الرَّدُّ:
إن القرضاوي يردد عبارة الأديان السماوية وهذه العبارة من الاستعمالات الخاطئة فلا يليق بمن يتصدى ويتصدر مجالس العلم أن يقع في مثل هذا الخطأ الفاحش؛ لأنه لا دين سماوي إلا الإسلام ليس غير.
من هنا؛ فإن الأديان كثيرة، فيقال للإسلام دين ولغير الإسلام من الأديان الفاسدة دين لقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِي دِينِ} [سورة الكافرون: 6].
أما العبارة المقيّدة بالسماوي فلا يصح ذلك إلا عن الإسلام؛ لأن كل الأنبياء جاءوا بالإسلام من أولهم ءادم عليه الصلاة والسلام إلى ءاخرهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فهؤلاء جاؤوا بدين واحد وشرائع سماوية مختلفة؛ لذا يقال: شرائع سماوية.
لأن الشرائع قد تختلف من رسول لآخر بعض الاختلافات في الفروع أما في الأصول، أي: الاعتقاد فلا خلاف بين نبي وءاخر على الإطلاق فكلهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
وأما تفاصيل الفروع كالأحكام فقد حصل اختلاف بين بعض الشرائع فمثلًا الصلاة كان من سيدنا ءادم إلى سيدنا يعقوب صلاة واحدة في اليوم والليلة ومن سيدنا يعقوب إلى سيدنا عيسى صلاتين وأما سيدنا محمد فق فرضت عليه خمس صلوات في اليوم والليلة. ومن الاختلافات أيضًا أن الثوب إذا أصابه بول أيام بني إسرائيل كان لا يطهر الثوب حتى يقص الموضع المتنجس وكانت الصلاة فيما مضى لا تصح إلا في موضع مخصوص، أما في أمة سيدنا محمد ﷺ فأينما أدركتك الصلاة تصلي.
والدليل من القرءان الكريم على أن الأنبياء كلهم يدينون بالإسلام قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإسْلَامُ} [سورة ءل عمران: 19] وقال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة ءال عمران: 85]، وقال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة ءل عمران: 67].
وقال رسول الله ﷺ: «الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى» رواه البخاري وغيره([6])، أي: دينهم الإسلام وشرائعهم مختلفة.
وقال تعالى حاكيًا عن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [سورة ءل عمران: 52].
وقال حاكيًا عن سيدنا سليمان: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [سورة النمل: 30، 31].
وقال حاكيًا عن سيدنا يوسف : {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [سورة يوسف: 101].
وهنالك ءايات كثيرة تثبت ذلك أيضًا عن أنبياء ءاخرين، أما اليهود الذين اتبعوا سيدنا موسى وغيره من أنبيا بني إسرائيل فهؤلاء كانوا يدينون هم وأنبياؤهم بدين الإسلام وإنما كلمة يهود جاءت من قوله تعالى حاكيًا عن موسى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [سورة الأعراف: 156]، أي: تبنا إليك يا رب فلذلك سُموا باليهود وكذلك النصارى سُموا كذلك نسبة لبلدة في فلسطين تسمى الناصرة وقيل: نضرة أو سموا كذلك؛ لأنهم نصروا المسيح وقد بينا في الآية مقالة النصارى الحواريين المسلمين أتباع سيدنا عيسى {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [سورة ءل عمران: 52].
لهذا كله يقال: شرائع سماوية ولا يقال: أديان سماوية. ثم رأينا القرضاوي يتناقض بوضوح فيقول: وليس الإسلام هو الدين الفذ الذي أباح الطلاق فقبل الإسلام كان الطلاق ثم يتناقض مع نفسه فيقول: «وأعلن الإنجيل على لسان المسيح تحريم الطلاق وقد علل الإنجيل هذا التحريم القاسي «بأن ما جمعه الله لا يصح أن يفرقه الإنسان».
وهنا نريد أن نسأل القرضاوي ألا تعلم أن سيدنا عيسى جاء بالإسلام؟ فبما أنه جاء بالإسلام فهل ما ترويه من قولك إن الإنجيل حرم الطلاق هذا مما جاء به سيدنا عيسى حقًّا كما تزعم ناقلًا ونحن نعلم أن الشرائع السماوية شرعت الطلاق وقد ثبت في الحديث الصحيح أن إبراهيم قال لكنته زوجة إسماعيل قولي له انزع عتبة دارك ففهم مراد أبيه فطلقها.
ولو قال لك شخص إذا سلمنا أن هذا الحكم صحيح من عند الله فهل يجوز لك أن تصف حكمًا شرعيًا بالقاسي؟ فما جوابك؟!
وإذا كنت تعتقد بأنه من التحريف فلمَ تستشهد به؟ فما الجواب؟…
ومن العجيب أنك تسمي سيدنا إبراهيم مؤسس الدين الخالص، فما هو هذا الدين الخالص([7]) الذي عنيت هل هو الإسلام؟ فإذا كان الإسلام فبماذا كان يدين الأنبياء وأتباعهم قبل سيدنا إبراهيم ألا تعلم إنه الإسلام إن كنت لا تعلم الآن تعلم وارجع عن غيك وأنت تزعم أن إبراهيم هو أول من أنزل عليه الإسلام فهل يصح أن يقال هو مؤسسه وقد لاحظت أنك قد قلت ما قلت بسبب سوء فهك لآية في القرءان وردت على لسان سيدنا إبراهيم وهي قوله: «وأنا أول المسلمين». جهلت أن معناها: هو أول المسلمين في عصره ولا خلاف في ذلك البتة. والله تعالى قال لنبيّه محمد ﷺ: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الزمر: 11، 12]، فمعنى الآية: أن سيدنا محمدًا ﷺ هو أول مسلمي هذه الأمة وإلا فإن لم يكن تفسير الآيتين كذلك لوقع التناقض في القرءان وهذا مستحيل.
والدليل على أن الإسلام موجود قبل سيدنا إبراهيم قول الله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [سورة الشورى: 13]([8]).
وقال تعالى أيضًا: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [سورة المائدة: 48] ولم يقل ولكل جعلنا منكم دينًا.
[1])) انظر: الكتاب (ص14).
[2])) انظر: الكتاب (ص192).
[3])) انظر: الكتاب (ص193)
[4])) انظر: الكتاب (ص295).
[5])) انظر: الكتاب (ص160).
[6])) صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ}.
[7])) قال تعالى: {أَلَا لِلَّـهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [سورة الزمر: 3] من هنا فَمُشرّع هذا الدين هو الله والأنبياء هم أتباعه وقبل هذه الآية قوله تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [سورة الزمر: 2].
[8])) وقال حاكيًا عن نوح أيضً: {وَاُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سورة يونس: 72].