– يقول في كتابه المسمّى «العبادة في الإسلام» ما نصّه([1]): «ثم هو يشعرنا – أي: القرءان – أن إهمال الدنيا وإهدار شأنها في حساب طالب الآخرة إنما هو أمر مذموم خارج عن سُنّة الفطرة وصراط الدين معًا».اهـ.
الرَّدُّ:
وهكذا نجد القرضاوي يتمادى في ذم المسملين وتكفيرهم ليس في مسائل الكبائر والصغائر فحسب؛ بل في ما يتميزون به من فضائل ومحامد ومناقب.
فها هو يدّعي أن القرءان يشعرنا أن إهمال الدنيا وإهدار شأنها في حساب طالب الآخرة يزعم: – أنه مذموم. – وخارج عن صراط الدين.
وهذا الكلام تكذيب لقوله ﷺ: «ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس» رواه ابن ماجه وغيره([2]).
أليس هذا تكفيرًا لأهل الصُّفَةِ الذين كان لا مأوى لهم ولا كافية وكان مأواهم المسجد؟
أليس هذا الكلام تكفيرًا لسيدنا عيسى ابن مريم الذي لم يكن له بيت؛ بل كان ينام حيث يدركه المبيت وكان يأكل من بقول الأرض؟
ألم تسمع يا قرضاوي بحديث رسول الله ﷺ الذي رواه البخاري([3]): «فوالله ما الفقرَ أخشَى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما ألهتهم».
ألم تقرأ حديث رسول الله ﷺ الذي رواه البخاري([4]) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله ﷺ بمنكبي قال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، وكان ابن عمر يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك».
وأخيرًا: إذا أسقط طالب الآخرة حساب الدنيا وشأنها وأهملها ولم يلتفت إليها من غير أن يقصر بنفقة واجبة ومن غير أن ينبني على ذلك مفسدة فلِمَ يكون هذا الأمر مذمومًا وخارجًا عن سنن الفطرة وصراط الدين معًا كما زعم القرضاوي.
وقد رغب الرسول ﷺ في الزهد ترغيبًا بالغًا وحضّ على ترك التنعم فقال لمعاذ بن جبل([5]): «إياك والتنعمَ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين»، معناه: عباد الله الصالحون من شأنهم ترك التنعم كما كان الأنبياء على هذه السيرة.
وأما هؤلاء القرضاوي وجماعته الإخوانية والوهابية فشأنهم التنعم، أي: الاسترسال في ملذات الطعام والشراب ومفاخر الثياب والأثاث ونحو ذلك.
ثم ألم تعلم أن البخاري عنون لأحد أبواب الصحيح بقوله: (باب فضل الفقر).
([2]) أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب: الزهد في الدنيا، وأبو نعيم في الحلية (3/252، 253).
([3]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب: ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها.
([4]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب: قول النبي r: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل».