المدخل إلى بيان فساد وشذوذ سيد قطب وأن كتبه تنادي بجهله
اتفق السلف والخلف على أن العلم الديني لا يؤخذ بالمطالعة من الكتب، بل بالتعلم من عارف ثقة أخذ عن مثله إلى الصحابة، قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: “لا يؤخذ العلم إلا من أفواه العلماء”، وقال بعض السلف: “الذي يأخذ الحديث من الكتب يسمى صحفيًا، والذي يأخذ القرءان من المصحف يسمى مصحفيًا ولا يسمى قارئًا” وهذا مأخوذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه” رواه الطبراني.
ومن هؤلاء رجل يسمى “سيد قطب” لم يسبق له أن جثى بين يدي العلماء للتعلم، ولا قرأ عليهم ولا شمَّ رائحة العلم، كان في أول أمره صحفيًا ماركسيًا، ثم انخرط بعد ذلك في حزب الإخوان فصدَّروه، فأقدم على التأليف فزلَّ وضلَّ. ومن وقف على كتبه وكان من أهل الفهم والتمييز وجدها محشوة بالفتاوى التي ما أنزل الله بها من سلطان، وعلم أنها تنادي بجهله وهي كثيرة جدًا منها:
1- سيد قطب يشبّه الله بمخلوقاته ويكذب القرءان.
2- سيد قطب يسمي الله بالريشة المعجزة وبالريشة الخالقة والمبدعة، وذلك في مواضع عديدة من كتابه “التصوير الفني في القرءان” وغيره ككتابه المسمى “في ظلال القرءان”.
فقد جاء في كتابه المسمى “في ظلال القرءان” في تفسير سورة البقرة الجزء الثاني [ص/204] يقول سيد قطب: “هذه اللمسات العجيبة من الريشة المبدعة”، ويقول: “ترسمها الريشة المبدعة بهذا الإعجاز”. [ج2/206] ويسمي الله بالعقل المدبر وذلك في كتابه المسمى “في ظلال القرءان” [مجلد 6/ص3804] في تفسير سورة النبأ فيقول: “العقل المدبر من هذا الوجود الظاهر”، ويقول: “من نظام لا بد من عقل يدبر”.
وفي نفس الكتاب الجزء التاسع والعشرون في تفسير سورة القمر يقول: “وينبوع حقيقتها إنها من الله هو مصدرها الوحيد”، ويقول: “إنه لاتصال بالمصدر الذي أنزل عليك القرءان”، ويقول في الجزء الثلاثين عن الله: “ويلمسه لمسة تثير التأمل والتدبر والتأثر”، ويقول في تفسير سورة العصر [مجلد6/ 3964]: “إنه اتصال الكائن الإنساني الفاني الصغير المحدود بالأصل المطلق الأزلي الباقي الذي صدر عنه الوجود ومن ثم اتصاله بالكون الصادر عن ذات المصدر”.
وكل هذه العبارات تشبيه لله بخلقه وتكذيب لنصوص القرءان والحديث أما تكذيبه للقرءان الكريم فقوله تعالى: {ليس كمثلِهِ شيءٌ} [11، سورة الشورى]، وقوله تعالى: {ولمْ يكُن لهُ كُفُوًا أحد} [4، سورة الإخلاص]، وقوله تعالى: {فلا تَضربوا للهِ الأمثال} [74، سورة النحل]، وقوله تعالى: {هل تعلمُ لهُ سميًا} [65، سورة مريم] وءايات كثيرة.
وأما الحديث فقوله عليه الصلاة والسلام: “لا فكرة في الرب” رواه أبو القاسم الأنصاري، أي أن العقل لا يستطيع أن يتصور الله، لأن الله لا شبيه له ولا مثيل، فقد قال علماء السلف: “ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر”، ومنهم الإمام الطحاوي رحمه الله.
