الأربعاء ديسمبر 4, 2024

لا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِى الْجَهْلِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ مَهْمَا بَلَغَ الْجَهْلُ بِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْعَقْلَ وَحْدَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ نَصًّا قُرْءَانِيًّا أَوْ حَدِيثِيًّا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِىِّ مَنْ نَفَى قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ كَافِرٌ بِالِاتِّفَاقِ، أَىْ بِلا خِلافٍ وَكَذَا مَنْ شَكَّ فِى قُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَىْءٍ. أَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَابْنُ تَيْمِيَةَ مِنْ أَنَّ الْجَاهِلَ إِذَا أَنْكَرَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ لا يَكْفُرُ فَهُوَ خَرْقٌ لِلإِجْمَاعِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَقَدْ يَغْلَطُ فِى بَعْضِ الصِّفَاتِ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلا يُكَفَّرُونَ بِذَلِكَ، يَعْنِى بِذَلِكَ قِصَّةَ الرَّجُلِ الَّذِى أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِىُّ ﷺ بِقَوْلِهِ كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إِذَا أَنَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِى ثُمَّ اطْحَنُونِى ثُمَّ ذُرُّونِى فِى الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَىَّ لَيُعَذِّبَنِى عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِى مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ تُوُفِّىَ رَجَلٌ كَانَ نَبَّاشًا فَقَالَ لِوَلَدِهِ أَحْرِقُونِى (أَىْ كَانَ يَنْبُشُ الْقُبُورَ لِيَأْخُذَ الْكَفَنَ وَمَا يُتْرَكُ مَعَ الْمَيِّتِ مِنْ ذَهَبٍ وَنَحْوِهِ) فَظَنَّ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ شَكَّ فِى قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِى تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْىَ قُدْرَةِ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّاكَّ فِى قُدْرَةِ اللَّهِ كَافِرٌ وَقَدْ قَالَ فِى ءَاخِرِ الْحَدِيثِ إِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَالْكَافِرُ لا يَخْشَى اللَّهَ وَقِيلَ قَوْلُهُ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَىَّ أَىْ ضَيَّقَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الطَّلاقِ ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ أَىْ ضُيِّقَ، أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ لَئِنْ قَدَّرَ عَلَىَّ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَىْ لَئِنْ قَدَّرَ عَلَىَّ الْعَذَابَ لَيُعَذِّبَنِى. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِى فَتْح الْبَارِى عِنْدَ شَرْحِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَظْهَرُ الأَقْوَالِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِى حَالِ دَهْشَتِهِ وَغَلَبَةِ الْخَوْفِ عَلَيْهِ حَتَّى ذُهِبَ بِعَقْلِهِ لِمَا يَقُولُ، أَىْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ جَزَعِهِ وَخَوْفِهِ كَمَا غَلِطَ ذَلِكَ الآخَرُ أَىْ سَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ.