المقالة الخامسة عشرة
* تقول سعاد ميبر ص144: فلا يجوز لإنسان أن يستغيث بغير الله تعالى. ثم تقول: وعلى هذا فإن الاستغاثة لا تكون إلا بالله تعالى. ثم تقول وأما الاستغاثة الممنوعة فهي الاستغاثة بالأصنام والأموات والجن لأمثالهم لأن هذا نوع من الشرك وبسببه ضل كثير من الناس وانحرفوا عن التوحيد الصحيح وتقول ص147 ولا تجوز الاستعاذة إلا بالله.
الرد: قولها لا يُستغاث بغير الله فإن هذا يرضي الوهابية القائلين الاستغاثة بغير الحي الحاضر شرك وهذا لا يرضي جماعتها من النساء اللتي تنتسب إليهن وهن جماعة منيرة قبيسي القائلات في شيختهن منيرة:
شيختنا لو كنا أينما كنا *** فهي معنا لا تضيعنا
من أين جاءتها هذه الجرأة وهي قولها فلا يجوز للإنسان أن يستغيث بغير الله. كيف وقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم موسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم”. الحديث. وهو صحيح وروي بلفظ الاستشفاع فدل ذلك على أن الاستشفاع والاستغاثة بمعنى واحد فسمى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الطلب من ءادم أن يشفع لهم إلى ربهم استغاثة. وهذا فيه دليل على أن التوسل يأتي بمعنى الاستغاثة وفي هذا رد على من جعل التوسل بغير الله والاستغاثة بغيره شركًا. وقد قال الحافظ تقي الدين السبكي في شفاء السقام التوسل والتوجه والتجوه والاستغاثة والاستعانة بمعنى واحد. والتقي السبكي محدث حافظ فقيه لغوي كما وصفه بذلك السيوطي في الذيل.
فكيف تجعل سعاد ميبر الاستغاثة بالأموات شركًا والمسلمون سلفهم وخلفهم لا يحرمون الاستغاثة بالأنبياء والأولياء بعد مماتهم بل جاء في التوسل والاستغاثة بالأنبياء والأولياء أحاديث وءاثار تدل على جواز ذلك بلا شك زيادة على الإجماع السابق الذكر لكن هذا هو الوجه الذي ترضي به الوهابية. ويكفي لبيان أنها ترضي الوهابية وصفها لابن تيمية بشيخ الإسلام وابن تيمية كفره بعض أهل عصره ومن بعدهم حتى قال ابن حجر الهيتمي وهو من أهل القرن العاشر: ولقد كفره كثير من العلماء ا.هـ. وهو أول من حرم التوسل بالأنبياء والصالحين لم يسبقه عالم من علماء الإسلام إلى ذلك كما قال تقي الدين السبكي معاصره.
فائدة: روى الطبراني والبيهقي عن عثمان بن حُنيف أن رجلًا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حُنيف فشكى ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل لتقضى لي حاجتي” وتذكر حاجتك ورح إليّ حتى أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال عثمان له ثم أتى عثمان بن عفان، فجاء البواب حتى أخذه بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه عل الطنفسة وقال: ما حاجتك؟ فذكر حادته فقضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة وقال له: ما كان لك حاجة فأتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان ابن حنيف فقال له: جزاك الله خيرًا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت حتى كلمته فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “أو تصبر” فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي: “ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات”، قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط. قال الطبراني: والحديث صحيح بإجماع العلماء الحافظ وهو وحده دليل كاف على صحة مذهب أهل السنة والجماعة.