الأحد ديسمبر 22, 2024

القرضاوي يزعم أن البدعة لا تكون إلا بدعة ضلال

  • يقول في كتابه المسمّى «الحلال والحرام» ما نصّه([1]): «فمن ابتدع عبادة من عنده كائنًا من كان فهي ضلالة ترد عليه».اهـ.

الرَّدُّ:

والرَّدُّ عليه في أن البدعة تنقسم إلى قسمين بدعة هدى، وبدعة ضلالة وذلك من وجوه:

أوَّلًا: قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّـهِ} [سورة الحديد: 27].

فهذه الآية يستدل بها على وجود البدعة الحسنة؛ لأن معناها مدح الذين كانوا مؤمنين من أمة عيسى متبعين له u بالإيمان والتوحيد، فالله تعالى مدحهم؛ لأنهم كانوا أهل رأفة ورحمة ولأنهم ابتدعوا رهبانية، والرهبانية هي الانقطاع عن الشهوات حتى إنهم انقطعوا عن الزواج رغبة في تجردهم للعبادة، فمعنى قوله تعالى: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِم}، أي: نحن ما فرضناها عليهم إنما هم أرادوا التقرب إلى الله، فالله تعالى مدحهم على ما ابتدعوا مما لم ينص لهم عليه في الإنجيل ولا قال لهم المسيح بنص منه.

ثانيًا: روى البخاري في الصحيح([2]) أن سيدنا عمر بن الخطاب قال عن التراويح: «نعم البدعة هذه»، وفي «الموطأ»([3]) بلفظ: «نعمت البدعة هذه».

قال الحافظ ابن حجر في «الفتح»([4]): «قوله: قال عمر: «نعم البدعة» في بعض الروايات: «نعمت البدعة» بزيادة التاء، والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع مقابل السُّنَّة فتكون مذمومة. والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة».اهـ.

ثالثًا: روى البيهقي بإسناده في «مناقب الشافعي»([5]) عن الشافعي t أنه قال: «المحدثات من الأمور ضربان؛ أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سُنّةً أو أثرًا أو إجماعًا فهذه البدعة الضلالة، والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة».اهـ.

رابعًا: ذكر الحافظ ابن حجر في «شرح البخاري» ما نصّه([6]): «قال الشافعي: البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة فما وافق السُّنَّة فهو محمود، وما خالفها فهو مذموم».اهـ.

خامسًا: قال النووي في كتاب «تهذيب الأسماء واللغات»([7]) في مادة: (ب د ع) ما نصّه: «البدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن على عهد رسول الله ﷺ وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة».

وقال الإمام الشيخ المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في ءاخر كتاب القواعد: «البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة، قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فمحرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة». انتهى كلام النووي.

سادسًا: قال ابن عابدين الحنفي الدمشقي في «رد المحتار»([8]) ما نصّه: «قد تكون البدعة واجبة كنصب الأدلة للرد على أهل الفرق الضالة وتعلم النحو المفهم للكتاب والسُّنَّة، ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة المساجد، ومباحة كالتوسع بلذيذ المآكل والمشارب والثياب».اهـ.

سابعًا: قال الحافظ السيوطي في رسالة سماها حسن المقصد في عمل المولد مجيبًا عن سؤال حول عمل المولد: «هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها».اهـ.

ثامنًا: قال الحطاب المالكي في كتابه «مواهب الجليل» ما نصّه([9]): «وقال السخاوي في القول البديع (ص196) أحدث المؤذنون الصلاة والسلام على رسول الله عقب الأذان للفرائض الخمس» إلى أن قال: «والصواب: أنه بدعة حسنة وفاعله بحسب نيته».اهـ.

وأخيرًا: ومن البدع الحسنة استحداث سيدنا عثمان الأذان الثاني يوم الجمعة، وكذلك تنقيط المصحف، وبناء القباب والمآذن والمحاريب أيام بني أمية، ولو قال قائل منهم: «هذه مصالح مرسلة» نقول لهم: كلمة «مصالح مرسلة» بدعة وقد قالها فقهاء المالكية فلماذا تحاربون البدعة بالبدعة.

تاسعًا: ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم ما نصّه([10]): «قوله ﷺ: «وكل بدعة ضلالة» هذا عام مخصوص والمراد به غالب البدع».اهـ. ثم قسم البدعة إلى خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة.

 

 

[1])) انظر: الكتاب (ص24).

[2])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صلاة التراويح: باب: فضل من قام رمضان.

[3])) الموطأ: كتاب الصلاة، باب: بدء قيام ليالي رمضان.

[4])) فتح الباري (4/253).

[5])) مناقب الشافعي (1/469).

[6])) فتح الباري (13/253).

[7])) تهذيب الأسماء واللغات (3/22).

[8])) رد المحتار على الدر المختار (1/376).

[9])) مواهب الجليل (1/430).

[10])) شرح صحيح مسلم (6/154).