الرَّدُّ:
بعد أن زعم القرضاوي أن سيدنا موسى كان عنيدًا وأن النبي يجتهد ويخطئ وأنه كان يعلم حال المنافقين ويعاملهم على أنهم مسلمون، بعد كل هذه الانتهاكات لحرمة الأنبياء ولعصمتهم ها هو اليوم يتبجح بمقولاته البشعة والقبيحة الذي يتهم فيها سيدنا يونس بالثورة وقلة الصبر وضيق الصدر وتناسى بأنه نبي مرسل.
وها هو أيضًا يتهم سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام بالضعف ومعنى ذلك أي أنه بزعمه ضعف أمام شهوته ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن الأنبياء معصومون عن صغائر الخسة والدناءة فأما الذي فعله سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام إنما كانت معصية صغيرة ليست بذات دناءة ولا خسة وهذا جائز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لقوله تعالى: {وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوى} [سورة طه: 121].
وأما الداهية الدهياء والبلية النكراء والمصيبة الدهماء في افترائه واجترائه على منصب الأنبياء في قوله بسكوت سيدنا هارون على الشرك الأكبر وذلك في سبيل وحدة الجماعة وهذا الكلام من أبشع ما سُمع من كفرك وضلالك يا قرضاوي ألا تتقي الله تقول وتزعم وتدعي، والله إنك لأخطر على الإسلام والمسلمين من الملحدين والصهاينة؛ لأنك تهدم الدين من الداخل.
عتبي الكبير على بعض المرجعيات الكبيرة التي تسكت على افتراءاتك ودسائسك أيها المهرج الذي اتخذت من الفضائيات ملعبًا ومسرحًا. ولكن القيامة موعدك.
ألا تعلم يا قرضاوي أن الساكت عن الحق شيطان أخرس فهل يليق هذا بمنصب النبوة؟
ألا تعلم أن الرضى بالكفر كفر كما نص على ذلك العلماء.
كيف يرضى بالكفر من أجل هذه الوحدة وحدة الجماعة التي زعمت وما هذه الوحدة القائمة على الشرك هل المهم أن نجمع الناس تحت أية راية؟
وهذه دعوة منك صريحة للتوحُّد مع الصهاينة رغم كفرهم وعدوانهم طالما أن المهم بزعمك أن نتوحّد. أن نجمع ناسًا كفارًا ومؤمنين وكأنك تقول كما قال القائل:
سلام على كفر يوحّد بيننا |
| وأهلًا وسهلًا بعده بجهنم |
ألا تعلم يا قرضاوي أن التفرق على الحق خير من الاجتماع على الباطل فبسبب عشقك لهذه الوحدة وتهيامك بها زعمت أن حديث اختلاف الأمة «ستفترق أمتي» «يشوق على الوحدة هذا إن ثبت»، من قلة أدبك أيها المشوش جعلت رسول الله مشوشًا وهذا من أقبح كفرك وكذلك شننت الغارة على حديث «القدرية مجوس هذه الأمة» فقلت: بأنه موضوع لخدمة مآربك الدنيئة وذلك لإدخال القدرية بالمنظومة الحزبية الوحدوية.
وما هي هذه المآرب؟ وهي أن توحّد بين من تدافع عنهم وتمدحهم باستمرار، حزب الإخوان الخوارج وحزب التحرير المعتزلة وبالمقابل تهجمك على الأنبياء والأئمة وأهل الحق كل ذلك من أجل خدمة مآربك الدنيئة.
وها أنت الآن تشن الغارة على سيدنا هارون وتتهمه بالسكوت عن الشرك الأكبر.
وهنا لا أريد أن أرد عليك بما قال العلماء والمفسرون بالآية؛ بل سأرد عليك بالآية نفسها فقد قال الله تعالى حاكيًا عن سيدنا هارون عليه الصلاة والسلام: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة الأعراف: 150].
ألا تقرأ يا قرضاوي ألا تفهم أن هذه المقالة لا تدل على أنه سكت من أجل الوحدة المزعومة هل قال له لقد سكت على الشرك الأكبر من أجل وحدة الجماعة؟ بل قال له: إن القوم استضعفوني. لماذا استضعفوه ولماذا كادوا أن يقتلوه لأي سبب ألا يكفي تحريفك للأحاديث بل وصل تحريفك إلى القرءان الكريم.
ألم تقرأ قوله: {وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة الأعرف: 150]، فهل كان هارون منافقًا ذا وجهين بزعمك مرة يتوحَّد مع القوم الظالمين ثم لما جاء موسى u تبرأ من القوم الظالمين؟!!!
ثم ألم تقرأ قوله تعالى في هذه الآية: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} [سورة طه: 90] أليست هذه الآية مشرقة كالصبح لذي عينين؟ فهل بعد هذا البيان يسوغ لك أن تتهم سيدنا هـٰـرون بالسكوت على الشرك؟؟؟
قال الرازي في تفسيره ما نصّه([2]): «إن هارون u كان مأمورًا من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان مأمورًا من عند أخيه موسى u بقوله: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [سورة الأعراف: 142]، فلو لم يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكان مخالفًا لأمر الله تعالى ولأمر موسى u».اهـ.
وقال أيضًا ما نصّه ([3]): «إن هارون u رأى القوم متهافتين على النار ولم يبال بكثرتهم ولا بقوتهم؛ بل صرح بالحق فقال: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُم بِهِ} [سورة طه: 90]، ثم إن هارون صرح بالحق ودعا الناس إلى متابعة نفسه والمنع من متابعة غيره. واعلم أن هارون u سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه؛ لأنّه زجرهم عن الباطل أوَّلًا بقوله: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنُتم بِهِ} [سورة طه: 90]، ثم دعاهم ثالثًا إلى معرفة النبوة بقوله: {فَاتَّبِعُونِي} [سورة طه: 90]، ثم دعاهم إلى الشرائع رابعًا بقوله: {وَأَطِيعُوا أَمْرِي} [سورة طه: 90]».اهـ. وذكر المفسر اللغوي أبو حيان الأندلسي نحوه([4]).
وقال أبو حيان في موضع ءاخر ما نصّه([5]): «إن هارون بالغ في الإنكار عليهم حتى هموا بقتله».اهـ. فإذا كان هارون u سكت عن إشراكهم كما زعم القرضاوي فلماذا إذًا هموا بقتله كما ذكر ذلك أبو حيان.
[1])) انظر: الكتاب (ص30).
[2])) تفسير الرازي (22/105).
[3])) تفسير الرازي (22/106).
[4])) البحر المحيط (6/272).
[5])) البحر المحيط (4/396).