الأحد ديسمبر 22, 2024

المقدمة

بقلم د. أحمد حمود

الحمد لله القادر التواب، الذي أنزل على عبده الكتاب، والصلاة والسلام على محمد والأصحاب، وءاله الأنجاب، والتابعين بإحسان إلى يوم الحساب.

أما بعد،

يقول الله تعالى: {الحمدُ للهِ الذي أنزلَ على عبدِهِ الكتابَ ولمْ يجعَلْ لهُ عِوَجًا} [سورة الكهف/1].

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قرأَ حرفًا من كتابِ الله فلهُ بهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعَشْرِ أمثالِها، لا أقولُ (ألم) حرفٌ، ولكنْ ألِفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ” أخرجهُ الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب.

فانظروا رحمكم الله إلى هذا الفضل العظيم للقرءان الكريم، وكيف لا يكون هذا وهو خير ما أنزل الله على الإطلاق، لذلك واغتنامًا لهذا الجزاء الموعود والفضل المنشود، أراد فضيلة الشيخ الدكتور أن يحوز ذلك الشرف كتابه هذا، فخصصه لتناول جزء من أجزاء القرءان الثلاثين وهو جزء تبارك. وقد ضمنهُ تفسير أهل الحق بعد تحريره على مولانا المحدث العلامة والحافظ الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله.

وإن هذا الجزء ليشتمل على 11 سورة هي: الملك والقلم والحاقة والمعارج ونوج والجن والمزمل والمدثر والقيامة والإنسان والمرسلات.

وقد أحبّ فضيلة الشيخ جميل في بداية الكتاب أن يسرد لكم بعض فضائل هذه السور أو ما جاء في أسباب نزولها على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو ما جاء فيها من حديث المصطفى عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم.

*سورة الملك

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن سورة من القرءان ثلاثون ءاية شفعت لرجل حتى غفر له وهي: تبارك الذي بيده الملك“. رواهُ الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ سورة السجدة وسورة تبارك، كما في مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي.

وقد روى الطبراني عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سورة في القرءان خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة: تبارك الذي بيده الملك“.

وقال الترمذي: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا يحيى بن مالك النكري عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “يا رسول الله ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا إنسان يقرأ سورة الملك “تبارك” حتى ختمها) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر“.

وروى الترمذي أيضًا من طريق ليث بن أبي سليم عن أبي الزبير عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ “ألم تنزيل” سورة السجدة و”تبارك الذي بيده الملك”.

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الحسين بن عجلان الأصبهاني، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي” يعني “تبارك الذي بيده الملك”.

وعن إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال لرجل: ألا أتحفك بحديث تفرح به؟ قال: بلى، قال: اقرأ {تبارك الذي بيدِهِ المُلكُ} وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك، فإنها المنجية والمجادلة، تجادل –أو تخاصم- يوم القيامة عند ربها لقارئها (1)، وتطلب له أن ينجيه من عذاب النار، وينجي بها صاحبها من عذاب القبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي” (2).

*سورة القلم

قال تعالى: {وإنَّكَ لعَلى خُلُقٍ عظيمٍ} [سورة القلم/4].

عن عائشة قالت: ما كان أحد أحسن خلقًا من رسول الله، ما دعاهُ أحدٌ من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال: “لبيك” ولذلك أنزل الله: {وإنكَ لعلى خُلُقٍ عظيم}.

وقال تعالى: {وإن يكادُ الذينَ كفروا ليُزلِقُونَكَ بأبصارِهِم لمَّا سمِعُوا الذكرَ ويقُولونَ _______________

  • أي يوم الحساب، فالله موجود بلا جهة ولا مكان.
  • الطبراني، المعجم الكبير، 11/241.

