الحمد لله الذي تفرد بالوحدانية فلا له ثان، وفرق بين الحق والباطل وعلم كل قاص ودان، وألهم من ألهم من العلماء لجواب السؤال بلا توان، ومنحهم أسباب النوال وبلغهم الأمان، أحمده سبحانه وتعالى على أن وفقني للخير وهدان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الباقي وكل من على الأرض فان، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله النبي العربي القرشي من ولد عدنان، صلى الله عليه وعلى ءاله وأصحابه الذين شيدوا من الدين أمتن مبان، وأظهروا الشريعة الغراء ووضحوا ما فيها من معان، وعلى من تبعهم وسلك سبلهم وطريقتهم من كل عزيز وقوي وعان، صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين ما دامت الجبال والوديان، وعدد ما قرئ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)
وبعد فإن الفتوى من أهم ما به يعتنى، وأجل ثمر يقتطف ويجتنى، لكونها من فروض الكفايات، ولعدم الاستغناء عنها في وقت من الأوقات، ولم يزل العلماء الأعلام المفتون يقيدون ما يقع لهم من الأسئلة والأجوبة ويجمعون، ومن كتب ما وقع له في لياليه وأيامه فقد كتب كتابًا إلى من يأتي بعده بحوادث دهره وأعوامه، ومن قيد ما رأى وشاهد في أوقاته ودهره فقد أشهد أحوال عصره لمن لم يكن في عصره، ولقد أفادنا الماضون قبلنا بالأخبار، وأطلعونا على ما اندثر وبقي من الآثار، فأبصرنا ما لم نشاهده بالأبصار، وأحطنا بما لم نحط به خبرًا من الأخبار، فرحمنا الله تعالى ورحمهم أجمعين، وبوأنا وإياهم جنات عدن فيها خالدين، فلقد غرسوا حتى أكلنا، وإنا لنغرس حتى يأكل من بعدنا، ويستفيدوا مما رأينا وشاهدنا، ويعلموا ما شهدنا وعهدنا.
ثم إن الناس لهم في الفنون مراتب ومقامات، وقد رفع الله بعضهم فوق بعض درجات، وما ذاك إلا فضل من المولى الكريم المتعال، يؤتيه من يشاء من عباده ويكسوه ثوب الإجلال، ولقد اهتم العلماء في جميع وقائع المسائل غاية الاهتمام، واجتهدوا في حفظها لينتفع بها من بعدهم من الأنام، حتى صارت كتبًا عديدةً يرجع إليها، ودواوين فريدةً يعتمد عليها، وبراهين غزيرةً يتمسك بها، لما فيها من المسائل النادرة الحصول، والفروع الشاردة المنزلة على الأصول، فهي لا تكاد توجد مسطرةً إلا على الندور، ولا يوجد مثلها في الكتب المبسوطة غالبًا إلا في العتور، وقلوب أهل هذا الزمن مائلة إليها، ومعولة بغيةً في الجواب عليها.
ولقد أكرمني الله عز وجل بسماع ما في هذا المجموع وتلقيه من ولي الله الكبير، والعلم النحرير الشهير، علامة الدنيا وحافظ الزمان، أشعري ورفاعي وشافعي الأوان، إمام أهل السنة والجماعة في عصره، وشيخ الصوفية الصادقين في وقته، الزاهد العالم التقي، والعابد الهمام النقي، أسد الشريعة وسيف القوم المجتهد، ركن الإسلام وعمدة المفتين المجدد، النحوي اللغوي الأصولي المحقق، المفسر البحر الحبر المدقق، سيدنا ومولانا وشيخنا وقدوتنا، وملاذنا ومرجعنا ومفزعنا وعمدتنا، حبيب قلوبنا وقرة عيوننا، أبي عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن يوسف بن جامع الهرري العبدري الشيبي الحبشي رضي الله تعالى عنه وأرضاه وأمدنا بأمداده، ورحمه ربنا رحمةً واسعةً وأفاض علينا من بركاته ونفحاته.
وقد من الله الكريم العزيز المنعم علي بأن جمعت ما دونته في الصحف والدفاتر، وهو من أعظم الكنوز وأحسن الذخائر، كتبتها عن الشيخ الإمام الهرري في نحو أربع وثلاثين سنةً أعني منذ سنة 1974 بعد السنين الرومية الموافق لسنة 1399-1400 بالسنين الهجرية إلى ءاخر حياته رضي الله عنه سنة 2008م / 1429هـ.
وقد قال لي غفر الله لي وله مؤكدًا علي أمر تلقي الناس هذه الدفاتر بالمشافهة إن أديت منها ما كتبته عنه فيها: “لا يأخذها الناس إلا أن يقرؤوها عليك”.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل مقبولًا وينفع به ءامين.
سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وءاله وأصحابه وأزواجه وذريته والتابعين بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا.
خادم دين الله
نبيل بن محمد الشريف