الرَّدُّ:
لا بد من تقسيم الرد إلى مسائل ليسهل الرد بالتفصيل:
المسألة الأولى: وهي نسبته الجهة لله تعالى بقوله، أي: القرضاوي فوق المحدودة المتناهية كائنًا غير محدود ولا متناه.
اعلم عزيزي القارئ أن هذا الاعتقاد نسبة المكان والجهة إلى الله تعالى إنما هو تكذيب للعقل والنقل في ءان معًا.
وها هو القرضاوي يتناقض مع نفسه فيزعم هنا أن الله في جهة الفوق وفي مكان ءاخر يزعم أن الله محيط بكل شيء، وحتى إنه في أحد الحلقات أشار إلى هذه الإحاطة بالتكييف فأشار بكلتا يديه عن نوع الإحاطة التي يقصدها وفي هذه رد على من قد يؤول له أنها إحاطة العلم بدليل أنه لم يشر إلى ذلك في النص وبدليل أنه كيَّفها بزعمه بيديه.
وقَد قَالَ عليٌّ t: «كانَ الله ولا مكانَ وهوَ الآنَ على ما عليْهِ كَانَ» رواهُ أبو منْصُورٍ البَغْدَادِيُّ.
المعنى: «كان الله»، أي: في الأزلِ «ولا مكان»، أي: ولم يكن مكان «وهو الآن»، أي: بعد أن خلقَ المكانَ «على ما عليه كانَ»، أي: لم يزل موجودًا بلا مكانٍ؛ لأنّه لا يجوزُ عليه التغيُّرُ والتّطوُّرُ والانتقالُ من حالٍ إلى حالٍ.
ولَيْسَ مِحْورُ الاعْتِقَادِ علَى الوَهْم؛ بَل عَلَى ما يَقْتَضِيْهِ العَقْلُ الصَّحِيْحُ السَّلِيْمُ الذي هُوَ شَاهِدٌ للشَّرْعِ، وذَلِكَ أن المحدودَ محتاجٌ إلى من حدَّه بذلكَ الحد فلا يكُون إلـٰهًا.
الوهمُ والتخيُّلُ قد يجتمعان من حيثُ المعنى، ومِحورُ اعتقادِ المسلم ليس على الوهمِ لأن الوهمَ يحكُمُ على ما لم يشاهده بحكم ما شاهدهم فيحكُم بأن الله موجودٌ بمكانٍ، أما العقلُ السليمُ فيقضي أن الله موجودٌ بلا مكانٍ. ومحورُ اعتقاد المسلم على العقلِ السليمِ ليس على الوهمِ؛ لأن العقلَ لا يَرُدُّ ذلك؛ بل يقبلُه ويسلّمُ به. والوهمُ يتصوَّرُ أشياءَ لا حقيقة لها، ومثال ذلك: لو نظرَ إنسانٌ إلى البحرِ عند الغروب وهمُهُ يقول له إن السماءَ ملتصقةٌ بالبحر وإن الشمسَ تنزلُ في البحر لكن الواقعَ غيرُ ذلك، فنحن ننظر إلى العقلِ ولا ننظر إلى الوهمِ، وإذا قال المشبّهةُ كيف يُقالُ الله ليس متَّصلًا بالعالم ولا منفصلًا عنه هذا إلا يقبلُهُ العقلُ، يقال لهم: العقلُ يقلبُهُ لكنَّ الوهمَ لا يتصوَّرُهُ، كما لا يتصوَّرُ الوهمُ عدمَ وجودِ النُّورِ ولا الظلمةِ في الأزل، وقد أخبرَ الله أنهما مخلوقانِ، قال تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [سورة الأنعام: 1].