إنهُ لَمَجنونٌ} [سورة القلم/51]. نزلت حين أراد الكفار أن يعينوا رسول الله فيصبوه بالعين، فنظر إليه قوم من قريش فقالوا: “ما رأينا مثله ولا مثل حجه” وكانت العين في بني أسد حتى إن كانت الناقة السمنة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعينها ثم يقول: “يا جارية خذي المكتل والدرهم فاتينا بلحم من لحم هذه” فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر، وقال الكلبي: كان رجل يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة ثم يرفع جانب خبائه فتمر به النعم فيقول: “ما رعى اليوم إبل ولا غنم أحسن من هذه” فما تذهب إلا قريبًا حتى يسقط منها طائفة وعدة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله بالعين ويفعل به مثل ذلك فعصم الله تعالى نبيه وأنزل هذه الآية.

*سورة الحاقة

روى أحمد بن حنبل أن عمر بن الخطابب قال: خرجت يومًا بمكة أتعرض لرسول الله قبل أن أُسلِم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد الحرام، فوقفت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرءان (1) فقلت –أي قلت في خاطري-: (هذا والله شاعر) فقرأ: {وما هُوَ بقولِ شاعرٍ قليلاً ما تُؤمِنون} [سورة الحاقة/41]، قلت: (كاهن) فقرأ: {ولا بِقولِ كاهِنٍ قليلاً ما تَذَكَّرونَ} إلى ءاخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كلّ موقع.

وفي كتاب (الحاوي في تفسير القرءان الكريم) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من قرأ سورة الحاقة حاسبه الله حسابًا يسيرًا” رواهُ الثعلبيّ من حديث سلام بن سليم… فذكرهُ، ورواهُ ابن مردويه في تفسيره بسنديه في ءال عمران، ورواهُ الواحدي في تفسيره الوسيط بسندهِ في يونس اهـ.

*سورة المعارج

سميت بهذا الاسم لأنها تشتمل على وصف حالة الملائكة في عروجها إلى السماء.

قال تعالى: {سألَ سائل بعذابٍ واقعٍ} [سورة المعارج/1] وقد نزلت في النضر بن الحارث الذي قال: “اللهمَّ إن كان ما يقول محمد هو الحق من عندك فأمطرْ علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم” فأُسر يوم بدر، فقتل صبرًا هو وعقبة. دعا على نفسه وسأل العذاب فنزل به ما سأل.

 

________________

  • أي من ترتيبه وتناسقه وفصاحته، وهو ليس من تأليف مخلوق.

قال مجد الدين الفيوزآبادي:

فضل السورة: فيه حديث أُبي الضعيف: “من قرأها أعطاه الله تعالى ثواب الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، والذين هم على صلاتهم يحافظون“.

وقد جاء في كتاب “الحاوي في تفسير القرءان الكريم”:

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ سورة سأل سائل أعطاهُ الله ثواب الذين هم لأماناتِهم وعهدهم راعُون” رواهُ الثعلبي: أخبرني محمد بن القاسم ثنا اسماعيل بن نجيد ثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد ثنا سعيد بن حفص قال: قرأت على معقل بن عبيد الله عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جُبير عن ابن عباسس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ سورة (سألَ سائل) أعطاهُ الله ثواب الذين هم لأماناتِهِم وعهدهم راعُون والذينَ هم على صلاتهم يُحافظون” انتهى، ورواهُ ابن مردويه في تفسيره بسنديه في ءال عمران ولفظ الثعلبي وكذلك رواهُ الواحدي في الوسيط بسندهِ في يونس ومتن الثعلبي. اهـ.

*سورة نوح

سميت بهذا الاسم لأنها خُصّت بذكر قصة نوح منذ بداية الدعوة حتى الطوفان وهلاك المكذبين. وعن عمر رضي الله عنه أنه خرج يستسقي فما زاد على الاستغفار فقيل لهُ “ما رأيناك استسقيت” فقال “لقد استسْقيتُ بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر” رواهُ عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما في الاستسقاء والطبراني في كتاب الدعاء لهُ والبيهقي في سننه والطبري والثعلبي في تفسيريهما كلهم من حديث سفيان بن عُيينة عن مطرف عن الشعبي أن عمر خرج يستسقي… إلى ءاخره وزادوا ثم قرأ {فقُلتُ استَغفروا ربَّكُم إنهُ كانَ غفَّارًا} [سورة نوح/10] وكذلك رواهُ الواحدي في تفسيرهِ الوسيط. قال النووي في الخلاصة: إسناده صحيح لكنهُ مرسل فإن الشعبي لم يدرك عمر. انتهى.

