قال المؤلف رحمه الله: [والمَقتُولُ مَيِّتٌ بأجَلِهِ].
(الشرحُ): أنَّ الأجلَ هو الوقت المُقَدَّرُ لموتِ الميِّتِ فلا يموتُ أحدٌ إلَّا في الوقتِ الذي قدَّرَهُ اللهُ لذلك لا كما زعم بعض المعتزلة أن القاتل قد قطع على المقتول أجلَهُ. ودليلُ أهل الحق على ما قالوا أنَّ الله تعالى قد حكم بآجال العباد على ما علم من غير تردُّدٍ وبأنه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون كما جاء به الكتابُ.
واحتجت المعتزلة بالأحاديث الواردةِ في أنَّ بعض الطاعات يزيد في العمر كحديثِ مَنْ سَرّه أن يُبْسَط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصلْ رَحِمَهُ اهـ. وقالوا أيضًا لو كان ميتًا بأجله لما استحق القاتل ذمًّا ولا عقابًا ولا دية ولا قصاصًا إذ ليس موت المقتول بخلقه ولا بكسبه. وأجاب أهل السُّنَّة عن الأول بقولهم إن الله تعالى كان يعلم أنه لو لم يفعل العبد هذه الطاعة لكان عمرُهُ أربعين سنةً مثلًا لكنه علم أنه يفعلها فيكون عمره سبعين سنة فنُسِبَتْ هذه الزيادة إلى تلك الطاعة بناءً على علم الله تعالى أنه لو لاها لما كانت تلك الزيادة، وعن الثاني بأنَّ القتلَ فعلُ القاتل كسبًا وإن لم يكن خلقًا وأن وجوب العقاب والضمان على القاتل تعبديٌّ لارتكابه المَنْهِيَّ عنه.
قال القاضي ابن رشد الجَدُّ في كتاب المقدمات ما نصُّهُ وكل ميِّتٍ فبأجله يموت، مات حتف أنفه أو مات مقتولًا، قال الله عزّ وجلّ: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61] هذا قول أهل السُّنَّة، وذهبتِ القدريةُ مجوس هذه الأمة إلى أنه قُتِل فلم يَستوفِ أجلَه الذي كتب الله له وأنه مات قبل بلوغه هو كفرٌ صريحٌ بَنَوْهُ على أصلهم الفاسد أن العباد خالقون لأفعالهم فجعلوا موت المقتول من فعل القاتل وقد أعلم الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن قائل هذا ومعتقده كافرٌ بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258] اهـ.
قال المؤلف رحمه الله: [والموتُ قائمٌ بالميتِ مخلوقٌ لله تعالى لا صُنعَ للعبدِ فيه تَخليقًا ولا اكتسَابًا].
(الشرحُ): أنَّ الموت لا يوصف بأنه مخلوق للعبد ولا أنه مكتسَبٌ أسبابه بالجرح والطعن والإحراق ونحو ذلك كالخنق. قال التفتازانِيُّ ومَبْنَى هذا على أنَّ الموت وجوديٌّ بدليل قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] اهـ. والخلافُ هل الموتُ وجودي أو عدمي معروفٌ فمن قال وجوديٌّ أخذ بظاهر هذه الآية ومَن قال إنه عدميٌّ عرّف الموت بأنه عدم الحياة فعلى هذا يكون معنَى {خَلَقَ} في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} قَدَّر أي الذي قدَّر الموتَ وقدَّر الحياة ولفظُ خلقَ يحتملُ كلا المعنيين لغةً.
قال المؤلف رحمه الله: [والأجلُ واحدٌ].
(الشرحُ): أيْ فليس للمقتول أجلين الموتَ والقتلَ وأنه لو لم يُقتل لعاش إلى أجله الذي هو الموتُ كما زعم الكعبيُّ من المعتزلة، وليس للحيوان أجلٌ طبيعيٌّ هو وقت موته بتحلل رطوبته وانطفاء حرارته الغريزيتين وءَاجالًا اخترامية بحسب الآفات والأمراض كما زعمت الفلاسفةُ، فكلٌّ مِنَ القولين باطلٌ لأنَّ الأجلَ واحدٌ وهو الوقت الذي قَدَّرَهُ اللهُ لموتِ الميت.