فَكَمَا صَحَّ وجُودُ الله تَعَالَى بِلا مَكانٍ وَجِهَةٍ قَبْلَ خَلْقِ الأَمَاكِنِ والجِهَاتِ فَكَذلِكَ يَصِحُّ وجُودُهُ بَعْدَ خَلْقِ الأَمَاكِنِ بِلا مَكَانٍ وجِهَةٍ، وهَذَا لا يكونُ نَفيًا لِوجُودِهِ تَعَالَى كما زعمت المشبّهةُ والوهابيّةُ وهم الدُّعاةُ إلى التّجسيمِ في هذا العصرِ.
أما الدليلُ العقليُّ على تنزيهِ الله عن المكان فهو أنه تعالى لو استقرَّ على مكانٍ أو حاذى مكانًا لم يَخلُ أن يكونَ بقدر المكانِ أو أصغرَ منه أو أكبرَ منه، فلو كان مثلَ المكانِ لكان له شكلُ المكانِ إن كان ذلك المكانُ مربّعًا أو مثلَّثًا أو غيرَه من الأشكال فيكون محتاجًا إلى مخصصٍ خَصَّصَهُ بأحدِ هذه الأشكالِ وهذا عجزٌ، ولو كان أكبرَ من المكان لأدَّى ذلك إلى التهم أن الله متجزّئ بأن يكون جزءٌ منه في مكانٍ والزائدُ خارج المكان وهذا كفرٌ أيضًا، ولو كان أصغرَ من المكان لكان ذلك حصرًا له وهذا لا يليقُ بالله تعالى. فمحالٌ أن يكون الله مثلَ المكان أو أكبرَ من المكانِ أو أصغرَ من المكانِ وما أدّى إلى المحالِ محالٌ.
وحُكْمُ مَن يَقُولُ: «إنَّ الله تَعالى في كُلّ مَكانٍ أَو في جَمِيع الأَماكِنِ» التَّكْفِيرُ إذَا كَانَ يَفهَم من هَذِهِ العِبَارَةِ أنَّ الله بذاتِهِ مُنْبَثٌّ أوْ حالٌّ في الأَمَاكِنِ، أَمَّا إِذَا كَانَ يَفْهَمُ مِنْ هَذِهِ العِبَارَةِ أَنَّهُ تَعَالى مُسَيطِرٌ عَلَى كُلّ شَيْءٍ وعَالِمُ بِكُلّ شَيْءٍ فلا يكفُرُ، وهَذَا قَصْدُ كَثِيْرٍ مِمَّن يَلْهَجُ بِهَاتَيْن الكَلِمَتينِ، ويَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُمَا على كُل حَالٍ، لأنّها ليست صادرةً عن السّلف بل عن المعتزلة ثم استعملَها جهلَةُ العَوام.
كانَ جهمُ بن صفوانَ يقول عن الله تعالى هُو هذا الهواءُ وعلى كلّ شيء فكفَّرَهُ المسلمونَ وقُتِلَ بحكم الرّدَّةِ، أما من قالَ الله في كلّ مكانٍ على معنى الإحاطةِ بالعلم والتَّدبيرِ فلا نكفّره. وأما قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا} [سورة النساء: 126]، فليس معناه: أن الله محيطٌ بالعالم كإحاطةِ الحُقَّةِ([16]) بما فيها إنما معناه إحاطةُ العلمِ والقدرةِ، أي: أنه لا يَخرُجُ شَيءٌ عن قدرةِ الله وعلمِهِ.
ونَرفَعُ أيديَنا في الدّعاءِ إلى السّماءِ؛ لأن السماءَ قبلةُ الدُّعاء كما أن الكعبة قِبلةُ الصلاةِ، أي: تَنزِل علينا البركةُ والرحمةُ؛ لأن السماءَ مهبطُ الرّحماتِ. أما مدُّ اليدين، فمعناه: استنزالُ الرَّحمةِ والله لا يُخيبُ القاصدين بحقّ، فهذا الداعي الذي دعا الله تعالى وكان مادًّا يديهِ إلى السماءِ ليستنزلَ الرَّحمات من الله تعالى فإذا مَسَحَ بعد إنهاءِ الدعاءِ باليدين وجهَه، معنى ذلك: أن هذه اليد نَزَلَت عليها رحماتٌ وبمسحِهِ وجهَهُ بهما أصابت هذه الرَّحماتُ وجهَهُ.