وروي: “من قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذينَ تُدرِكُهُم دعوة نوح” رواهُ الثعلبي: أخبرني محمد بن القاسم ثنا محمد بن محمد بن شادّة ثنا أحمد بن محمد بن الحسن ثنا محمد بن يحيى ثنا سلم بن قُتيبة عن سعيد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حُبيش عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم…. فذكره، ورواهُ ابن مردويه في تفسيره بسنديه في ءال عمران، ورواهُ الواحدي في الوسيط بسندِ يونُس. اهـ.

*سورة الجن

قال ابن عاشور: سُميت في كتاب التفسير وفي المصاحف التي رأيناها ومنها الكوفي المكتوب بالقيروان في القرن الخامس (سورة الجن). وكذلك ترجمها الترمذي في كتاب التفسير من (جامعه)، وترجمها البخاري في كتاب التفسير (سورة: قل أوحي إليّ). ويظهر أنها نزلت في حدود سنة عشر من البعثة. ففي (الصحيحين) و(جامع الترمذي) من حديث أبي عباس أنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ بنخلة وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر وأنه استمع فريق من الجن إلى قراءته فرجعوا إلى طائفتهم فقالوا: {إنَّا سمِعْنا قُرءانًا عَجَبًا} [سورة الجن/1]، وأنزل الله على نبيه: {قُلْ أوحيَ إليَّ أنهُ استَمَعَ نفرٌ منَ الجنِّ فقالوا إنَّا سمِعنا قُرءانًا عَجَبًا} [سورة الجن/1].

وذكر ابن إسحاق أن نزول هذه السورة كان بعد سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يطلب النصرة من ثقيف، أي وذلك يكون في سنة عشر بعد البعثة وسنة ثلاث قبل الهجرة.

وجاء في كتاب: الحاوي في تفسير القرءان الكريم:

قال مجد الدين الفيروزآبادي:

فضل السورة: عن أُبي: “من قرأها أعطيَ بعدد كل جِنّ وشيطان صدّق بمحمد وكذّب به، عِتق رقبة”.

وعن علي: “من قرأها لا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة، وله بكل ءايةٍ قرأها ثوابُ الزاهدين” اهـ.

*سورة المزمل

قال تعالى: {فاقْرءوا في الأرضِ منهُ} [سورة المزمل/20].

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن سعيد بن فرقد الجدي: حدثنا أبو حمة محمد بن يوسف الزبيدي: حدثنا عبد الرحمن بن طاوس، من ولد طاوس، عن محمد بن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: {فاقرَءُوا في الأرضِ منهُ} قال: “مائة ءاية”.

*سورة المدثر

عن أبي إسحاق بن إبراهيم المقرئ قال: أخبرنا عبد الملك بن الوليد قال: أخبرني أبي أخبرنا الأوزاعي أخبرنا يحيى بن أبي كثير قال: سمعت أبا سلمة عن جابر قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “جاورت بِحِراءَ شهرًا فلما قضيت جواري نزلتُ فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدًا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء –يعني جبريل عليه السلام- فقلت: دثروني دثروني فصبوا علي ماء، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها المُدَّثر* قُمْ فأنْذِرْ} (1).

قوله تعالى: {ذَرني ومَنْ خلقْتُ وحيدًا} [سورة المدثر/11].

أخبرنا أبو القاسم الجذامي أخبرنا محمد بن عبد الله بن نعيم أخبرنا محمد بن علي الصغاني أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرءان وكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فقال له: “يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ليعطوكه فإنك أتيت محمدًا تتعرض لما قبله” فقال: “قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً” قال: “فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له وكاره” قال: “وماذا أقول! فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزها وبقصيدها مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يُعلى” قال: “لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه” قال: “فدعني حتى أفكر فيه” فقال: “هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره” فنزلت: “ذَرني ومَنْ خلَقْتُ وحيدًا} الآيات كلها.

