المقالة الرابعة عشرة
* تقول سعاد ميبر ص215: فالله سبحانه وتعالى لكل إنسان من جنس نيته ويشاء له من جنس مشيئته ويريد له من جنس إرادته، إن شرًّا فشر وإن خيرًا فخير. بمعنى أن الله يُسيِّرنا إلى ما اخترناه بقلوبنا ونياتنا فلا ظلم ولا إكراه ولا جبر ولا قهر على غير طبائعنا.
الرد: هذا الكلام فيه أن مشيئة الله تابعة لمشيئة العبد وهذا ضد عقيدة أهل السنة ويرده قول الله تعالى: {وما تشاءونَ إلا أن يشاءَ اللهُ} فمشيئة الله هي السابقة لأن مشيئة الله أزلية ومشيئة الخلق حادثة فمن شاء الله في الأزل أن يؤمن ءامن باختياره ومن شاء الله في الأزل أن لا يؤمن يترك الإيمان باختياره فالعباد لهم اختيار لأحد الأمرين إما الإيمان وإما الكفر ومشيئة الله تعالى سبقت ذلك فلا يشاء العبد المؤمن الإيمان إلا لأنه الله شاء في الأزل أن يشاء العبد الإيمان باختياره والذي يكفر يكفر بمشيئته على حسب مشيئة الله السابقة، الله تعالى مشيئته أزلية ومشيئة العبد تابعة مشيئة الله، فمن شاء الله تعالى له أن يختار الكفر لا بد أن يختار الكفر كما أن من شاء الله له أن يؤمن لا بد أن يؤمن باختياره وأهل السنة مجمعون على أن العبد له اختيار لكن اختياره على حسب مشيئة الله الأزلية السابقة لاختيار العبد وتحت مشيئة الله تعالى، فليس مفهوم أهل السنة للقضاء والقدر أن العبد لا اختيار له، ولولا أن له اختيارًا لم يكلّف بأداء الأوامر واجتناب النواهي فليس العبد كالريشة المعلقة في الهواء تمليها الرياح يمنة ويسرة كما تقول الجبرية لكن اختياره تحت مشيئة الله. قال الإمام الشافعي لما سئل عن القدر:
ما شئتَ كان وإن لم أشأ *** وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن
خلقتَ العباد على ما علمتَ *** ففي العلم يجري الفتى والمُسن
على ذا مننت وهذا خذلتَ *** وهذا أعنت وذا لم تُعِن
وهذا شقي وهذا سعيد *** وهذا قبيح وهذا حسن
فلا يؤمن مؤمن إلا بمشيئة الله له أن يختار الإيمان ويؤمن باختياره أي بالقلب ولا يكفر كافر إلا بمشيئة الله له أن يختار الكفر فيكفر باختياره.
فإذا تبين هذا فما أبشع قولِك يا سعاد. وهو خلاف مذهب أهل السنة لأن مذهب أهل السنة أن مشيئة الله أزلية أبدية كعلمه وإرادته وقدرته وسائر صفاته فكيف يُعبر عن مشيئة الله بهذه العبارة فإن هذا يوهم أن مشيئة الله تتبع مشيئة العبد ثم إن عبارتها من جنس نيته وقولها من جنس مشيئته باطلة فاسدة فأنّى تشبه مشيئة الله مشيئة العبد وأي تشابه وتجانس بين الأزلي والحادث.