ويكْفُر من يَعتقدُ التَحيُّزَ لله تَعالى، أوْ يَعتقِدُ أنَّ الله شَيءٌ كالهَواءِ أوْ كالنُّورِ يَملأُ مكَانًا أو غُرفةً أو مَسْجِدًا، ونسمّي المسَاجِدَ بُيوتَ الله لا لأنَّ الله يَسكنُها؛ بل لأنّها أمَاكنُ مُعَدَّة لذكرِ الله وعبادتِهِ، ويقالُ في العرشِ إنه جرمٌ أعدَّه الله ليَطوفَ به الملائكةُ كما يطوف المؤمنون في الأرض بالكعبةِ.
وكَذلكَ يكفُر من يَقولُ: (الله يَسكنُ قلوبَ أوليائِه) إنْ كانَ يَفْهَمُ الحُلُولَ.
القسمُ الأولُ واضحُ المعنى، أما العبارةُ الأخيرة فهي من كلام جهلةِ المتصوّفةِ وهذا كفرٌ، أما إن كانَ يفهمُ أن حب الله سَاكِنُ قلوبهم فلا يكفُر. وأما الحيّزُ فهو ما يشغلُهُ الجسمُ من الفراغ، فالحيّزُ هو المكانُ.
ولَيسَ الـمَقْصُودُ بالمِعراجِ وصُولَ الرسولِ إلى مكانٍ يَنْتَهِي وجُودُ الله تَعَالى إِلَيْهِ ويَكْفُر مَن اعْتَقَدَ ذلكَ، إِنّما القَصْدُ مِنَ المِعْراجِ هُو تَشْرِيفُ الرّسولِ ﷺ بإطْلاعِه علَى عَجائِبَ في العَالَم العُلْوِيّ، وتَعظِيمُ مكَانتِهِ ورُؤيتُه للذَّاتِ الـمُقَدَّسِ بفُؤادِه منْ غَيرِ أن يكُونَ الذّاتُ في مكَان.
وأمَّا قولُه تَعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [سورة النجم: 8، 9]، فَالـمَقصُودُ بِهَذِهِ الآيةِ جِبْرِيلُ u حَيْثُ رَءاهُ الرسول ﷺ بمكةَ بمكانٍ يقالُ له: أجيادُ وله سِتُّمائَةِ جَنَاحٍ سادًّا عُظْمُ خَلْقِه مَا بَيْنَ الأُفُقِ، كَما رَءاهُ مَرّةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الـمُنْتَهَى، كَما قال تَعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى} [سورة النجم: 13، 14].
معنى قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [سورة النجم: 8، 9] أن جبريلَ u اقتربَ من سيدنا محمدٍ فتدلى إليه فكانَ ما بينهما من المسافةِ بمقدارِ ذِرَاعينِ؛ بل أقربَ، وقد تدلَّى جبريلُ u إلى محمد ودَنَا منه فَرَحًا به.