وقال مجاهد: إن الوليد بن المغيرة كان يغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه حتى حسبت قريش أنه يسلم فقال له أبو جهل: “إن قريشًا تزعم أنك إنما تأتي محمدًا وابن أبي قحافة تصيب من طعامهما” فقال الوليد لقريش: “إنكم ذوو أحساب وذوو أحلام وإنكم تزعمون أن محمدًا مجنون وهل رأيتموه يتكهن قط” قالوا: “اللهم لا” قال: “تزعمون أنه شاعر هل رأيتموه ينطق بشعر قط” قالوا: “لا” قال: “فتزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئًا من الكذب” قالوا: “لا” قالت قريش للوليد: “فما هو؟” قال: “فما هو إلا ساحر وما بقوله سحر” فذلك قوله: {إنهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ* فقُتلَ كيفَ قدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كيفَ قدَّر* ثمَّ عبسَ وبَسَرَ* ثمَّ أدبرَ واسْتَكبرَ* فقالَ إنْ هذا إلا سحرٌ يُؤْثَر} [سورة المدثر/18-19-20-21-22-23-24].

وقال مقاتل: (معظم هذه السورة في الوليد بن المغيرة).

 

______________

  • مسند أحمد بن حنبل، 10/154.

وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي: “فبينما أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسًا على كرسي بين السماء والأرض” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فجئت منهُ فرقًا (1)، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فدثروني” فأنزل الله تعالى: {يا أيها المُدَّثر* قُمْ فأنْذِر* وربَّكَ فكَبِّرْ* وثيابَكَ فطَهِّر* والرُّجزَ فاهْجُرْ} [سورة المدثر/1-2-3-4-5]. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

قال مسلم: وحدثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعي قال: سمعت يحيى يقول: سألت أبا سلمة: “أيّ القرءان أنزل قبل) قال: {يا أيُّها المُدَّثر} فقلت: أو (اقرأ) فقال: سألت جابر بن عبد الله (أي القرءان أنزل قبل) قال: {يا أيها المدثر} فقلت: (أو اقرأ) فقال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “جاورت بحراء شهرًا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدًا، ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء –يعني جبريل- فأخذتني رجفة شديدة، فأتيت خديجة فقلت (دثروني فدثروني) فصبوا علي ماء، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها المدثر* قُم فأنذر* وربكَ فكَبِّر* وثيابكَ فطهِّر}”. أخرجه البخاري.

وقال القشيري أبو النصر: وقيل بلغه قول كفار مكة “أنت ساحر” فوجد من ذلك غمًا وحم، فتدثر بثيابه، فقال الله تعالى: {قُمْ فأنذر} أي لا تفكر في قولهم وبلغهم الرسالة.

وقيل: اجتمع أبو لهب وأبو سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل ومطعم بن عدي وقالوا: “قد اجتمعت وفود العرب في أيام الحج، وهم يتساءلون عن أمر محمد، وقد اختلفتم في الإخبار عنه، فمن قائل يقول: مجنون، وءاخر يقول: كاهن، وءاخر يقول: شاعر، وتعلم العرب أن هذا كله لا يجتمع في رجل واحد، فسموا محمدًا باسم واحد يجتمعون عليه، وتسميه العرب به، فقام منهم رجل فقال: شاعر، فقال الوليد: سمعت كلام ابن الأبرص، وأمية بن أبي الصلت، وما يشبه كلام محمد كلام واحد منهما، فقالوا: كاهن، فقال: الكاهن يصدق ويكذب وما كذب محمد قط، فقال ءاخر فقال: مجنون، فقال الوليد: المجنون يخنق

 

__________________

  • هنا المراد به الخوف الطبيعي وليس جبنًا.

الناس وما خنق محمد قط، وانصرف الوليد إلى بيته، فقالوا: صبأ الوليد بن المغيرة، فدخل عليه أبو جهل وقال: ما لك يا أبا عبد شمس! هذه قريش تجمع لك شيئًا يعطونكه، زعموا أنك قد احتجت وصبأت. فقال الوليد: ما لي إلى ذلك حاجة، ولكني فكرت في محمد، فقلت: ما يكون من الساحر؟ فقيل: يفرق بين الأب وابنه، وبين الأخ وأخيه، وبين المرأة وزوجها، فقلت: إنه ساحر. شاع هذا في الناس وصاحوا يقولون: إن محمدًا ساحر. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته محزونًا فتدثر بقطيفة، ونزلت: {يا أيها المدثر}.

