إِرْشَادُ الأَنَامِ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الصِّيَامِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ خَصَّهَا اللَّهُ بِخَصَائِصَ مِنْهَا مَا وَرَدَ فِى الْحَدِيثِ الْقُدْسِىِّ الَّذِى أَخْرَجَهُ الْبُخَارِىُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى »كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصِّيَامُ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ».
فُرِضَ صِيَامُ رَمَضَانَ فِى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِلْهِجْرَةِ وَقَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سَنَوَاتٍ تُوُفِّىَ بَعْدَهَا.
وَصِيَامُ رَمَضَانَ وُجُوبُهُ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَمَنْ جَحَدَ فَرْضِيَّتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالإِسْلامِ أَوْ نَحْوَهُ كَمَنْ نَشَأَ فِى بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْعُلَمَاءِ أَمَّا مَنْ أَفْطَرَ فِى رَمَضَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِىٍّ وَهُوَ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ فَلا يَكْفُرُ بَلْ يَكُونُ عَاصِيًا وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الأَيَّامِ الَّتِى أَفْطَرَ فِيهَا.
وَالصِّيَامُ لُغَةً الإِمْسَاكُ وَشَرْعًا الإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفَطِّرَاتِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْفَجْرِ حَتَّى الْمَغْرِبِ مَعَ النِّيَّةِ الْمُبَيَّتَةِ بِالْقَلْبِ.
وَالأَصْلُ فِى وُجُوبِ صِيَامِ رَمَضَانَ قَبْلَ الإِجْمَاعِ ءَايَةُ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »بُنِىَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ» رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ.
وَتَجِبُ مُرَاقَبَةُ هِلالِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِأَنَّهُ يَجِبُ صِيَامُهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ
(1) إِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ يَوْمًا.
(2) رُؤْيَةِ هِلالِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ يَوْمًا» رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ.
فَمَنْ رَأَى هِلالَ رَمَضَانَ صَامَ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ وَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ عَدْلٌ حُرٌّ غَيْرُ كَاذِبٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ »أَخْبَرْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّى رَأَيْتُ الْهِلالَ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَيَجُوزُ لِمَنْ أَخْبَرَهُ صَبِىٌّ أَوْ فَاسِقٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ عَبْدٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلالِ الصَّوْمُ إِنْ وَثِقَ بِهِ وَإِلَّا أَكْمَلَ عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ يَوْمًا. فَإِذَا أَثْبَتَ الْقَاضِى الصَّوْمَ وَجَبَ الصِّيَامُ عَلَى أَهْلِ بَلَدِ الإِثْبَاتِ وَسَائِرِ أَهْلِ الْبِلادِ الْقَرِيبَةِ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ بِاتِّحَادِ الْمَطَالِعِ أَىِ الشُّرُوقِ وَالْغُرُوبِ لا مَنْ خَالَفَ مَطْلَعُهُمُ مَطْلَعَهَا وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِىِّ أَمَّا عِنْدَ أَبِى حَنِيفَةَ فَيَجِبُ الصِّيَامُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ عَلِمُوا ثُبُوتَ الصِّيَامِ فِى بَلَدٍ مَا مَهْمَا بَعُدَتْ تِلْكَ الْبِلادُ عَنِ الْبَلَدِ الَّذِى ثَبَتَتْ فِيهِ الرُّؤْيَةُ فَيَجِبُ عِنْدَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ الأَقْصَى إِذَا عَلِمُوا بِثُبُوتِ الصِّيَامِ فِى الْمَشْرِقِ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ.