المدينة المنوّرة ، المنوّرةُ بمحمّد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدّ ولا ندّ ولا شكل له، ولا صورة ولا هيئة ولا أعضاء له، ولا جسم ولا مكان له، خلق العالم العلويّ والعالم السفليّ فلا يشبه ربنا العالم العلويّ ولا العالم السفليّ ، سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا. وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، طبُّ القلوب ودواؤها وعاقبة الأبدان وشفاؤها ونور الأبصار وضياؤها، الصلاة والسلام عليك سيّدي يا عَلَمَ الهدى يا رسول الله، الصلاة والسلام عليك سيّدي يا أفضل الخلق، يا حبيب الله، الصلاة والسلام عليك يا محمّد يا من تنحلّ به العقد وتنفرج به الكُرَب وتُقضى به الحوائج وتُنال به الرغائب وحُسنُ الخواتيم ويُستسقى الغَمام بوجهه الكريم، الصلاة والسلام عليك يا محمّد، أشهد يا محمّد أنك قد بلّغت الرسالة وأدّيت الأمانة ونصحت الأمّة جزاك الله عنا يا سيّدي خير ما جزى نبيًا من أنبيائه .
أما بعد عباد الله ، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم وأوصيكم بالثبات على عقيدة محمّد وبالثبات على درب محمّد وبالثبات على نهج محمّد ، فلقد أنزل ربّ محمّد على قلب حبيبه محمّد: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} سورة النساء/64 .
هو الحبيب محمد .
هو الحبيب الذي تُرجى شفاعتُه |
| لكل هَوْلٍ من الأهوالِ مُقْتَحَمِ |
دعا إلى الله فالمستمسكون به |
| مستمسكون بحبلٍ غير منفصِمِ |
فاقَ النبيِّينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقِ |
| ولم يدانوهُ في عِلْمٍ ولا كَرَمِ |
وكلّهم من رسولِ الله مُلْتَمِسٌ |
| غَرْفًا من البحرِ أو رَشْفًا من الدِّيَمِ |
إخوة الإيمان ، إن التوجّه إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيارة قبره الشريف ، لزيارة تربته صلى الله عليه وسلم من أهم القربات وأنجح المساعي . وقد روى البزّار والدارقطنيّ بإسنادهما عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من زار قبري وجبت له شفاعتي” . والحديث صحيح صحّحه السبكي ووافقه السيوطي .
ويستحبّ للزائر أن ينوي مع زيارته صلى الله عليه وسلم التقرب إلى الله تعالى بالمسافرة إلى مسجده صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه .
ويستحبّ إذا توجّه إلى زيارته صلى الله عليه وسلم أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه في طريقه ، فإذا وقع بصره على أشجار المدينة وما يعرف بها زاد من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسأل الله تعالى أن ينفعه بزيارته صلى الله عليه وسلم وأن يتقبّلها منه .
ويستحبّ أن يغتسل قبل دخوله ويلبس أنظف ثيابه ويستحضر في قلبه حينئذ شرف المدينة ، فهي المدينة التي سكنها رسول الله ، هي المدينة مهاجر رسول الله ، هي طيبة التي طابت برسول الله .
لطيبه عرج إن بين قبابها |
| حبيبًا لأدواء القلوبِ طبيبُ |
إذا لم تطب في طيبةٍ عند طيبٍ |
| به طابت الدنيا فأين تطيبُ |
فالمدينة هي أفضل الدنيا بعد مكة ، وليكن من أول قدومه إلى أن يرجع مستشعرًا تعظيمه صلى الله عليه وسلم ، ممتلىء القلب من هيبته كأنه يراه وإذا وصل إلى باب مسجده صلى الله عليه وسلم فليقل: “أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ، بسم الله والحمد لله ، اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى ءال محمّد وسلِّم ، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك” .
ويدخل فيقصد الروضة الكريمة وهي ما بين المنبر والقبر فيصلي تحية المسجد بجنب المنبر ثم يأتي القبر الكريم فيستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر ويقف ناظرًا إلى أسفل ما يستقبله من جدار القبر غاض الطرف في مقام الهيبة والإجلال فارغ القلب من علائق الدنيا مستحضرًا في قلبه جلالة موقفه ثم يسلّم ولا يرفع صوته بل يقتصر فيقول: “السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبي الله ، السلام عليك يا خيرة الله ، السلام عليك يا خير خلق الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا نذير ، السلام عليك يا بشير ، السلام عليك يا طاهر ، السلام عليك يا نبي الرحمة ، السلام عليك يا نبي الأمّة ، السلام عليك يا أبا القاسم ، السلام عليك يا رسول ربِّ العالمين ، السلام عليك يا سيّد المرسلين وخاتم النبيِّين ، السلام عليك يا خير الخلائق أجمعين ، السلام عليك يا قائد الغرِّ المحجّلين ، السلام عليك وعلى ءالك وأهل بيتك وأزواجك وذرِّيتك وأصحابك أجمعين “ .
ومن أحسن ما يقول ما رواه كثير من العلماء عن العتبي مستحسنين له قال: “كنت جالسًا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابيّ فقال: “السلام عليك يا رسول الله سمعت أن الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} وقد جئتُه مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إلى ربِّي ثم أنشأ يقول :
يا خير من دُفنت بالقاعِ أعظُمُُهُ |
| فطاب من طيبهِنّ القاعُ والأكمُ |
نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنهُ |
| فيه العَفافُ وفيه الجودُ والكــرمُ |
أنت الشفيع الذي تُرجى شفاعتُه |
| عند الصراطِ إذا ما زلّت القَدَمُ |
وصاحباك فلا أنساهما أبدا |
| مني السلامُ عليكم وما جرى القلمُ |
قال العتبي: “ثم انصرف فغلبتني عيناي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عتبي الحق الأعرابي وبشّره أن الله تعالى قد غفر له” .
اللهمّ ارزقنا زيارة النبي وشفاعته يا أرحم الراحمين .
هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.