*سورة القيامة

سُميت بهذا الاسم لأنها ذكرت بوجه خاص القيامة وأهوالها والساعة وشدائدها، وعن حالة الإنسان عن الاحتضار وما يلقاه الكافر في الآخرة من المصاعب والمتاعب، وسُميت أيضًا: لا أقسم.

قال تعالى: {أيَحْسَبُ الإنسانُ ألَّن نجمَعَ عِظامَهُ} [سورة القيامة/3].

نزلت في عمر بن ربيعة وذلك أنه أتى النبي فقال: “حدثني عن يوم القيامة متى يكون وكيف أمرها وحالها” فأخبره النبي بذلك، فقال: “لو عانيت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أؤمن به أو يجمع الله هذه العظام” فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال تعالى: {لا تُحَرِّكْ بهِ لسانَكَ لِتَعْجَلَ به} [سورة القيامة/16].

وروى البخاري عن ابن عباس قال: كان النبي إذا نزل عليه الوحي حرك به لسانه، وصف سفيان يريد أن يحفظه فأنزل الله: {لا تُحرِّكْ بهِ لسانَكَ لتَعْجَلَ بهِ}.

وقد أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله {وجوهٌ يومئذٍ ناضِرةٌ* إلى ربِّها ناظِرةٌ} [سورة القيامة/22-23]، قال: “ينظرون إلى ربهم بلا كيفية ولا حدٍّ، يرونهُ بلا جهةٍ ولا مقابلةٍ ولا كيفٍ ولا مكانٍ، هم يكونون في الجنة، وهو سبحانهُ موجودٌ أزلاً وأبدًا بلا مكان“.

*سورة الإنسان

سميت في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (سورة هل أتى على الإنسان) روى البخاري في باب القراءة في الفجر من (صحيحه) عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر بـ{الم} [سورة السجدة/1] و{هل أتى على الإنسانِ حينٌ منَ الدهرِ لَمْ يَكُن شيئًا مذكورًا} [سورة الإنسان/1].

*سورة المرسلات

قال ابن عاشور:

في حديث عبد الله بن مسعود في الصحيحين قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غارٍ إذ نزلت عليه سورة {والمُرْسَلاتِ عُرْفًا} فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيهِ وإن فاه لَرَطْبٌ بها إذْ خرجت علينا حية. الحديث.

وفي الصحيح عن ابن عباس قال: قرأت سورة {والمُرْسَلاتِ عُرفًا} فسمعتني أم الفضل (امرأةُ العباس) فبكت وقالت: بُنَيّ أذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخرُ ما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في صلاة المغرب.

وروى أبو داود عن ابن مسعود: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ النظائر السورتين في ركعة: (الرحمن) و(النجم) في ركعة، و(اقتربت) و(الحاقة) في ركعة، ثم قال: و(عمّ يتساءلون) و(المرسلات) في ركعة.

وعن ابن مسعود قال: كما مع رسول الله في سفح جبل وهو قائم يصلي وهم قيام قال: إذ مرت به حية فاستيقظنا وهو يقول: “منعها منكم الذي منعكم منها” وأنزلت عليه {والمُرْسَلاتِ عُرفًا* فالعاصِفاتِ عَصفًا} فأخذتها وهي رطبة بفيه، أو فوه رطب بها. رواه أحمد.

فتفكروا بجوابه صلى الله عليه وسلم يقول: “شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت” وهو مغفور الذنب، وقد أمن العذاب ولا خوف عليه ولا هو يحزن ومع ذلك من شدة ورعه وخوفه من ربه يقول: “شيبتني” ثم يعد تلك السور، فهلم بنا نستعرض معاني كتاب الله تعالى ونستحضر الورع والمخافة من الله ونستنير بتفسير جزء تبارك كما حرره الشيخ جميل على سيدنا وشيخنا الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله وغفر له.