الرَّدُّ:
أما قوله إن عليًّا قبل معارضة الخوارج هذا دليل على تضليل علي بن أبي طالب؛ لأنه بزعم القرضاوي رضي بالكفر والرضى بالكفر كفر كيف يرضى بتكفيره وتكفير الأمة قاطبة.
وأما زعمه إن الخلاف بيننا وبين الخوارج ليس أساسيًا فهذا كلام مردود على قائله فاسمع إلى ابن حجر ماذا قال في الخوارج واسمع إلى الأحاديث النبوية التي رواها البخاري وغيرها عن الخوارج قال ابن حجر في فتح الباري ج12 ص282 قال البخاري: باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} [سورة التوبة: 115]، وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى ءايات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.
قال عليُّ t: إذا حدّثتكم عن رسول الله ﷺ حديثًا فوالله لَأَنَّ أَخِرَّ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أكذبَ عليه، وإذا حدَّثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «سيخرج قوم في ءاخر الزمان أحداث الأسنان، سُفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يَمرقونَ من الدّين كما يمرُق السهم منَ الرَّميَّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة» رواه البخاري([3]).
عن أبي سلمة وعطاء بن يسار أنهما «أتيا أبا سعيد الخدريّ فسألاه عن الحرورية أسمعت النبي ﷺ؟ قال: لا أدري ما الحرورية، سمعت النبي ﷺ يقول: «يخرج في هذه الأمة – ولم يقل منها – قومٌ تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرءون القرءان لا يجاوز حلوقهم – أو حناجرهم – يمرقون من الدّين مروق السهم من الرميَّة»» رواه البخاري(120).
عن عبد الله بن عمر وقد ذكر الحرورية فقال: قال النبي ﷺ: «يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرَّمية» رواه البخاري(120).
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري([4]) وقد ثبت في الحديث الصحيح المرفوع عند مسلم([5]) من حديث أبي ذر في وصف الخوارج «هم شرار الخلق والخليقة» وعند أحمد([6]) بسند جيد عند أنس مرفوعًا مثله، وعند البزار من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: «ذكر رسول الله ﷺ الخوارج فقال: «هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي» وسنده حسن وعند الطبراني من هذا الوجه مرفوعًا: «هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة» وفي حديث أبي سعيد عند أحمد([7]) «هم شر البرية»، وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم([8]) «من أبغض خلق الله إليه» وفي حديث عبد الله بن خباب، يعني: عن أبيه عند الطبراني «شر قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض» وفي حديث أبي أمامة نحوه([9])، وعند أحمد([10])، وابن أبي شيبة([11]) من حديث أبي برزة مرفوعًا في ذكر الخوارج «شر الخلق والخليقة» يقولها ثلاثًا وعند ابن أبي شيبة([12]) من طريق عمير بن إسحـٰق عن أبي هريرة «هم شر الخلق» وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم».اهـ.
ثم قال الحافظ([13]): «وأخرج أحمد نحو هذا الحديث عن علي وزاد في ءاخره «قتالهم حق على كل مسلم» ووقع سبب تحديث علي بهذا الحديث في رواية عبيد الله بن أبي رافع فيما أخرجه مسلم([14]) من رواية بسر بن سعيد عنه قال: «إن الحرورية لما خرجت وهو مع علي قالوا: لا حكم إلا لله تعالى، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله ﷺ وصف ناسًا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم ولا يجاوز هذا منهم – وأشار بحلقه – من أبغض خلق الله إليه».اهـ.
وقال الحافظ أيضًا([15]): «عن أبي سعيد عند مسدد «يقرءون القرءان كأحسن ما يقرؤه الناس»، وروى مسلم عن أبي بكرة عن أبيه «قوم أشداء أحداء ذلقة ألسنتهم بالقرءان» أخرجه الطبري وزاد في رواية عبد الرحمٰن ابن أبي نُعم عن أبي سعيد: «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون…».
وللحميدي([16]) وابن أبي عمر([17]) في مسنديهما من طريق أبي بكر مولى الأنصار عن علي «إن ناسًا يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعوجون فيه أبدًا». انتهى.
وقال أيضًا([18]): «وفي حديث أنس عن أبي سعيد «هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا»، قيل: يا رسول الله ما سيماهم؟ قال: «التحليق»».
وعند مسلم([19]) من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق»، وفي لفظ له: «يكون في أمتي فرقتان فيخرج من بينهما طائفة مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق»، وفي لفظ له: «يخرجون في فرقة من الناس يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق».