وليس الأمرُ كما يفتري بعضُ الناس أن الله تعالى دَنَا بذاتِه من محمدٍ فكان بين محمدٍ وبين الله ما بين الحاجِبِ والحاجِبِ أو قدرَ ذراعين لأن إثباتَ المسافةِ لله تعالى إثباتٌ للمكانِ وهو من صفاتِ الخلق، أما الخالقُ فهو موجودٌ بلا كيفٍ ولا مكانٍ، لا يكون بينه وبين خلقِهِ مسافةٌ فالعرشُ الذي هو أعلى المخلوقات والفرشُ الذي هو منتهى المخلوقاتِ في الجهةِ السُّفلى على حدٍّ سواءٍ بالنسبة إلى ذات الله. فلا يجوزُ اعتقادُ القُربِ المكاني الذي هو قربٌ بالمسافة في حقّ الله تعالى، وإنما يمتازُ العرشُ وما يليه من السَّمـٰوات بكونه مسكَنَ الملائكة الذين لا يعصونَ الله ما أَمَرَهُم وبفضائلَ أخرى، أما بالنِّسبةِ إلى ذات الله فليسَ العرشُ قريبًا من الله بالمسافة قربًا يجعلُهُ بعيدًا من الفرش([17])، فقوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى}، أي: اجتمع مرةً ثانيةً بجبريل هناك؛ لأن جبريلَ لا يتجاوز سِدرةَ المنتهى، فإنَّ جبريلَ سفيرٌ بين الله وبين أنبيائه وبين ملائكة السمـٰوات السبع، فهو الذي يبلّغ الوحي للملائكةِ وللأنبياءِ.
المسألة الثانية: في الرد على القرضاوي حيث يقول: ومن كان يحب الجمال فالله مصدره، إن القرضاوي شط شطوطًا بالغًا حيث زعم أن الله مصدر والله I ليس كمثله شيء كما ورد في القرءان فلا يسمى مصدرًا ولا موردًا وقد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي السلفي في عقيدته الطحاوية المسماة بيان عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة قال: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر».
وفي تسمية الله تعالى مصدر وقوة كما قال القرضاوي فإن ذلك تكذيب لقوله تعالى: {فَلَا تَضرِبُوا لِلَّـهِ الْأَمْثَالَ} [سورة النحل: 74]، ولقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سورة الإخلاص: 4]، أي: ليس أحد شبيهًا لله ولقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11].
ولعل القرضاوي نزع فكره وخياله إلى الحديث النبوي الشريف: «إن الله جميل يحب الجمال».
أقول: إن هذا النزوع خاطئ فإن الجمال هنا ليس معناه الجمال الحسي الذي يوصف به الخلق؛ بل معناه: أن الله متصف بصفات الكمال التي تليق به من غير نقصان. يحب الجمال، أي: حسن الحال، كحسن العمل والخلق والنظافة في البدن والثوب بحدود الاستطاعة.
المسألة الثالثة: يقول وكل ما في الوجود بالإضافة إلى قدرة الله فهو كالظل بالإضافة إلى الشجر.
اللَّهُمَّ إنا نعوذ بك من هذا القول، فالقرضاوي بعد كل أضاليله وافتراءاته وصل به الحد أن يشبه الله بالشجر والمخلوقات بالظل وفي هذا تكذيب لقوله تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّـهِ الْأَمْثَالَ} [سورة النحل: 74]، ولقوله تعالى: {وَلِلَّـهِ الْمثَلُ الْأَعْلَى} [سورة النحل: 60]، أي: الوصف الذي لا يشبه وصف المخلوقين وتكذيب لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سورة الشورى: 11].
أمَا قرأ قول ذي النون المصري: «مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك» وصح هذا القول عن الإمام أحمد بن حنبل أيضًا.
كيف يجرؤ مدعي السلفية ويدعي أنه إمام الوسطية إلى ما هنالك من الألقاب الفارغة التي أسبغها عليه من يصدق بهم قول عليّ t بأنهم: «همجٌ رَعاع أتباع كل ناعق» أن يقول ما قاله.
المسألة الرابعة: وينسب إلى الله تعالى الجسم صراحة فيقول: والله تعالى وحدة لا في جوهره وحسب؛ بل في الغاية أيضًا.
ما أظن أن القرضاوي لا يفهم معنى الجوهر وهو الذي كما يدعي قضى أكثر من نصف قرن في التعلم والتعليم فأدنى طلاب العلم معرفة يعرفون أن الجوهر معناه ما له قيام بذاته؛ كالجسم سواء كان كبيرًا أم صغيرًا.
