الجمعة أكتوبر 18, 2024

اللياقة واللباقة في التحدث:

الرسول صلى الله عليه وسلم كان كلامه فصلا، لو أراد الشخص أن يعد كلمات لعدها.

وقد جاء عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصمت قليل الضحك، كان ضحكه تبسما. من أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتدي به، الرسول كان طويل الصمت فليقتد به الإنسان وإلا فإنه على خطر، لأن الإنسان إذا كثر كلامه يكثر سقطه وهذا السقط قد يكون معصية أو كفراً فمن أطال الصمت حفظ نفسه من هذا ومن هذا. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: “من كثر كلامه كثر سقطه”.

وفي الحديث “إياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك يميت القلب، ويذهب بماء الوجه” معناه الذي يكثر الضحك هيبته تسقط وقلبه يكون فاسداً. لذلك كثرة الضحك لا خير فيها.

هو الشخص لأجل ملاطفة الأصدقاء لا بد أن يضحك بعض الأحيان لكن مع الاحتياط.

وتقليل الكلام مطلوب يعين الشخص على أمر الدين. شيطان الشخص إذا وجد الإنسان قليل الكلام ينزعج، وإن وجده كثير الكلام يفرح، يقول أوقعه.

وقد كان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخاف شر اللسان، فقد ورد أنه أخذ لسانه وقال: “هذا الذي أوردني الموارد ” فإن من أكثر الكلام بغير الخير لا بد أن يحصل منه إما معصية وإما تضييع للوقت، وبعضهم يقعون في الكفر من كثرة الكلام، فمن أراد السلامة فليقلل كلامه. وقد روى مالك في الموطأ أن نبي الله عيسى عليه السلام رأى خنزيراً فقال اذهب بسلام وروي أن عيسى عليه السلام مر بكلب ميت فقال بعض أصحابه، ما أشد نتن هذا الكلب فقال ما أشد بياض أسنانه ليعودهم الكلام الحسن. ومن علامة قوة الرجل في دينه أن يترك ما لا فائدة فيه من الكلام وغير ذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”، ومعناه ترك ما لا ينفعه من القول والعمل. عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: “ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان” قال: بلى يا رسول الله، قال: “حسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما إن تجمل الخلائق بمثلهما” إن هنا زائدة للتأكيد، وفي رواية “ما عمل الخلائق بمثلهما” فطول الصمت أن يترك الإنسان الكلام عن الشيء الذي لا يعنيه، وإن الذي يكثر الكلام فيما لا يجب مهلك نفسه لا محالة.

فينبغي توجيه اللسان في طريق الخير والفضيلة وتحسين الكلام، بحيث يكون لائقاً لبقا، وهو ما يمكن أن يدعى باللياقة واللباقة في التحدث.

إن اللياقة هي المناسبة، واللباقة عموماً هي الليونة في الأخلاق واللطافة والظرافة، وأن يكون الكلام لائقأً يعني أن يكون مناسباً وحسناً، وأن يكون لبقاً يعني أن يكون لينا ولطيفا وظريفا. ومن المهم التنبه إليه أن اللياقة واللباقة في الكلام مع الناس ينبغي أن تكون منبعثة من الإخلاص والنية الصادقة والسريرة الصالحة. واللياقة واللباقة كخلق وأدب مطلوبة في الحديث العادي وفي الحوار الكلامي وفي المباحثة والنقاش.

فلا ينبغي أن يضيع الإنسان وقته في الكلام غير النافع، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”.

وأنشد محمد بن أحمد السجستاني بالبصرة لنفسه (السريع):

أنبأنا خير بني آدم                 وما على أحمد إلا البلاغ

الناس مغبونن في نعمتي            صحة أبدانهم والفراغ

قال بعض الصوفية: “الوقت أعز الأشياء عليك فاشغله بأعز الأشياء: الله رب العالمين”، أي الوقت شيء عزيز والله أعز الأشياء فاصرف أوقاتك في طاعة الله. وقال بعض الأكابر: الفراغ سيف إن لم تقطعه قطعك ومعناه إن لم تشغله بما يعني شغلك بما لا يعني.