التجسيم في فكر بعض المحدّثين
من المعروف أن كتب الرجال وبيان حال الرواة ومصنفات المحدثين تشهد بأنّ في رواة الحديث مَنْ حُكِمَ عليهم بالبدعة ومخالفة السّنة، وحالهم كان معروفًا فلا يؤخذ منهم ما يخالف الشرع.
وكما هو معلوم فإنَّ أهل الحديث هم مَنْ يُعنَى برواية الحديث ودرايته، والسواد الأعظم هم من أهل السّنة والجماعة إلا من شذّ وضلّ، فمن أهل التنزيه من يجاهر بتنـزيه الله عزَّ وجلَّ باختيار مذهب التأويل الإجماليّ أو التأويل التفصيليّ في المتشابه، وعلى رأس هؤلاء من المحدّثين إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه الذي كان ينهى عن التحديث بالأحاديث التي توهم التشبيه وتشكل في المعنى([1])ـ لمن يخشى عليه الوهم ـ، مثل الحديث الذي جاء في صورة آدم عليه السلام، وكان ينكر ذلك إنكارًا شديدًا كما في سير أعلام النبلاء للذهبيّ([2]).
ومن أصحاب هذا الموقف الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه الذي ثبت عنه التأويل التفصيليّ، ومن أصحاب هذا الموقف من حكينا عنهم كابن الجوزي والنووي اختيار التأويل الإجماليّ الذي يعدُّه ابن تيمية ـ الذي شذَّ ـ من شرّ أقوال أهل البدع كما سبق.
ومنهم أيضًا من نصَّ على اختيار وجه من وجوه التأويل في أحد الأحاديث كما سبق، فلولا أنه رأى ما يقتضيه الحمل على الظاهر من مخالفة أدلة التنـزيه ما اختار التأويل، وهؤلاء الذين ساروا على نهج الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل هم الجديرون بالانتساب إلى الحديث الشريف.
وهناك قلة ممن يُثبِت بعض الأخبار الواهية المنكرة التي لا تكاد تحتمل التأويل، ومن هذا الفريق من ألَّف وجمع من هذه الأحاديث والأخبار التي يسمونها أخبار الصفات، وعلى هؤلاء العمدة في تقرير ما يسميه المشبهة اليوم بعقيدة السلف، والسّلف الصالح بريء من عقيدة التجسيم.
وهنا نشير إلى بعض المصنَّفات مع المرور على بعض ما فيها لندرك التباين الشاسع جدًّا بين أصحاب الموقف الأول وأصحاب هذا الموقف الذين يتتبَّعون المتشابه.
[1] ) الشفا، القاضي عياض، 2/ 542.
[2] ) سير أعلام النبلاء، الذهبيّ، 5/449.