وهذا تصريح من القرضاوي بنسبة الجسم إلى الله تعالى فلذلك ما أظنها زلة قلم وقد شبه الله بالشجر وسمى الله مصدرًا وقد نسب الجهة إلى الله والجهة لا تكون إلا للأجسام فحسب وأدنى طلاب العلم معرفة يعرف أن الله تعالى ليس بذي جسم ولا حجم ولا هيئة ولا صورة ولا شكل ولا لون ولا جوهر ولا عرض ولا حد ولا يحسُّ ولا يمسُّ ولا يجس.
وبهذه العقيدة طافحة كتب أهل الحق قديمًا وحديثًا ككتب أبي الحسن الأشعري وإمام الحرمين والنووي والغزالي وابن الجوزي وغيرهم خلق كثير ناهيك عن مقالات في التنزيه وردت عن الصحابة وأئمة السلف واعلم أن إضافة الروح لله تعالى في قوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [سورة الحجر: 29] هي إضافة تشريف والذي نفخ فيه الروح المخلوقة المشرفة هو جبريل u، هو نفخ في ءادم وهو الذي نفخ في السيدة مريم عندما حملت بسيدنا عيسى.
وإضافة النفخ هنا كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبِعَ قُرْءانَهُ} [سورة القيامة: 18] فالذي كان يقرأ على رسول الله هو جبريل u وإضافة الروح إلى الله فهي كإضافة البيت إلى الله في قوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [سورة الحج: 26] وهنا الإضافة إضافة تشريف.
وقد قال الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله في «الفتح الرباني»([18]): «من قال: إن الله انحل منه شيء أو انحل في شيء فقد كفر» وثبت عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: «من قال إن الله في شيء أو على شيء أو من شيء فقد أشرك إذ لو كان في شيء لكان محصورًا أو كان على شيء لكان محمولًا أو كان من شيء لكان محدّثًا»، أي: مخلوقًا رواه القشيري في الرسالة.
المسألة الخامسة: يزعم القرضاوي أن الجزء الأعلى من الإنسان هو جزء من الله فقال ما نصّه: والأرواح تقوم بتغذية ذلك الجزء العُلوي الإلـٰهي في كيان الإنسان وهو المشار إليه بقوله تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [سورة الحجر: 29].
وفي هذا الكلام تصريح من هذا الرجل المدعي أن الجزء العلوي هو جزء من الله وهذه عقيدة حلولية فاسدة ما قال بها إلا غلاة المتصوفة وأشباههم. واعتقادك هذا يعني أن الروح التي نفخت بآدم هي جزء من الله وهذا فساد في عقلك وكساد في فهمك، لأن من قال بالحلول فدينه معلول كما جاء عن بعض الأكابر وهو الشيخ ابن عربي رحمه الله.
المسألة السادسة: يسمي القرضاوي الله بالرفيق الأعلى وهذه التسمية ما سبقه بها أحد على الإطلاق إلا الجهلة الذين يتسلَّمون المناصب بغير حق فكلمة الرفيق الأعلى وردت في الحديث عن جبريل u، وعن جبريل وميكائيل كما فسرها رسول الله في حديث ءاخر ونحن نتحدى القرضاوي أن يثبت هذه التسمية عن الله بنص أو بنسبة لإمام معتبر، إنما أخذ بقول غريب شاذ.
المسألة السابعة: وها هو القرضاوي ينسب إلى الله الحد ثم يتخبط، فيقول: تنزه عن الحد الذي يحصره فلا يحد بحد يحصره؛ بل بحد تتميز به عظمة ذاته.
فالعجيب كيف يتخبط كيف يثبت الحد لله وينفيه في ءان معًا.
فما دليلك يا قرضاوي أن الله تعالى له حد يتميز به، ألم تعلم أن الحد مخلوق، فإذا علمت ذلك علمت أن الله تعالى تنزه عن صفات المخلوقين فلا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان كما قال السلف الصالح.
