الأحد ديسمبر 7, 2025

الفضل بتفضيل الله

روى الإمام مالك في موطئه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق ءادم، وفيه أهبط من الجنة وفيه تاب عليه وفيه مات وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه». والجمهور من العلماء على أن ساعة الإجابة هي ءاخر ساعة من يوم الجمعة أي قبل الغروب بساعة فلا تفوتوها وسلوا الله الخير في هذه الساعة.

أما ءادم فلأنه أول النوع البشري الذي فضله الله على سائر أنواع المخلوقات فهو أفضل من النوع الـملكي ومن النوع الجني، وبما أن أنبياء الله من البشر، فآدم الذي هو أول فرد من أفراد البشر، من أفراد هذا النوع الكريم على الله تعالى خلق في هذا اليوم أي في يوم الجمعة وتمام خلق ءادم كان في الجنة.

فقد روى الحاكم في مستدركه أن ءادم لم يمكث في الجنة إلا ساعة من العصر إلى الغروب، لكن تلك الساعة ورد أثر بأنها مقدار مائة وثلاثين عاما لأن تلك الأيام الستة التي خلق الله فيها الأرض والسموات وخلق ءادم في ءاخر الخلق. كل يوم منها قدر ألف سنة بتقدير أيامنا هذه، فكانت مدة مكث ءادم في الجنة بعد نفخ الروح فيه إلى أن نزل على الأرض مائة وثلاثين عاما. وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: «فيه خلق ءادم».

وإنما أخر خلقه إلى ءاخر ذلك اليوم الذي هو ءاخر الأيام الست التي خلقت فيها السموات والأرض لأن ءادم صفوة الخلق أي أفضل من خلق قبله، أفضل من الملائكة وأفضل من غيرهم فكان مناسبا أن يكون ءاخر الخلق في تلك الأيام الستة.

كما أن محمدا صلى الله عليه وسلم الذي هو سيد الخلق سيد العالمين على الإطلاق وإمام الأنبياء وأشرف المرسلين خلق ءاخر الأنبياء لم يبعث إلا بعد أن بعث جميع الأنبياء عليهم السلام، وفي ذلك مناسبة مع صفة شراب أهل الجنة الذي وصفه الله بقوله: {ختامه مسك} [سورة المطففين: 26].

فليس الفضل عند الله تبارك وتعالى بطول عمر العبد من عباد الله الصالحين، إنما الفضل بتفضيل الله. فسيدنا ءادم عاش ألف سنة ونوح عاش أكثر من ذلك ومع ذلك فليسا أفضل الأنبياء، إنما أفضل الأنبياء هم خمسة. روى الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة أنه قال: خيار الأنبياء خمسة محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح وخير الخمسة محمد صلى الله عليه وسلم.

كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أقل الأنبياء عمرا عاش بعد نزول النبوة عليه ثلاثة وعشرين عاما، مع ذلك الله فضله على غيره من الأنبياء الذين فيهم ءادم الذي كان عمره ألف سنة ونوح الذي كان عمره ألفا وزيادة قيل إلى سبعمائة وخمسين فوق الالف وقيل أقل من ذلك.

فالفضل ليس إلا بتفضيل الله تعالى فهو تبارك وتعالى له أن يفضل من يشاء من خلقه، لا يقال من كان أطول عمرا وأطول عبادة هو أفضلهم. لو كان الأمر كذلك لم يكن سيدنا محمد أفضلهم وسيدهم، لكنه هو أفضلهم وسيدهم وأشرفهم وأكرمهم على الله تعالى. وأما أن ءادم قبض يوم الجمعة فهو أمر متفق عليه ليس في ذلك خلاف لورود هذا النص الحديثي الصحيح.

اللهم ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة

وقنا عذاب النار