الأحد ديسمبر 22, 2024

القرضاوي يرى أنّ الحرز جهل وضلال يصادم سنن الله وينافي توحيده

يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «الحلال والحرام»([1]) عن الحرز: «فهو جهل وضلال يصادم سنن الله وينافي توحيده».اهـ.

وقال في كتابه المسمّى «موقف الإسلام»([2]): «كراهية التمائم ولو كانت من القرءان: وعن إبراهيم النخعي قال كانوا يكرهون التمائم كلها من القرءان وغير القرءان».

وقال في كتاب السابق([3]): «وأرجح ما رءاه أصحاب ابن مسعود من كراهية التمائم كلها».اهـ.

الرَّدُّ:

الحِرْز الذي فيه قرءان جائز حديثًا، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال كنا نعلمه أبناءنا البالغين، يعني: ذِكرًا علمهم الرسول وهو أن يقال عند النوم أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شرّ عباده ومن همزاتِ الشياطين وأن يحضرون ونكتبه ونعلقه في أعناق من لم يبلغ منهم. ثم لم يزل عمل المسلمين على ذلك السلف منهم والخلف وهذا الحديث حسّنه الترمذي([4]).

أما حديث([5]): «إن الرُّقى والتَّمائِم والتِولَةَ شِرك» فالتمائم المذكورة فيه المراد بها الخرزات التي كانت الجاهلية تعلقها في أعناق أولادهم وبيّن ذلكَ أنه مراد رسول الله حديث ابن حبّان: «نهى رسول الله ﷺ عن الرُّقى والتمائم إلا بالـمُعوّذات».

فأنت ومن سبقوكَ إلى هذا الإنكار الباطل لم تفهموا معنى التمائم التي نهى رسول الله عنها وقلتم إنها هذه الحروز وهذا من أبشعِ الجهل.

عجبًا لك يا قرَضاوي تستحسن الاستشفاء بأجزاء بني ءادم كالكلى ونحوها وتستنكر الاستشفاء بذكر الله.

وقد ثبت واشتهر أن أحمد بن حنبل([6]) كتب لتلميذه أبي بكر الـمَرْوَرُّذي لما حُمّ([7]) رُقَعَةٌ كتب فيها: بسم الله وبالله ومحمدٌ رسول الله {قُلْنا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} الآية [سورة الأنبياء: 69] ليستشفيَ بها منَ الحُمَّى.

وقول القرضاوي بكراهية التمائم ولو كانت من القرءان: إن إبراهيم النخعي قال كانوا يكرهون التمائم كلها من القرءان وغير القرءان، فالجواب عنه: أن العبرة بعمل الصحابة وما وافق الحديث. وإن قال قائل بأن فلانًا وأن فلانًا كره فالجواب: لا يُقاوِم كلام فلان وفلان من التابعين ما ثبت عن الصحابة.

وأما قول القرضاوي وإن كنت أرجح ما رءاه أصحاب ابن مسعود من كراهية التمائم كلها، فالجواب: أن هذا لا حجَّة له فيه؛ لأن التمائم هي تلك الخَرّزات، والحِرْزُ هو الذي فيه قرءان أو ذكر الله فضلًا عن أنك لست من أهل الترجيح.

وفي كتاب مسائل الإمام أحمد لأبي داود السجستاني([8]) ما نصّه: «أخبرنا أبو بكر، قال حدَّثنا أبو داود قال رأيتُ على ابن لأحمد وهو صغير تميمة في رقبته من أديم»([9]).

وفي كتاب «معرفة العلل وأحكام الرجال»([10]) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: «حدَّثني أبي بسنده إلى الشعبيّ قال: لا بأس بالتعويذ من القرءان يعلق على الإنسان».

وقال عبد الله بن أحمد([11]): «رأيت أبي يكتب التعاويذ للذي يصرع وللحمى ولأهله وقراباته ويكتب للمرأة إذا عسر عليها الولادة في جام([12]) أو شيء نظيف».

قال الحافظ ابن المنذر في «الأوسط»([13]): «ورخص بعض من كان في عصرنا للجنب والحائض في مس المصحف ولبس التعاويذ».

وفي كتاب «الآداب الشرعية» لشمس الدين بن مفلح الحنبليّ ما نصّه: «قال المروزي: شكت امرأة إلى أبي عبد الله أنها مستوحشة في بيت وحدها فكتب لها رقعة بخطّه بسم الله وفاتحة الكتاب والمعوذتين وءاية الكرسيّ».

وقال: «وكتب إليَّ أبو عبد الله من الحمى بسم الله الرحمـٰن الرحيم بسم الله وبالله ومحمد رسول الله {يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [سورة الأنبياء: 69]. اللَّهُمَّ ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل اشفِ صاحبَ هذا الكتاب بحولك وقوّتك وجبروتك إلـٰه الحقّ. ءامين».

وقال البيهقيّ في «السنن الكبرى»([14]): «أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالا: حدَّثنا أبو العباس الأصم، حدَّثنا بحر بن نصر، أخبرني نافع بن يزيد أنه سأل يحيـى بن سعيد عن الرقى وتعليق الكتاب فقال: كان سعيد بن المسيب يأمر بتعليق القرءان وقال لا بأس به».

قال الشيخ – أي: البيهقيّ – رحمه الله: «وهذا كله يرجع إلى ما قلناه من أنه إن رقى بما لا يعرف أو على ما كان من أهل الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى لم يجز وإن رقى بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله متبركًا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى فلا بأس. وبالله التوفيق».اهـ.

فظهر بعد كل هذه الأدلة الصحيحة الواضحة أن التمائم التي سماها رسول الله ﷺ شركًا هي تلك الخرزات التي كانت تعلقها الجاهلية معتقدين أنها تنفع بدون مشيئة الله وهذا شرك، وأن الحروز التي تعود المسلمون عملها من أيام الصحابة إلى يومنا هذا والتي فيها شيء من القرءان والأدعية الصحيحة الشرعية هي شيء حسن غير مذموم، مع اعتقادهم لا ضار ولا نافع على الحقيقة إلا الله تعالى.

[1])) انظر: الكتاب (ص223).

[2])) انظر: الكتاب (ص148).

[3])) انظر: الكتاب (ص149).

[4])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب: (94)، وحسنه.

[5])) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطب، باب: في تعليق التمائم.

[6])) الآداب الشرعية (2/476).

[7])) حُمّ: أي أصابته الحُمى.

[8])) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطب، باب: في تعليق التمائم.

[9])) الأديم: الجلد.

[10])) انظر: الكتاب (ص279 – 287).

[11])) انظر: مسائل الإمام أحمد، لابنه عبد الله (ص447).

[12])) جام: شيء يشبه الإناء.

[13])) انظر: الكتاب (1/103، 104).

[14])) السنن الكبرى (9/350، 351).