أما إن كنت تعتقد أن الحد أزلي وقديم مع الله تعالى فقد زعمت أن الله تعالى ما خلق الحد؛ لأنه قديم وهذا كفر أيضًا؛ لأنك تكون قد كذب قوله تعالى: {وَخَلَق كُلَّ شَيْءٍ} [سورة الفرقان: 2]، فأين المهرب والمفر؟ ونحن نتحداك عمومًا أن تثبت ما قلت بنص أم أنك ستعود إلى معزوفتك أنه ثبت لك هذا الأمر باجتهاد؟! فهذا مردود؛ لأنه لا اجتهاد بمورد النص وقد دلت النصوص على عكس ذلك ولأنه لا اجتهاد في مسائل الاعتقاد فضلًا عن أنك لست مجتهدًا وفضلًا عن أنك عجزت أصلًا عن أبسط أسباب التقليد.
المسألة الثامنة: قال القرضاوي: إن مشكلتنا اليوم ليست مع من يقول بأن كلام الله مخلوق؛ بل مع الذين يقولون القرءان ليس من عند الله؛ بل من عند محمد.
لا شك أن الذين يقولون إن القرءان من عند محمد هم مشكلة كبرى وخطيرة ولكن لا يعني أن الذين يقولون: إن القرءان مخلوق ليس لدينا معهم مشكلة كما يدعي والعياذ بالله لماذا هذا التساهل والتهاون مع المعتزلة الذين زعموا أن القرءان مخلوق هؤلاء جعلوا الله تعالى متصفًا بصفات الحدوث وذلك تكذيب لكل ءايات التنزيه وأحاديث التنزيه وإذا كان لا مشكلة بيننا وبينهم كما يدعي فلماذا عُذب الإمام أحمد وصبر وصمد محتسبًا لله تعالى فهل وقوف الإمام أحمد ومن ورائه أهل الحق هل هذا يعتبر تعسفًا وتكلفًا وتطرفًا في المواقف؟.
فلقد وقف t وقفة شجاع عظيم دافع عن كلام الله وأثبت أن كلام الله تعالى صفة له أزلية ليس بحرف ولا صوت وليس له ابتداء ولا انتهاء وما زالت الأمة على هذا المعتقد إلا طائفتين المعتزلة الذين قالوا كلام الله مخلوق والوهابية الذين زعموا أن كلام الله حروف وأصوات ونسبوا ذلك زورًا للإمام أحمد.
والحاصل: إن العاقل هو الذي يتبع أهل الهدى ويتجنب مقولة أهل الضلال والهوى وأحب أن أنقل طائفة من أقوال المنزهين لله تعالى لمزيد من البيان وتثبيتًا للعقل والجنان:
[1])) انظر: الكتاب (33، 34).
[2])) انظر: الكتاب (ص36).
[3])) انظر: الكتاب (ص68).
[4])) انظر: الكتاب (ص216).
[5])) انظر: الكتاب (ص220 – 221).
[6])) انظر: الكتاب (ص231).
[7])) انظر: الكتاب (ص149).
[8])) انظر: الكتاب (ص148).
[9])) انظر: الكتاب (ص119).
[10])) انظر: الكتاب (ص19)
[11])) انظر: الكتاب (ص83).
[12])) انظر: الكتاب (ص83).
[13])) انظر: الكتاب (ص89).
[14])) انظر: الكتاب (ص34)
[15])) انظر: الكتاب (ص20، 21).
[16])) شيء مستدير توضع فيها الأشياء الثمينة.
[17])) الفرش: جسم تحت جهنم، أي: تحت كل المخلوقات وأما العرش فهو سقف الجنة.
[18])) الفتح الرباني (ص191).
[19])) انظر: الكتاب (5/24).
[20])) انظر: الكتاب (ص131).
[21])) انظر: الكتاب (2/259).
[22])) انظر: الكتاب (224).