الإثنين ديسمبر 23, 2024
  • القدر والمشيئة وليلة النصف من شعبان

     

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من  شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدّ ولا ندّ له، وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله .

    أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم. القائل في محكم كتابه: {سيذّكر من يخشى} .

    سيتعظ بالقرءان من يخاف الله تعالى ، والله يقول: {أينما كنتم يدرككم الموت لو كنتم في بروج مشيدة} الآية. النساء 77 .

    فلا بدّ لكلِّ واحد منا أن يرحل عن هذه الدنيا الزائلة الفانية التي وصفها حبيبنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه “كالشمس إذا تدلّت نحو الغروب” معناه ما مضى أكثر من ما بقي .

    فهل أنت مستعد للآخرة ؟ هل أنت مستعد للقاء سيدنا عزرائيل عليه السلام ؟ هل أنت من المشمرين عن ساعد الجدّ المقبلين على الطاعة بهمّة وصدق وإخلاص ؟ وأنت في شهر شعبان المبارك الذي يليه أفضل الشهور رمضان وفي شعبان ليلة وهي ليلة النصف من شعبان التي ورد في فضلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها” .

    ليلة النصف من شعبان هي ليلة مباركة وأكثر ما يبلغ المرء تلك الليلة أن يقوم ليلها ويصوم نهارها ويتقي الله فيها.

    إن تقوى ربنا خير نفل

     

    ويإذن الله ريثي وعجل

    أحمد الله فلا ند له

     

    بيديه الخير ما شاء فعل

    من هداه سبل الخير اهتدى

     

    ناعم البال ومن شاء أضل

    “إن تقوى ربنا خير نفل” أي أنّ تقوى الله خير ما يؤتاه الإنسان وخير ما يُعطاه.

    “وبإذن الله ريثي وعجل” أي أنه لا يبطىء مبطىء ولا يسرع مسرع إلا بمشيئة الله وبإذنه، أي أنه لا يبطىء مبطىء في العمل ولا يسرع نشيط في العمل إلا بمشيئة الله وإذنه. أي أن الله تعالى هو الذي يخلق في العبد القوة والنشاط للخير وهو الذي يخلق فيه الكسل والتواني عن الخير أي أن الخير والشر اللذين يحصلان من الخلق كلٌّ بخلق الله تعالى ومشيئته.

    “أحمد الله فلا ند له” أي لا مثل له .

    “بيديه الخير” أي والشر، أي أن الله تعالى مالك الخير ومالك الشر، لا خالق للخير والشر من أعمال العباد إلا الله .

    “أحمد الله فلا نـد لـه             بيديه الخير ما شاء فعل”

    أي ما أراد الله حصوله لا بد أن يحصل وما أراد أن لا يحصل فلا يحصل ، فلا تتغير مشيئة الله بدعوة داع أو صدقة متصدق أن نذر ناذر، فلا يجوز أن يعتقد الإنسان أن الله يحدث له مشيئة شىء لم يكن شائيًا له في الأزل. فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن”

    فما ينبغي الانتباه منه إخوة الإيمان دعاء اعتاد بعض الناس على ترداده في هذه الليلة أي ليلة النصف من شعبان وهو قول البعض : “اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب محرومًا أو مطرودًا أو مقترًا عليّ في الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي” فهذا لم يثبت ولا يجوز أن يعتقد الإنسان أن الله يغير مشيئته بدعوة داع ، ومن اعتقد ذلك فسدت عقيدته والعياذ بالله، فمشيئة الله أزلية أبدية لا يطرأ عليها تغير ولا تحول كسائر صفاته سبحانه وتعالى ، علمه وقدرته وتقديره وغيرها. وأما قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} .

    معناه أن الله يمحو ما يشاء من القرءان ويرفع حكمه وينسخه ويثبت ما يشاء من القرءان فلا ينسخه، وليس المراد به أن الله يغير مشيئته لدعوة أو صدقة أو نذر أو غير ذلك. فلو كان الله يغير مشيئته بدعوة لغيّرها لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث إن الرسول قال: “سألت ربي ثلاثًا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة” .

    وفي رواية : “قال لي يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد” .

    وينبغي أن لا يعتقد أنها هي الليلة التي يقول الله فيها: {فيها يفرق كل أمر حكيم} سورة الدخان .

    وإن كان شاع عند بعض العوام أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان فهذا غير صحيح، والصواب أن هذه الليلة هي ليلة القدر .

    ومعنى {فيها يفرق كل أمر حكيم} أن الله يطلع ملائكته في هذه الليلة ليلة القدر على تفاصيل ما يحدث في هذه السنة إلى مثلها من العام القابل من موت وحياة وولادة وأرزاق ونحو ذلك.

    فأنت أخي المسلم تحتاج لعلم الدين حتى في الدعاء في ليلة النصف من شعبان وغيرها، لا بدّ لك من علم الدين لتوافق شرع الله في دعائك، لتوافق شرع الله في صلاتك، لتوافق  شرع الله في صيامك .

    اللهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا يا ربّ العالمين يا الله .

    هذا وأستغفر الله لي ولكم .

     

    الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

    إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.

    وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ علَى سَيّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّف. عِبادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.