القول الصحيح في الحلاج
اعلم أنّ الحلاج قُـتل لأنّه قال: (أنا الحق) أي أنا الله، لأن الحق اسم من أسماء الله ومعناه الثابت الوجود فكفّره القاضي أبو عمر المالكي في بغداد ونفّذ الخليفة حكمه فقطعت يداه ورجلاه ثم قطعت رقبته ثم أحرقت جثته ورُمي رماده في نهر دجلة، وكان للحلاج أتباع اتبعوه في الضلال فنكل الخليفة المقتدر بالله العباسي بهم التنكيل الشديد حتى يرتدعوا لكن بعض أتباعه بقي على العناد فإنّهم افتروا وقالوا في اليوم الثاني من قتل الحلاج: (إنّه ظهر لنا عيانا) وقال: (أتزعمون كما يزعم هؤلاء البقر أني قتلت وصلبت إنّما قُتل شبهي). وافترى بعضهم بقوله (إن دم الحلاج جرى على الأرض فكتب لا إله إلا الله الحلاج ولي الله) وهذا لم يحصل أبدا.
والحلاج ذكره أبو عبد الرحمن الحافظ السّلمي الصوفي في كتاب طبقات الصوفية فقال رضي الله عنه:
أكثر الصوفية نفوه (أي أنكروا الحلاج) واعتد بعد أربعة ذكرهم بأسمائهم منهم أبو عبد الله بن خفيف.
وذكر الحافظ الخطيب البغدادي أنّ الحلاج جاء إلى الجنيد مرة فسأله عن شىء فلم يُجبه وقال: (إنـّه مدع).
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي إنّ الجنيد رضي الله عنه قال للحلاج: لقد فتحت في الإسلام ثغره لا يسدها إلا رأسك.
وقال بعض العلماء إن الحلاج كان غائب العقل فلم يكفروه، وقال بعض الصوفية: إن الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه اعتبره سكران غائب العقل، أما سيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه فقد قال في الحلاج: (لو كان على الحق ما قال أنا الحق).
واعلم أنهم لم يختلفوا في أنّ هذا الكلام المنقول عن الحلاج كفر، وقد نقل الحافظ الخطيب البغدادي عن ابن الحلاج في أبيه أمورا شنيعة.
ونقول:
نحن مع الصوفية الحقيقية الجنيد رضي الله عنه ومن سار على قدمه قال رضي الله عنه: (التصوف صفاء المعاملة) وقال: (ما أخذنا التصوف بالقال والقيل ولكن أخذناه بالجوع والسهر وترك المألوفات والمستحسنات).
وقال رضي الله عنه: (الطريق إلى الله مسدودة إلا على المقتفين ءاثار رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكلام الإمام الجنيد يبطل قول بعض الناس الذين يدعون التصوف ولم يفهموا حقيقة التصوف إذ كُلموا بحق يخالف هواهم (نحن أهل الباطن وأنتم أهل الظاهر فلا نتفق)، وهؤلاء خطر كبير على الناس لأنه كلما أنكر عليهم منكر بحق يعارضون بقولهم هذا (أنتم أهل الظاهر ونحن أهل الباطن فلا نتفق)، إنا لله وإنا اليه راجعون.
وأما محاولة ابن حجر الهيتمي أيضا تأويل قول الحلاج (أنا الحق) ودعواه أنه لا يكفي في قوله هذا إن كان في صحو وإن كان في غيبة وكذا تأويله القول المنسوب لأبي يزيد البسطامي: (سبحاني سبحاني) وذلك في مطلب في معنى قول الحلاج (أنا الحق) وقول ابن يزيد (سبحاني سبحاني).
والجواب:
إجازة قول هذا في حال الصحو والغيبة للولي كفر، ما قال به أحد من أهل العلم بل تفرّد به هذا المؤلف ابن حجر، وعلى فرض أنّ هذا كلامه فهو كفر لأنه لا فرق في شريعة الله بين الولي وغيره في تجنب الألفاظ التي تخالف الشرع، فإن شرع الله واحد للأولياء وغيرهم، والأولياء أشد تمسكا بالشرع من غيرهم، فألفاظ الكفر كفر على كل أحد من الخلق.
وبقوله هذا وأمثاله فتح ابن حجر الهيتمي لملاحدة المتصوفة بابا للتجرئ على قولهم بالحلول والوحدة المطلقة كالفرقة المنحرفة من الشاذلية اليشرطية القائلين بالعقيدتين عقيدة الوحدة المطلقة وعقيدة الحلول أليس كان الأولى به وبغيره أن يقتدي بكلام سيد الطائفة الصوفية الجنيد البغدادي رضي الله عنه ما قد ذكرناه سابقا.