الحمد لله رب العالمين له النعمةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الحسن وصلواتُ الله البرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيدِنا محمّد أشرف المرسلين وسلامُهُ عليه.
أما بعد فالله تعالى خالقُ العالـمِ كلّه خالقُ الأجسام اللطيفة والكثيفة وخالقُ صفات الأجسام كالحركة والسكون والكون في جهةٍ ومكانٍ فالله تعالى لا يجوزُ عليه المكانُ والمكانُ هو الفراغ الذي يشغلُه الحجمُ وهذا لا يجوز على الله، يجوز على الإنسان ونحوه. الآن الإنسانُ عندما يجلس يأخذ مكانًا من الفراغِ هذا مكانُه ليس المكان شيئًا صلبًا يعتمد عليه فقط، الفراغ الذي يَحوي جسمًا يسمى مكانًا.
من قال الله متصلٌ قاعدٌ على العرش أو قال منفصلٌ غير قاعد على العرش كلاهما أثبتا المكانَ لله وهذا كفرٌ. العرش واقف في الفراغ والسماءُ واقفةٌ في الفراغ وهذه الأرض واقفة في الفراغ كلُّ هذا مكانٌ والله تعالى منزَّهٌ عن ذلك لا هو واقفٌ في الفراغ ولا هو معتمدٌ على شيءٍ صُلْبٍ كما نحنُ نعتمد على شيءٍ صُلبٍ. الله تعالى كان قبل الفراغ وقبل هذه الأشياء الصلبة وقبل الأشياء اللطيفةِ كالضوء والظلام لأنه ليس حجمًا كالإنسان أو كالريح ولو كان كذلك لكان له مكان في الفراغ. كل هذا مخلوق لم يكن ثمَّ كان.
أهل السنة يقولون كان اللهُ ولا مكان معناه أنه كان قبل الأجرام اللطيفةِ وقبل الأجرام الصلبة كالعرش والسموات قبل هؤلاء كلهم كان موجودًا من غير أن يكون مستقرًّا على فراغ أو حجمٍ صُلب.
أهل السنة يقولون الجسمُ مؤلف من جرمٍ لا يتجزأ بحيث لا يكون له طولٌ ولا عرضٌ ولا عمقٌ وهذا يقال له الجوهرُ الفردُ لا تراه العينُ منه تتركَّب الأجسام. كلُّ الأجرامِ لم تكن موجودةً ثم وُجِدَتْ فمن قال إنَّ العالم لم يزل موجودًا ووجودُهُ ليس له ابتداءٌ ما من نطفة إلا من إنسان وما من إنسان إلا من نطفة إلى غير انقطاع فهو باطل وهذا كلام الكفار. عندهم ما من بيضة إلا من دجاجة والعكس إلى ما لا أول وهذا كفر. نحن نقول الإنسان أصلُهُ من ترابٍ ثم هذا الذي خُلِقَ من تراب خرج منه إنسان المنيُّ له أصل ينتهي إليه والتراب الذي خُلِقَ منه البشر له أصل ينتهي إليه وهو العدم. وكذلك النور والليل والنهار ما كانت موجودة ثم أوجدها الله، اللهُ موجودٌ ليس لوجودِهِ ابتداءٌ لأنه لو كان لوجوده ابتداءٌ لكان مثلَ غيرهِ وهو موجودٌ من دونِ أن يكونَ حجمًا لأنه لو كان حجمًا كثيفًا كالإنسان والحجرِ والشجرِ لكان له أمثالٌ ولو كان حجمًا لطيفًا كالنور لكان له أمثالٌ فثبت أن الله تعالى ليس حجمًا كثيفًا ولا حجمًا لطيفًا وثبت أنه ليس حجمًا صغيرًا ولا حجمًا كبيرًا لأن صِغَرَ الحجم وكِبَرَ الحجم من صفات الحجم، فلما ثبت أنه ليس حجمًا وجبَ أن يُنزَّهَ الله عن صفات الحجم كلها عن الحركة والسكون والاتصال والانفصال والتحيز في الجهة والمكان وعن الانفعال وأنه لا يتصف بصفةٍ حادثةٍ. وكما أن ذاتَهُ أزليٌّ لا ابتداءَ له كذلك صفاته أي قدرته وإرادته وحياته وسمعه للأصوات وبصره للمبصرات وعلمه وكلامه أزليٌّ أبديٌّ ليس شيءٌ منها يحدثُ ثم ينقضي أو يتجدد لذلك لا يُقال إنه يتكلمُ بالحرف والصوت لأنه لو كان يتكلم بالحرف والصوت لكان مثلَنا فالقرءان والتوراة والإنجيل والزبور يقال لها كلامُ الله لأنها عبارةٌ عن كلام الله الذي ليس حرفًا ولا صوتًا لا بمعنى أنَّ الله قرأها بالحرف والصوت. بعضها بلغة العرب وبعضها باللغة العِبرية وبعضها باللغة السُّريانية.
ومن فكَّرَ ونظرَ بعقله في الشمس يزداد يقينًا بأن الله ليس حجمًا لأن الشمس حجمٌ متحيزٌ في جهة فوق كثيرةُ النفع ومع هذا لا تستحق أن تكون إلهًا لتُعبدَ. فلو كان الحجم يستحقُّ الألوهيةَ لاستحقت الشمس فكيف يستحق حجمٌ مستقرٌّ فوق العرش يتوهمُه المشبهةُ موجودًا. فالله موجود ليس حجمًا صغيرًا ولا حجمًا كبيرًا موجودٌ بلا مكان.
انتهى والله تعالى أعلم.