رابعًا: الكتاب المسمى (التوحيد) لابن خزيمة
هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوريّ (ت 311هـ) أخذ عليه العلماء خوضه في الأهواء، ولعله تأثَّر برأس الكرَّامية، فقد نقل ابن السبكيّ عن الحاكم أنه ذكر في تاريخه محمد بن كرّام فقال([1]): «وقد أثنى عليه في ما بلغني ابنُ خزيمة واجتمع به غير مرة» اهـ.
وقد لامه بعضُ المحدثين على الخوض في ما لا يحسنه، فمن ذلك ما أخرجه البيهقيّ بسنده عن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازيّ أنه قال([2]): «ما لأبي بكر والكلام؟ إنما الأولى بنا وبه ألا نتكلم في ما لم نتعلمه! قلت -أي قال الحافظ البيهقيّ: -والقصة فيه طويلة-، وقد رجع محمد بن إسحاق إلى طريقة السلف، وتلهَّف على ما قال، والله أعلم» اهـ.
واعترف ابن خزيمة على نفسه بأنه لا يحسن الكلام، فقد نقل الحافظ البيهقيّ عنه أنه قال([3]): «فما تنكرون على فقيه راوي حديث أنّه لا يحسن الكلام» اهـ.
وكتاب «التوحيد» هو جزء من صحيحه على التحقيق، لأنه يحيل في أكثر من موضع على أبواب الصلاة وغيرها من أبواب الصحيح، وفيه باب بعنوان: «إثبات الأصابع لله عزَّ وجلَّ»، وباب «في إثبات القدم»، ونحو ذلك. ومع أنه اشترط الصحة في ما يذكره إلا أنه لم يلتزم بذلك فأخرج فيه متونًا منكرة وأسانيدَ واهيةً، منها ما جاء في أن الكرسيّ موضع قدميه، وأن العرش يئطّ به، وأنه تجلَّى منه مثل طرف الخنصر، وأنه يهبط ثم يرتفع، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا بروحه وملائكته فينتفض، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، وأن جنة عدن مسكنه، وأن محمدًا ﷺ رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، وغير ذلك مما هو مذكور في موضعه، وهذا كله كفر.
[1] ) طبقات الشافعية الكبرى، السبكيّ، 3/ 304.
[2] ) الأسماء والصفات، البيهقيّ، ص342.
[3] ) الأسماء والصفات، البيهقيّ، ص340.