الخميس نوفمبر 21, 2024

التنظيم النسائي السري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المنزه عن التشبيه والمثيل والنظير القائل في كتابه: {ليسَ كمثله شيءٌ وهو السميع البصير} نحمده على أن ألهمنا العمل بالكتاب والسنة وامتثال قوله عز من قائل: {كنتم خير أمةٍ أخرِجَت للناس تأمُرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} ولما كان أكبر المنكرات هو الكفر والعياذ بالله منه لأنه يؤدي بصاحبه إلى الخلود الأبدي في النار كان من الضروري لنا أن نبيّن للناس حال هذه الفرقة التي انتشر شررها في الآفاق فبثت الكفر والضلال في نواح شتى من بقاع الأرض.

والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.

 

مقدمة المؤلف

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.

وبعد، فإن الله تعالى يقول: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [سورة ءال عمران].

وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [1]: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”.

دعانا الشرع الكريم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى إبطال الباطل وإحقاق الحق، ولقد كثر المفتون اليوم في الدين بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وزاد الانحراف وامتدّ، لذلك كان لا بد من تأليف مؤلف لبيان الحق من الباطل والصحيح من الزائف.

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حذّر ممن غشّ في الطعام [2]، وثبت عنه أيضًا أنه قال في رجلين كانا يعيشان بين المسلمين: “ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا” [3].

وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال للخطيب الذي قال: “من يُطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى”: “بئس الخطيبُ أنت” [4] وذلك لأنه جمع بين الله والرسول بضمير واحد، فقال له: “قل ومن يعص الله ورسوله” فلم يسكت عن هذا الأمر الخفيف الذي ليس فيه كفر وإشراك وإنما هو مكروه، فكيف يُسكت عمن يحرف الدين وينشر ذلك بين الناس، فهذا أجدر بالتحذير والتنفير منه.

وليس ذكرنا لبعض المنحرفين في هذا الكتاب من الغيبة المحرمة إنما هو من التحذير الواجب، فقد ثبت أن فاطمة بنت قيس قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله إنه خطبني معاوية وأبو جهم”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة” [5]. فإذا كان الرسول حذر فاطمة من الزواج بهما لهذين السببين وذكرهما في خلفهما بما يكرهان لهذين السببين أحدهما: كون معاوية شديد الفقر لا يقوم بحاجتها بأمر النفقة، والثاني: أن أبا جهم يُكثر ضرب النساء فكيف بأناس ادعوا العلم وغشوا الناس وجعلوا الكفر إسلامًا. ولهذا حذر الشافعي من حفص الفرد أمام  جمع وقال له: “لقد كفرت بالله العظيم” [6]، وقال في معاصره حرام بن عثمان –وكان يروي الحديث ويكذب-: “الرواية عن حرام حرام” [7].

وقد جرح الإمام مالك بلديّه ومعاصره محمد بن إسحاق صاحب كتاب المغازي وقال فيه: “كذاب”، وقال الإمام أحمد: “الواقدي ركن الكذب”.

قال أبو حاتم البُستي [8]: فهؤلاء أئمة المسلمين وأهل الورع في الدين أباحوا القدح في المحدثين وبينوا الضعفاء والمتروكين، وأخبروا أن السكوت عنه ليس مما يحل، وأن إبداءه أفضل من الإغضاء عنه، وقد تقدمهم فيه أئمة قبلهم ذكروا بعضهم وحثوا على أخذ العلم عن أهله” ا.هـ.

وقد جرت عادة الفقهاء على تغليط بعضهم إذا غلط، حتى إن إمام الحرمين غلّط أباه في غير مسألة، وأبوه من كبار أصحاب الوجوه في مذهب الإمام الشافعي وهي الطبقة التي تلي الشافعي، ذكر ذلك في طبقات الشافعية منقولًا من مختصر الأسدي [9]. والغرض من ذلك كله حفظ الشريعة، لأنه لولا تجنب الرواة الذين لا يستحقون أن يُروى عنهم لضاع الدين.

ثم اعلم أن العمدة عند أهل الجرح والتعديل [10] كلام المعاصر في معاصره، أما قول بعض الناس: “لا يقبل قول العلماء المتعاصرين بعضهم في بعض”، فهو مردود لأن المعتمد في الجرح والتعديل معاصر الراوي، فإنه إن لم يقبل قول الثقة الذي عرف خبر الراوي وعرف حاله فزكاه أو جرحه فكيف يكون كلام من بعد عصره مقبولًا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس الخبر كالعيان” [11]، ومن أين يُعرف حال الراوي فيُزكى أو يُجرح إذا لم يؤخذ من معاصره الذي خالطه واجتمع به.

فيا للعجب كيف راجت هذه المقالة الشنيعة عند أولئك، وأشنع منها قول: “إن العلماء يغار بعضهم من بعض كالتيوس”.

فعملًا بالنصيحة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بها في حديثه [12]: “الدين النصيحة” قيل: لمن؟ قال: “لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” فإننا نحذر من كتب، ومن بعض ما في كتب، ومن ألفاظ شنيعة شائعة على ألسنة الناس.

[1] رواه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأنا الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان.

[2] رواه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من غشنا ليس منا”.

[3] رواه البخاري في صحيحه: كتاب الأدب: باب ما يجوز من الظن.

[4] رواه مسلم في صحيحه: كتاب الجمعة: باب تخفيف الصلاة والخطبة.

[5] رواه مسلم في صحيحه: كتاب الطلاق: باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، ورواه أحمد في مسنده [6/412].

[6] مناقب الشافعي للبيهقي [1/407].

[7] مع أنه لم يثبت منه في مروياته ما يؤدي إلى الكفر.

[8] المجروحين [1/21].

[9] هذا الكتاب مخطوط.

[10] علم الجرح والتعديل: “هو علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة، وعن مراتب تلك الألفاظ. وهذا العلم من فروع علم رجال الحديث، والكلام في الرجال جرحًا وتعديلًا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، جوز ذلك تورعًا وصونًا للشريعة. وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة. والتثبت في أمر الدين أولى من التثبت في الحقوق والأموال، فلهذا افترضوا على أنفسهم الكلام في ذلك. وأول من جمع في ذلك الإمام يحيى بن سعيد القطان، وتكلّم فيه بعده تلامذته يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، وتلامذتهم كأبي زرعة الدمشقي، وأبي حاتم، والبخاري، ومسلم، والجوزجاني، والنسائي، وابن خزيمة، والترمذي، والدولابي، وابن عدي، والأزدي، والدارقطني، والحاكم وغيرهم. وقد صنفت فيه مصنفات عديدة من أشهرها كتاب الجرح والتعديل للرازي، ولسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني”.

[11] أخرجه الإمام أحمد في مسنده [1/215/271]، وأخرجه البزار كما في كشف الأستار [1/111]، والطبراني في الكبير [12/54]، وعزاه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [1/153] للطبراني في الأوسط وقال: “ورجاله رجال الصحيح”، وأخرجه الحاكم في المستدرك [2/321]، وقال: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه” وأقره الذهبي، وأخرجه ابن حبان في صحيحه، انظر الإحسان [8/32، 33].

[12] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة” ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب بيان أن الدين النصيحة، والترمذي في سننه: كتاب البر والصلة: باب ما جاء في النصيحة، وأحمد في مسنده [2/297].