليس كذلك، فإن ذكر عيب الرجل إذا كان فيه مصلحة ولو كانت خاصة كالقدح في شهادة شاهد الزور جائز بغير نزاع، فما كان فيه مصلحة عامة للمسلمين أولى». انتهى كلام ابن رجب.

وقد قيل للإمام أحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟! فقال: إذا صام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، فإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.

وذكر الحافظ النووي في «شرح مسلم»([4]): «تباح الغيبة لغرض شرعي وذلك ستة أسباب، فأما السبب الرابع الذي ذكره: تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه منها جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين وذلك جائز بالإجماع بل واجب صونًا للشريعة».اهـ.

وقد قال أبو علي الدقاق رحمه الله: «الساكت عن الحق شيطان أخرس».

وروى البيهقي([5]) عن رسول الله ﷺ: «حتَّى متى ترِعُون عن ذكرِ الفاجرِ اذكروه بما فيه ليحذره الناس».

من هنا فقد اتصلت بقناة الجزيرة وطلبت منهم مناظرة مع القرضاوي فطلبوا مني النقاط التي أريد أن أنظر فيها فأرسلتها فلم يردوا إلى الآن جوابًا.

ثم راح كثير من المستمعين يردون عليه عبر الأقنية الفضائية فصار يرد عليهم هو وتابعه المذيع المدعو ماهر عبد الله بأسلوب فيه شتائم وقد طلبه للمناظرة الشيخ جميل حليم رئيس جمعية المشايخ الصوفية في لبنان فرفض وتهرب، وهو القرضاوي نفسه طلب أن من أراد أن يرد فليرد بكتاب لا يريد المناظرة العلنية لئلا يفتضح أمام ملايين المشاهدين، وها نحن نقدم هذا الكتاب لنري القارئ المنصف أننا لا نفتري على القرضاوي كما زعم لما واجهه بعض المشاهدين بفضائحه وفدائحه وها نحن نبيّن ضلالاته موثقة بطريقة منهجية علمية بفضل الله تعالى.

وقد ذهلنا لما راجعنا بعض كتبه فوجدناه ينسب الحد والجهة والجسم والحلول لله تعالى ويسب بعض الأنبياء فيتهم سيدنا محمدًا ﷺ بالتشويش، ويصف سيدنا موسى بالعناد، ويتهم سيدنا هارون بأنه سكت عن الشرك، وامتدح حزب الإخوان وحزب التحرير وامتدح سيد قطب، وكفَّر المسلمين حاكمًا ومحكومًا؛ لأنهم يحكمون بالقانون. فانظر إلى هذا التحكم والتجرؤ على دين الله تعالى، وكذلك كفّر الزاهدين، وأنكر الإجماع، وحرم تقليد المذاهب، وادعى الاجتهاد، وذم الفقه الإسلامي ذمًّا شديدًا، ودعا إلى فقه جديد سماه فقه المرحلة وهو في الحقيقة «منهج حزب الإخوان»، وأباح أكل لحم الخنزير وبيعه وأباح بيع الخمر، وجاهر بعقيدة المعتزلة في القدر، وامتدح اليهود وأجاز إعطاء فقرائهم من الزكاة، وأجاز للمرأة الكتابية التي أسلمت أن تبقى تحت زوجها الكتابي، وأباح للجندي المسلم الغدر والخيانة.

هذا وقد رد عليه نحو ثلاثين شخصًا منهم محدثون وعلماء وأساتذة جامعات ومستشارون ومشايخ وشعراء وما يسمّى مرجعيات عنده أفردنا لهم ثبتًا خاصًّا في هذا الكتاب.

لذا؛ فإننا نتوجه إلى دولة قطر وإلى حكامها وشعبها أن ينبذوا هذا الرجل الموبوء الضال المضل وأن لا يمكنوه من منابر الإعلام ولا سيما قناة الجزيرة التي تدعو إلى ممارسة الديموقراطية، ولكنها للأسف أثبتت أنها طرف مع القرضاوي وكان لزامًا عليها أن تدعوه إلى مناظرة جادة وهادفة مع خصومه أو أن تنحيه؛ لأنه يضيق صدره بالمشاهدين الرادّين عليه ويتهرب منهم.

كيف تؤوي دولة كقطر إنسانًا يمتدح ويمجد الإرهابيين ويقول عن الذين سفكوا الدماء في العالم العربي إنهم غيورون وإنهم إخواننا، ويقول في الإمارات داعيًا: «اللَّهُمَّ انصر إخواننا المجاهدين في مصر والجزائر وأفغانستان».

فجعل أكبر مجرمي هذا العصر مجاهدين، نأمل من أمير قطر أن يعيد النظر بوجود هذا الوباء الخطير والشر المستطير قبل خراب أكبر من هذا.

ولا يكفي القرضاوي فساده فيما زعم وقال؛ بل زاد في التطاول وحرم الصلاة في المسجد الأقصى على المسلمين مستثنيًا فلسطيْنيي الداخل كما ورد في مجلة الخليج عدد (7032) فمن أين أتى بهذا الحكم؟ ومن أين أتى بهذا الاستثناء؟ أقول نحن لا نشجع الذهاب إلى الأرض المحتلة تحت الاحتلال الصهيوني ولكن لو ذهب أحد المسلمين فلمَ يحرم عليه القرضاوي الصلاة في المسجد الأقصى رغم ما ورد من أن ثواب المصلي فيه يضاعف إلى خمسمائة صلاة، وحديث: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد…» وعدَّ منها المسجد الأقصى، ثم ألم يصلّ النبي عليه الصلاة والسلام في المسجد الأقصى ليلة المعراج؟ صلى بالنبيين إمامًا ولم يكن بيت المقدس بيد المسلمين يومها ثم ألم يدخل النبي عليه الصلاة والسلام بعد الحديبية مكة هو ومن معه من المسلمين واعتمروا وصلوا بالبيت تحت سيوف وأسنة وحراب كفار قريش، وكانت مكة يومها دار حرب قبل الفتح؟ فمن أين لك هذا التحريم بعد هذه النصوص؟

وأدعو علماء المسلمين ومشايخهم ومثقفيهم وطلبة العلم وأولي الأمر أن يتصدوا للرد على القرضاوي ولأمثاله ممن نصَّبوا أنفسهم على رقاب الأمة زورًا وبهتانًا، ونسأل الله تعالى أن يقينا شره وأن يعيذنا منه ومن أمثاله وءاخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

([1]) من تناقضات القرضاوي أنه ذكر في مجلة الخليج العدد (7032) ليس لي أي علاقة تنظيمية من أي نوع لا في جماعة الإخوان ولا في مكتب الإرشاد ولا في مجلس شورى معين ولا تنظيم دولي ولا بنوك ولا غيره.

ثم يقول في مجلة الأهرام العربي (انظر عدد/95) بعد اتهام (إخوان قطر) بحادثة الأقصر قال: «ربما أكون أبرز من يمثلهم في قطر لكنني أدين العنف».اهـ.

([2]) وقال في نفس المجلة العدد/95: «نعم أنا أساهم في بنوك إسلامية»، ونشرت السفير الجمعة 16/8/91 أسماء حزب الإخوان المساهمين في البنك المسمّى بنك التقوى في جزر البهامس وعدّت منهم القرضاوي.

([3]) شرح علل الترمذي (1/348).

([4]) شرح صحيح مسلم (16/142).

([5]) سنن البيهقي (10/210)، وانظر: مجمع الزوائد، للهيثمي (1/149).