يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «العبادة في الإسلام» (ص255): «ولم تر الدنيا كتابًا كالقرءان يجعل إهمال الحث على العناية بالمسكين من موجبات الجحيم والعذاب الأليم».اهـ. ويقول أيضًا في (ص254): «فهنا كان ترك إطعام المسكين من موجبات الخلود في سقر بل يزيد على ذلك فيجعل في عنق كل مؤمن حقًّا للمسكين أن يحض غيره على إطعامه ورعايته ويجعل ترك هذا الحض من لوازم الكفر بالله والتكذيب بيوم الدين».اهـ. ويقول أيضًا: «فقهر اليتيم وإهمال الحث على رعاية المسكين جعلا دليلًا على أن القلب خلو من الإيمان بالآخرة والتصديق بالجزاء وما كان لمثل هذا الشخص من صلاة فهي صلاة الساهين والمرائين».اهـ.
وقال في كتابه المسمّى «في فقه الأولويات» (154): «ولا يجتمع الشح مع معرفة الله أبدًا فإن المانع من الإنفاق والجود: خوف الفقر وهو جهل الله وعدم وثوق بوعده وضمانه ومن هنا نفى الحديث اجتماع الشح والإيمان في قلب الإنسان فكلاهما يطرد الآخر».اهـ.
الرَّدُّ:
إن القرضاوي أخذ هذا الكلام بزعمه من قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦)} [سورة المدثر: 42 – 46].
فمن شدة جهله وإعجابه بنفسه فسر القرءان على هواه مع العلم أن هذه الآية نزلت في الكافرين بدليل قوله: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [سورة المدثر: 46].
فمن المعلوم أن الكافر لا يعذب على كفره فحسب؛ بل يعذب على الزنى وشرب الخمر وسائر الكبائر والصغائر التي يرتكبها وكذلك يعذب على ترك الصلاة والصيام والزكاة والحج مع العلم أنه لو فعلها حال الكفر ما صحت منه؛ لأنه ليس على الإيمان إنما كان فرضًا عليه أن يسلم ثم يؤديها حتى تصح منه فهذا الكافر لم يعذب فقط على كفره؛ بل وعلى ترك إطعام المسكين وعلى ترك الصلاة وعلى خوضه في الباطل مع الخائضين.
فالبخل والشح المحرّمان المذمومان هو أن يترك الشخص ما وجب عليه دفعه كالزكاة، والشح البخل الشديد.
وأما احتجاجه بظواهر الأحاديث فهذا دليل جهل وقلة تحقيق وإلا فما معنى: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»… الحديث فهل أحد قال بأن معناه هو كافر إن لم يفعله وكذلك قوله ﷺ: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن». فلم يقل إمام قط أن الزنى يخرج من الإسلام إنما تفسير هذين الحديثين ونحوهما أن من يفعل ذلك لا يكون كامل الإيمان والقرضاوي في مسألة التكفير هذه إما أنه يأخذ بظواهر الأحاديث والآيات وهذا يلزم منه التناقض في النصوص وهذا محال وإما أنه على مذهب الخوارج الذين يكفرون أصحاب الكبائر.