وفي رواية الضحاك المشرقي عن أبي سعيد «يخرجون على فرقة مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق» وفي رواية أنس عن أبي سعيد عند أبي داود([20]) «من قاتلهم كان أولى بالله منهم».
قوله: (وأشهد أن عليًّا قتلهم) في رواية شعيب «إن علي بن أبي طالب قاتلهم» وكذا وقع في رواية الأوزاعي ويونس «قاتلهم».اهـ.
وقال الحافظ أيضًا([21])” «وتقدم في أحاديث الأنبياء([22]) وغيرها «لئن أدركتهم لأقتلنهم». وأخرج الطبراني في «الأوسط» من طريق عامر بن سعد قال: قال عمار لسعد: أما سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يخرج أقوام من أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلهم علي بن أبي طالب؟» قال: أي والله».اهـ.
وقال الحافظ أيضًا([23]): «قال – أي: الطبري – وفيه أنه لا يجوز قتال الخوارج وقتلهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم بدعائهم إلى الرجوع إلى الحق والإعذار إليهم، وإلى ذلك أشار البخاري الترجمة بالآية المذكورة فيها، واستدل به لمن قال بتكفير الخوارج. وهو مقتضى صنيع البخاري حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة.
وبذلك صرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي فقال: الصحيح أنهم كفار لقوله ﷺ: «يمرقون من الإسلام»، ولقوله: «لأقتلنهم قتل عاد»، وفي لفظ: «ثمود»، وكل منهما إنما هلك بالكفر، وبقوله: «هم شر الخلق» ولا يوصف بذلك إلا الكفار».اهـ.
وقال الحافظ أيضًا([24]): «قال الشيخ تقي الدين السبكي: وهؤلاء قد تحقق منهم أنهم يرمون جماعة بالكفر ممن حصل عندنا القطع بإيمانهم فيجب أن يحكم بكفرهم بمقتضى خبر الشارع، وهو نحو ما قالوه فيمن سجد للصنم ونحوه ممن لا تصريح بالجحود فيه بعد أن فسروا الكفر بالجحود فإن احتجوا بقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك قلنا وهذه الأخبار الواردة في حق هؤلاء تقتضي كفرهم ولو لم يعتقدوا تزكية من كفروه علماً قطعيًا، ولا ينجيهم اعتقاد الإسلام إجمالًا والعمل بالواجبات عن الحكم بكفرهم كما لا ينجي الساجد للصنم ذلك ـ قلت: وممن جنح إلى بعض هذا البحث الطبري في تهذيبه فقال بعد أن سرد أحاديث الباب: فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالمًا فإنه مبطل لقوله في الحديث: «يقولون الحق ويقرءون القرءان ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء».
وقال «صاحب الشفا»([25]) فيه: «وكذا نقطع بكفر كل من قال قولًا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة»، وحكاه صاحب «الروضة» في كتاب الردة عنه وأقره».اهـ.
وأخيرًا:
اسمع يا قرضاوي إلى شاعر الخوارج عمران بن حطان الذي يمدح عبد الرحمٰن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه قال:
يا ضربة من تقيّ ما أراد بها |
| إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا |
فرد عليه الفقيه الطبري بقوله:
يا ضربة من شقي ما أراد بها |
| إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا |
فأقول هؤلاء هم كلاب النار كما ورد فيهم الحديث الشريف وهؤلاء الذين هم مؤمنون بنظر القرضاوي، وأما تكفير القرضاوي للمؤمنين فهذا الكتاب طافح بذلك.
ملاحظة: إن الذين لم يكفروا الخوارج إنما هم لم يعنوا بذلك غلاتهم؛ لأن الخوارج فرق كثيرة تتفاوت عقائدهم.
([3]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم: باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم.
([5]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: الخوارج شر الخلق والخليقة.
([8]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: التحريض على قتل الخوارج.
([9]) انظر: سنن ابن ماجه (1/65)، مسند أحمد (5/250 – 256 – 269).
([10]) مسند أحمد (4/424 – 425).
([11]) مصنف ابن أبي شيبة (7/559).
([12]) مصنف ابن أبي شيبة (7/553).
([14]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: التحريض على قتل الخوارج.
([16]) مسند الحميدي (1/31 – 32).
([17]) انظر: إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة، للبوصيري (8/17 – 18).
([19]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم.
([20]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب: في قتال الخوارج.
([22]) انظر: صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [سورة الأعراف: 65].