أي أن من وصف الله تعالى بوصف من أوصاف البشر المحدثة فقد كفر لإثباته المماثلة بينه تعالى وبين خلقه، وذلك منفيّ بالنص وهو قوله تعالى: {ليسَ كمثله شيء} [11، سورة الشورى] وبالقضية العقلية وهي أنه لو كان متصفًا بصفة من أوصاف البشر لكان يجوز عليه ما يجوز على البشر من حدوث وفناء وتطور أي تنقل من حال إلى حال، وتغير من حالة القوة إلى الضعف، أو من صفة الحياة إلى الموت، ومن جاز عليه ذلك فلا يصلح أن يكون مكونًا للحادثات التي تختلف عليها الصفات والأحوال، فيؤدي وصف الله تعالى بصفة من أوصاف البشر إلى جعله حادثًا من الحادثات والألوهية والحدوث لا يجتمعان.
والسبيل لصرف التشبيه والمحافظة على التنزيه هو اتباع قول ذي النون المصري: “مهما تصوّرت ببالك فالله بخلاف ذلك” رواه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، لأن ما يتصوره الإنسان بباله خيال ومثال والله منزه عن ذلك، فهذه قاعدة مجمع عليها عند أهل الحق مأخوذة من قول الله تعالى: {ليس كمثلِهِ شيء}.
وهذه العبارة ينقلها الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بإسناد متصل إلى ذي النون المصري واسمه ثوبان بن إبراهيم وهو من أكابر الصوفية الصادقين الذي أفاض الله على قلوبهم جواهر الحِكَم، وكان معاصرًا للإمام مالك بن أنس رضي الله عنهما وتلقى العلم منه. وهذا القول نقله أيضًا أبو الفضل التميمي عن الإمام أحمد رضي الله عنه.
وفي معنى ذلك ما رواه أبو القاسم الأنصاري من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا فكرة في الرب” أي أن الله لا يدركه الوهم لأن الوهم يدرك الأشياء التي لها وجود في هذه الدنيا كالإنسان والغمام والمطر والشجر وما أشبه ذلك.
فيفهم من هذا أن الله لا يجوز تصوره بكيفية وشكل ومقدار ومساحة ولون وكل ما هو من صفات الخلق، وكذلك يفهم من قوله تعالى: {وأنَّ إلى ربكَ المُنتَهى} [42، سورة النجم] أنه لا تدركه تصورات العباد وأوهامهم.
وقد نص علماء الإسلام من السلف والخلف على تكفير من شبّه الله بخلقه ومنهم الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه قال فيما رواه عنه الإمام القشيري في الرسالة: “من زعم أن الله في شيء، أو على شيء، أو من شيء فقد أشرك إذ لو كان في شيء لكان محصورًا، ولو كان على شيء لكان محمولًا، ولو كان من شيء لكان محدثًا” أي مخلوقًا.
وهذا المعتقد الحق الذي نقل الإجماع فيه أيضًا إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك في كتابه الإرشاد حيث يقول في [ص/58]: “مذهب أهل الحق قاطبة أن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيز والتخصيص بالجهات” اهـ.
وقال الإمام شيخ أهل السنة والجماعة بلا منازع الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه في كتابه النوادر: “من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به” اهـ.
وقال الإمام المتولي الشافعي في كتابه الغنية: “أو أثبت ما هو منفيّ عنه بالإجماع كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال، كان كافرًا” نقله النووي في الروضة [10/64]، طبع بيروت.
وقال الشيخ عبد الغني النابلسي [ص/124] من كتاب الفتح الرباني: “من اعتقد أن الله ملأ السموات والأرض أو أنه جسم قاعد فوق العرش فهو كافر وإن زعم أنه مسلم” اهـ.
وقد قال الإمام علي السغدي الحنفي: من سمى الله علة أو سببًا فقد كفر” اهـ، وتسمية سيد قطب لله تعالى بهذه الصفات الحادثة المخلوقة لا يخفى على عاقل أنه إلحاد كما قال تعالى: {وللهِ الأسماءُ الحُسنى فادعوهُ بها وذروا الذين يُلحدونَ في أسمائه} [180، سورة الأعراف].